في وقت الأزمات تساند الحكومات المتقدمة والمنتخبة مواطنيها عبر تقديم الإعانات والسيولة النقدية والخدمات المجانية من تعليم وصحة ومواصلات ومعاش تقاعدي.
فالحكومات في هذه الدول لا تلعب دور السمسار الجشع الذي يتاجر في المواطن ويتربح منه ويبيع له السلعة والخدمة بسعر مرتفع، حتى في ظلّ تراجع الأسعار في الأسواق الدولية، بل هي مقدم جيد للخدمات العامة، وتمنحها مجاناً، أو على الأقل بسعر يناسب دخل المواطن.
فما دامت الحكومة تحصل على ضرائب ورسوم من المواطن، فهي ملتزمة دعمه ومساندته، وخاصة المنتمين إلى الطبقات الفقيرة والمهمشة والعاطلين من العمل.
مثلاً، في الولايات المتحدة أعلن مسؤول في البيت الأبيض أمس، أنّ الرئيس جو بايدن يعتزم توفير 400 مليون قناع "إن 95" عالي الحماية للمواطنين مجاناً في الصيدليات ومراكز الصحة المجتمعية، وأن توفير الأقنعة المجانية أكبر عملية نشر لمعدات الحماية الشخصية في تاريخ البلاد.
وجاء حرص الإدارة الأميركية على طرح الأقنعة ليس من منطلق أنها الأرخص، بل لأنها تُعَدّ أكثر فاعلية في الوقاية من الفيروس من الأقنعة المصنوعة من القماش، والجراحية.
واللافت أنّ الولايات المتحدة كانت أكبر داعم لمواطنيها على مستوى العالم خلال أزمة تفشي كورونا، فقد بلغت قيمة التحفيزات النقدية التي ضختها في شرايين الاقتصاد والأسواق وللأسر نحو 6 تريليونات دولار.
بلغت قيمة التحفيزات النقدية التي ضختها الولايات المتحدة في شرايين الاقتصاد والأسواق وللأسر نحو 6 تريليونات دولار
واللافت أيضاً أنّ هذا يحدث في دولة تصنف نفسها أنها زعيمة الرأسمالية في العالم، وتطبق قواعد العرض والطلب بقوة، ونظرية "دعه يعمل دعه يمر".
ومن الأدوار الاجتماعية التي حرصت عليها الدول المتقدمة إبان تفشي كورونا أيضاً، تقديم مساعدات نقدية للمواطن.
فالولايات المتحدة قدمت مئات المليارات من الدولارات للأسر للتخفيف من تداعيات الأزمة الصحية والمساعدة على تجاوزها، وكذا فعلت ألمانيا وبريطانيا وفرنسا واليابان وغيرها من الدول التي تحصل على ضرائب من الموطن مقابل تعهدها بمنحه خدمات تعليمية وصحية وتقاعدية مجانية ومساندته في أوقات الأزمات.
ومن الأمور التي تحرص عليها تلك الحكومات أيضاً، منح إعانة بطالة أو منفعة البطالة لأيّ عاطل من العمل، وهذه الإعانة تصرف شهرياً وتعتبر جزءاً من نظام الضمان الاجتماعي، توفر بموجبها الحكومة تعويضاً مالياً للأفراد الذين فقدوا عملهم، واللافت أنّ قيمة الإعانة قد تفوق قيمة الراتب الذي كان يحصل عليه العاطل قبل فقدانه فرصة العمل.
في فرنسا، مثلاً، يُقدَّر الحد الأقصى لتعويضات العاطلين بـ6900 يورو شهرياً، ويتيح وضع البطالة الجزئية للموظف الحصول على تعويضات في حدود 70% من الراتب الإجمالي و84% من الراتب الصافي.
في الولايات المتحدة تبلغ قيمة إعانة البطالة نحو 600 دولار أسبوعياً، أي أكثر من 2400 شهرياً، ووفق دراسة تحليلية لبنك غولدمان ساكس في مايو/أيار 2020، فإنّ 75% ممن فقدوا وظائفهم تتخطى الإعانات الحكومية التي يحصلون عليها دخولهم قبل جائحة كورونا.
في المقابل، نجد أنّ الحكومات العربية ترتكب كارثتين: الأولى هي التنصل أصلاً من توفير فرص عمل للعاطلين، بل والتضييق على القطاع الخاص، الموفر الأساسي لتلك الفرص مع تراجع دور الحكومات في التوظيف.
والثانية عدم تقديم أي إعانات للعاطلين من العمل إلى حين عثورهم على فرصة عمل، بل ربما ترك هؤلاء العاطلون نهباً للفراغ، وربما للمخدرات والضياع.