إعادة قناة السويس للأجانب

22 ديسمبر 2022
قناة السويس أهم ممر مائي حول العالم/Getty
+ الخط -

عندما تجد الحكومة المصرية صعوبة في بيع أصول الدولة بشكل مباشر، وتريد الالتفاف على الموازنة العامة ورقابة الأجهزة المسؤولة، هنا تؤسس صندوقاً خاصاً بعيداً عن موازنة الدولة والخضوع لمراجعة ورقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، أهم جهاز رقابي في الدولة، وغيره من الأجهزة.

صندوق تحيا مصر، صندوق مصر السيادي، وأخيراً صندوق قناة السويس السيادي أبرز الأمثلة.

في الصندوق الأول لا أحد يعرف أي شيء عنه، موارده ونفقاته، تفاصيل إدارته وحجم الأموال التي تم جمعها من التبرعات وغيرها، فيما تنفق هذه الأموال، هل يتم إجراء رقابة لاحقة وسابقة على أموال الصندوق أم لا. والصندوق بشكل عام يتمتع بقليل من الشفافية والافصاح وكثير من الإعفاءات والصلاحيات.

الصندوق السيادي يبيع بعض أصول الدولة لمستثمرين عرب وأجانب دون أن نعرف هل ستؤول حصيلة البيع إلى الموازنة العامة للدولة من عدمه

صندوق تحيا مصر يتم تعريفه على أنه "صندوق ذو طبيعة خاصة له شخصية اعتبارية ويتمتع بالاستقلال المالي والإداري يتبع رئيس مجلس الوزراء ويتمتع بصفة خاصة برعاية رئيس الجمهورية".

وفي الصندوق الثاني، السيادي، فقد استحوذ على أصول ضخمة تابعة للدولة مثل مباني ومقار وأراض مجمع التحرير ووزارة الداخلية القديم والحزب الوطني المنحل والمدينة الاستكشافية، والقرية الكونية وشركات إنتاج كهرباء وغيرها بحجة إدارتها وتنميتها.

وبدلا من تحقيق هذا الهدف راح الصندوق يبيع بعض تلك الأصول لمستثمرين عرب وأجانب دون أن نعرف هل ستؤول حصيلة البيع إلى الموازنة العامة للدولة من عدمه، وهل يفحص الجهاز المركزي للمحاسبات العروض المقدمة والصفقات المبرمة، ولماذا تم استبدال نظام المزاد المطبق في عمليات الخصخصة وبيع الأصول العامة منذ سنوات بنظام الأمر والبيع والإسناد المباشر.

وبعد سنوات قليلة من إطلاق نشاطه تبين في النهاية أن الصندوق السيادي الذي من المفروض أن يدير فوائض الدولة من النقد الأجنبي هو عبارة عن باب خلفي لبيع أصول الدولة والشركات التابعة لها.

علما بأن الصندوق يدير محفظة ضخمة قدر المدير التنفيذي للصندوق أيمن سليمان قيمتها في منتصف 2020 بما يتراوح بين 50 و60 مليار جنيه، كحزمة أولية. فكم تبلغ القيمة الآن مع مواصلة إضافة أصول الدولة للصندوق السيادي.

الآن جاء الدور على قناة السويس، درة أصول مصر، والتي تدر على موازنة الدولة نحو 7 مليارات دولار سنويا حيث تقدمت الحكومة للبرلمان بمشروع قانون يقضي بإنشاء صندوق سيادي خاص جديد للهيئة يجري تمويله من إيرادات الهيئة وفائض أرباحها، ويعتبر من أشخاص القانون الخاص وليس العام.

خصخصة قناة السويس لن يكون الأخير في مشوار خطة بيع أصول الدولة، فربما هناك في الطريق صناديق أخرى لبيع البنوك الحكومية الكبرى

هذا الصندوق بصلاحياته الواردة في القانون يعد بابا خلفيا لخصخصة قناة السويس وبيع أصولها وربما إعادتها مرة أخرى للأجانب، فالصندوق يضع يده على أصول وأموال واستثمارات وشركات أهم ممر مائي في العالم ويتصرف في تلك الأصول سواء بالاستثمار أو التأجير أو البيع.

وإذا كان البعض يزعم أن القانون لا علاقة له ببيع أصول قناة السويس فما تفسيره لهذه الفقرة الواردة في المادة 15 مكرر (2) من المشروع الحكومي المقدم للبرلمان، والتي تنص على تمكين الصندوق من القيام بجميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية للقناة، ومنها: تأسيس الشركات، والاستثمار في الأوراق المالية، شراء وبيع وتأجير واستئجار أصول الصندوق الثابتة والمنقولة والانتفاع بها".

مع كل تعويم جديد للجنيه المصري وإملاءات وشروط صندوق النقد الدولي لا نفاجأ بمثل هذه القوانين سيئة السمعة والصناديق منعدمة الشفافية، أو التوسع في رقعة بيع أصول الدولة.

فخصخصة وبيع قناة السويس لن يكونا الأخيرين في مشوار خطة بيع أصول الدولة، فربما هناك في الطريق صناديق أخرى لبيع البنوك الحكومية الكبرى وهي الأهلي المصري ومصر والقاهرة، وبيع شركات التأمين واعادة التأمين التابعة للدولة، وبيع حصص في البريد المصري والجامعات الحكومية، وربما نصل إلى مرحلة رهن أصول أخرى أكثر حساسية للمصريين مثل الأهرامات وأبو الهول.

قديما استولى الأجانب على قناة السويس عقب غرق مصر في الديون الخارجية، ولجوء الخديوي إسماعيل للمرابين وأصحاب البنوك ودول الفوائض

قديما استولى الأجانب على قناة السويس عقب غرق مصر في الديون الخارجية، ولجوء الخديوي إسماعيل للمرابين وأصحاب البنوك ودول الفوائض المالية، ومع تركم الديون باتت القناة تحت السيطرة البريطانية والفرنسية في عام 1888.

وفي عام 1956 حرر المصريون قناة السويس من الأجانب بقرار تأميمها التاريخي، وربما تعود القناة للأجانب في عام 2023 أو حتى 2030 في حال السماح بتمرير القانون الحالي وإغراقها بمزيد من الديون والأعباء المالية.

المساهمون