مصر تغرق بسرعة في الديون الخارجية، ورغم الوعود الحكومية المتكررة بوضع قيود صارمة للاقتراض الخارجي، إلا أن ما يحدث على الأرض يقول عكس ذلك، ويؤكد أن هناك رغبة حكومية جامحة في الاستدانة، وأنه لا يوجد في المقابل بطء أو تقييد أو ضوابط صارمة للاقتراض كما رددت الحكومة عدة مرات.
ويكفي أن نرصد القروض الخارجية التي تم الإعلان عنها خلال أول أسبوعين من شهر أكتوبر الجاري وتكشف أن الحكومة تغرق البلاد في ديون لا تمثل قيمة مضافة للاقتصاد القومي، ولا توجه حصيلتها لتمويل مشروعات انتاجية وخدمية تدر عائدا بالنقد الأجنبي يتم من خلاله سداد أصل الدين والفوائد المستحقة عليه.
بل تمثل هذه الديون عبئا، ليس على الأجيال القادمة وحسب، بل على الاقتصاد والموازنة العامة والمواطن والاستثمار، وأنه سيأتي اليوم الذي سيعمل فيه المصريون وينتجون لصالح المقرضين الدوليين وسداد ديونهم، ولا نستغرب في هذه اللحظة تحرير الأسعار وبيعها حسب الأسعار الدولية رغم ثبات الأجور والدخول.
وقد تقترب لحظة تقول فيها الحكومة إن إيرادات الدولة لا تكفي لتغطية أعباء وأقساط الديون العامة سواء المحلية أو الخارجية، وأن علينا أن نقترض قروضا جديدة لسداد أصل الديون القائمة، على أن يسدد المواطن من جيبه ودخله المحدود وضرائبه أعباء تلك الديون وأسعار الفائدة المستحقة عليها.
ساعتها، ستخير الحكومة المواطن بين أمرين كلاهما مر، بين أن تدعم الموازنة العامة وإيرادات الدولة السلع والخدمات الرئيسية مثل رغيف الخبز والتعليم والصحة، أو أن تسدد الديون المستحقة على البلاد، وتخيرهم بين دفع رواتب الموظفين العاملين بالجهاز الإداري للدولة البالغ عددهم نحو 5 ملايين موظف، أو سداد أقساط دول نادي باريس ودول الخليج.
اليوم الثلاثاء 16 أكتوبر، قالت وزيرة الاستثمار سحر نصر إن بلادها أبرمت اتفاقا جديدا يقضي باقتراض 3 مليارات دولار من البنك الدولي، وقبل أيام قال مصدر رسمي إن الحكومة تتفاوض لاقتراض 1.5 مليار دولار من نفس البنك لتنمية سيناء والإسكان الاجتماعي.
وقبل ثلاثة أيام، وتحديداً يوم 13 أكتوبر، حصلت مصر على قرض من البنك الدولي بقيمة 300 مليون دولار يخصص لتمويل مشروعات صرف صحي، وهذا الرقم يضاف إلى 3 مليارات دولار سبق وأن حصلت عليها خلال السنوات القليلة الماضية.
وفي نفس اليوم 13 أكتوبر، قال وزير المالية محمد معيط، إن مصر تخطط لاقتراض 5 مليارات دولار، "تزيد أو تنقص" حسب تعبيره، عبر طرح سندات دولية، وأن التركيز في هذه المرة سيكون على الأسواق الآسيوية بعد أن اقترضت الحكومة نحو 4.6 مليارات دولار من الأسواق العالمية في النصف الأول من العام الجاري، توزعت ما بين 4 مليارات سندات دولارية و2.6 مليارات سندات باليورو.
ويوم 10 أكتوبر خرج علينا مسؤول رسمي قائلا إن الحكومة تخطط لاقتراض 20 مليار دولار حتى العام 2022 من خلال طرح سندات دولية مقومة بعملات مختلفة.
وفي اليوم التالي، أي يوم 11 أكتوبر، أعلن البنك المركزي عن اقتراض 3.8 مليارات دولار عبر إبرام اتفاقية جديدة للبيع مع الالتزام بإعادة الشراء مع مجموعة من البنوك الدولية.
هذا يعني أن القروض الجديدة التي أعلنت عنها الحكومة في النصف الأول من الشهر الجاري تتجاوز 32 مليار دولار، حصلت بالفعل على شريحة منها، كما تسعى للحصول على الشرائح الباقية خلال الفترة المقبلة.
لا أتحدث هنا عن قروض صندوق النقد الدولي والتي حصلت الحكومة منها على 8 مليارات دولار، آخرها مليارا دولار في يوليو الماضي ويتبقى 4 مليارات دولار من المقرر الحصول عليها في شهري يناير ويوليو القادمين، علما بأن بعثة من الصندوق ستصل القاهرة الشهر المقبل لمراجعة ما تم في الإتفاق المبرم مع الحكومة تمهيدا للافراج عن شريحة القرض الخامسة البالغ قيمتها 2 مليار دولار.
ولا أتحدث هنا عن قروض دول الخليج التي تم تجديدها بقيمة 6 مليارات دولار، ولا عن قروض الصين المستحقة والبالغة 2.76 مليار دولار وتم تجديدها أيضا، ولا عن قروض خارجية تجاوزت المائة مليار دولار.
ولا أتحدث عن المفاوضات التي تجريها البنوك وفي مقدمتها الأهلي المصري ومصر والقاهرة لاقتراض ملياري دولار من الخارج، بل أتحدث عن قروض جديدة ستحصل عليها الحكومة خلال الفترة المقبلة رغم إعلانها وضع قيود صارمة للاقتراض، وأنه لا اقتراض إلا بعد تحديد مصادر السداد.
ولا أتحدث عن 500 مليون دولار حصلت عليها الحكومة من قرض للبنك الأفريقي للتنمية، يوم 30 سبتمبر الماضي.
على الحكومة أن "تفرمل" في الاقتراض الخارجي لأنه خطر شديد على الاقتصاد والعملة الوطنية، وأن تتوقف عن الاقتراض لزيادة الاحتياطي الأجنبي، وعليها أن تتوقف عن الاقتراض لسد عجز الموازنة العامة المتزايد رغم خفض الدعم الحكومي المقدم للسلع ورفع أسعار السلع والكهرباء والمياه والضرائب والرسوم الحكومية، وعليها أن تنشط مصادر إيرادات النقد الأجنبي خاصة من قطاعات الاستثمارات الأجنبية والسياحة والصادرات، وأن تزيد الإنتاج المحلي للحد من الواردات وتخفيف الضغط عن سوق الصرف الأجنبي.
إغراق مصر في الديون ليس في صالح المواطن والاقتصاد، بل ورطة لا نعرف من المستفيد منها.