تسود حالة من التفاؤل الحذر في الكويت بعد الانتهاء من الانتخابات البرلمانية والإعلان عن التشكيل الحكومي وانعقاد الجلسة الافتتاحية لمجلس الأمة الكويتي، فيما أعلنت الحكومة عن أولويات المرحلة المقبلة والتي تأتي على رأسها معالجة الأزمات المزمنة التي يعاني منها الاقتصاد في ظل تفاقم عجز الميزانية الذي بلغ ما يقرب من 39 مليار دولار، فضلا عن أزمة شح السيولة.
وفي الإطار، قال مصدر حكومي كويتي لـ "العربي الجديد" إن الحكومة جادة في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية المستحقة خلال الفترة المقبلة، و"لن تخضع لابتزاز النواب الذين يسعون إلى دغدغة مشاعر ناخبيهم وقواعدهم الشعبية".
وأضاف المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه، أن هناك توجيهات أميرية لتطبيق الإصلاحات الاقتصادية، ومعالجة الأزمات المالية الراهنة، خصوصا أزمتي عجز الميزانية وشح السيولة، فضلا عن العمل على تهيئة الأجواء واتخاذ الإجراءات التي تهدف إلى معالجة التعافي الاقتصادي.
وأشار المصدر إلى أن برنامج الإصلاح الاقتصادي يشمل إعادة النظر في الدعم المقدم للمواطنين، وزيادة الرسوم، وترشيد الإنفاق الحكومي، وإصلاح الميزانية العامة للدولة، ومحاربة الفساد في كافة القطاعات الحكومية.
وكشف المصدر أن الحكومة الكويتية ستسعى خلال الفترة المقبلة إلى المضي في إقرار قانون الدين العام الذي يتضمن اقتراض ما يقرب من 65 مليار دولار، لافتا إلى أن عدم تجاوب أعضاء مجلس النواب الكويتي مع القانون سيشعل أزمة جديدة مع الحكومة، فيما قد تضطر إلى إقراره من خلال "مرسوم الضرورة".
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الكويتي حجاج بوخضور لـ "العربي الجديد" إنه لا مجال للتهاون في معالجة أزمات الكويت المالية والاقتصادية، مشيرا إلى أن الأوضاع الحالية لا تحتمل التجاذبات السياسية وتصفية الحسابات.
وأضاف بوخضور أن عدم التعاون بين السلطتين يعني صداما مبكرا غير مبرر، على حساب مصلحة الكويت والشعب، محذرا من أن عدم إقرار الإصلاحات المستحقة في أقرب وقت ممكن لانتشال الاقتصاد الكويتي من أزماته، قد يدخل البلاد النفق المظلم.
وأكد بوخضور خلال اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" أنه كلما تأخر البدء في الإصلاح، زادت الفاتورة الاقتصادية، فضلا عن التأثير السلبي على سمعة الكويت الاقتصادية وتأثر مركزها المالي وخفض التصنيف الائتماني للدولة.
وكان رئيس الحكومة الكويتية الشيخ صباح الخالد الصباح، قال منذ أيام أمام أعضاء مجلس الأمة، إن المرحلة المقبلة ستشهد بدء الإصلاح الاقتصادي لتحقيق التنمية وتعزيز استدامة المالية العامة للدولة، والعمل على تخفيض عجز الموازنة ودعم تطوير دور القطاع الخاص وتعزيز إمكاناته للمساهمة بفاعلية أكبر في مختلف مجالات البناء والاستثمار وتحسين البيئة الاستثمارية في المجالات التنموية. وأكد على ضرورة الاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة والمساهمة في تنشيط الاقتصاد ودفع عجلة النمو، لافتا إلى أنها من أولويات العمل الحكومي.
كما حذر من استمرار الاعتماد على النفط كمورد وحيد للدخل، وتأثيره السلبي على الطرح المطلوب لتعزيز مكانة الكويت كمركز مالي وتجاري متطور في المنطقة والعالم، مشددا على ضرورة العمل من أجل تنويع مصادر الدخل ومحاولة الاستثمار الأفضل من الفوائد المالية الحقيقية.
وقبل أيام، قالت صحيفة فايننشال تايمز، إن الكويت تواجه مفارقة واضحة وهي أن "الدولة الخليجية التي لديها صندوق ثروة سيادي بقيمة 550 مليار دولار تعاني من نقص في السيولة لدفع رواتب القطاع العام المتضخم".
وذكرت الصحيفة أن النفط يشكل 90 في المائة من إيرادات الكويت، لكن الأسعار التي انخفضت خلال العام الجاري، أثرت بشدة على الإيرادات المالية، مما فاقم العجز بنسبة 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وهو أعلى مما كان عليه في التسعينيات، خلال الفترة المالية الخطيرة التي أعقبت الغزو العراقي للكويت. وأشارت إلى أن الإقبال الكبير على الانتخابات البرلمانية يشير إلى التوق الشعبي للتغيير ومحاربة الفساد.
بدوره، أكد الباحث الاقتصادي الكويتي عادل الفهيد لـ "العربي الجديد" أن تغيير وزير المالية الكويتي السابق براك الشيتان، وقدوم الوزير خليفة حمادة، مؤشر على جدية السلطات ورغبتها في الإصلاح الاقتصادي، لافتا إلى أنه عرف عن حمادة توجهاته الإصلاحية ومواقفه من الأزمات المالية الحالية. وقال الفهيد إنه يجب إطلاع الشعب الكويتي على حقيقة ما آلت إليه الأمور، مشيرا إلى أن عدم المصارحة بشأن الوضع الحالي سيدفع المواطنين إلى رفض الإصلاح وسيسمح للنواب بتبني خطابات شعبوية لن تخدم الرؤية الأميرية الهادفة إلى الإصلاح الجاد.
ودعا إلى ضرورة فرض ضرائب تصاعدية على أرباح شركات القطاع الخاص، فضلا عن أهمية فرض ضريبة القيمة المضافة كما فعلت دول مجلس التعاون الخليجي وزيادة الرسوم الحكومية ومحاربة الفساد ووقف التعيين العشوائي في الجهات الحكومية وترشيد الإنفاق، وإعادة النظر في حجم الدعم المقدم للمواطنين.