إعادة تأميم السكك الحديدية: خطة لتحسين خدمات النقل في بريطانيا

05 ديسمبر 2024
محطة قطار في لندن، 8 أكتوبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- خطة حزب العمال لإعادة تأميم السكك الحديدية: يهدف حزب العمال البريطاني إلى تحسين الكفاءة والخدمات عبر إعادة تأميم مشغلي السكك الحديدية تدريجياً، مع توقع زيادة الرحلات عبر الخطوط المملوكة للدولة من 23% إلى 39% بحلول 2025.

- التحديات والفرص في التأميم: يشير مارك سميث إلى أن التأميم قد يتيح تحسينات هيكلية مثل تعزيز التنسيق بين إدارة المسارات وتشغيل القطارات، رغم أن الأداء يعتمد على الاستثمار في البنية التحتية.

- الأبعاد السياسية والاقتصادية: يرى كريستيان ولمار أن التأميم يمثل انقلاباً على سياسات الخصخصة الفاشلة، ويهدف إلى نظام أكثر كفاءة بدمج العمليات مع البنية التحتية، مع التركيز على تحسين الأداء وتقليل التكاليف.

في خطوة تُعد تحولاً جذرياً في قطاع النقل البريطاني، أعلن حزب العمال في 4 ديسمبر/كانون الأول عن خطة لإعادة تأميم مشغلي السكك الحديدية تدريجياً، بهدف تعزيز الكفاءة وتقديم خدمات أفضل للركاب. وفقاً للتوقعات، سترتفع نسبة الرحلات التي تجري عبر خطوط مملوكة للدولة من 23% حالياً إلى 39% بحلول نهاية عام 2025.

تتولى الحكومة حالياً إدارة سبع شبكات رئيسية، من بينها سكك حديد شمال شرق لندن (LNER)، القطارات الشمالية، والسكك الحديدية الجنوبية الشرقية. ومن المقرر أن تنتقل خطوط سي تو سي إلى الملكية العامة في يوليو 2025، تليها شركة أنجليا الكبرى في الخريف، ما يعزز دور الدولة في القطاع.

ملكية السكك الحديدية ليست الحل

في حديثه إلى"العربي الجديد"، يوضح مارك سميث، المعروف بـ"الرجل في المقعد 61"، خبير ومعلق بارز في السفر بالسكك الحديدية، أن مسألة ملكية السكك الحديدية، سواء كانت عامة أو خاصة، ليست العامل الحاسم في تحسين الأداء أو خفض الأسعار. ويؤكد أن التغيير في هوية المالكين أو طلاء القطارات بلون مختلف، لا يترجم بالضرورة إلى تحسينات عملية.

ويشير سميث إلى أن المديرين سيظلون نفسهم، يديرون الفرق نفسها والقطارات والبنية التحتية، سواء كانت الملكية خاصة أو حكومية. ويكمل، أن الشركات الخاصة تسعّر خدماتها بناءً على ما يتحمله السوق لإرضاء مساهميها، وتفعل المنظمات المؤمّمة الأمر نفسه لتغطية تكاليفها وتقليل الدعم الحكومي وتوليد الأموال للاستثمار، مما يجعل الاختلاف محدوداً.

ويقول سميث إن الأسعار لن تنخفض إلا إذا قرّرت الحكومة تقديم دعم مباشر أو الاستثمار في زيادة السعة مثل مشروع HS2، (مشروع قطارات سريع يهدف إلى ربط لندن بعدد من المدن الكبرى، عبر شبكة سكك حديدية جديدة)، الذي يؤدي إلى زيادة المقاعد وبالتالي تقليل التكلفة. أما بالنسبة لتحسين الأداء، فيرى سميث أنّه يتطلب استثماراً في بنية تحتية أفضل، وزيادة في الموارد الاحتياطية أو تحسين إدارة القطاع، وهي أمور يمكن تحقيقها بغض النظر عن طبيعة الملكية.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ومع ذلك، يلفت سميث إلى أن التأميم قد يتيح تغييرات هيكلية يمكن أن تحدث فرقاً ملموساً، مثل تعزيز التنسيق بين إدارة المسارات وتشغيل القطارات، وتقديم تجربة أكثر اتساقاً للمسافرين على مستوى البلاد، بالإضافة إلى تحسين العمل الجماعي بين مشغلي القطارات.

الأبعاد السياسية والاقتصادية

يرى كريستيان ولمار، الصحافي البريطاني المتخصص في شؤون السكك الحديدية، أن إعادة التأميم تحمل أبعاداً سياسية واقتصادية واضحة، ويقول في حديث لـ"العربي الجديد"، على الصعيد السياسي، تمثل هذه الخطوة انقلاباً على إحدى الركائز الأساسية لسياسات حزب المحافظين التي استمرت لعقود، حيث أصبحت الخصخصة بمثابة رمز لهذه السياسات.

يضيف ولمار أن الخصخصة، على الرغم من رمزيتها، أظهرت فشلاً في إدارة السكك الحديدية، مما أسفر عن نظام تشغيل فوضوي وغير فعّال بشكل كبير، وتسبب في زيادة كبيرة في التكاليف. أما من الناحية الاقتصادية، فإن إعادة التأميم تمثل تحولاً نحو نهج أكثر بساطة وكفاءة، حيث يكمن الأسلوب الأكثر فاعلية لتشغيل السكك الحديدية في دمج العمليات مع البنية التحتية، وهو ما يعد الدافع الأساسي وراء هذه الخطوة.

يؤكد ولمار أن التحدي الأكبر الذي سيواجهه حزب العمال هو إثبات أن إعادة التأميم حققت تحسينات ملموسة يشعر بها الركاب بشكل مباشر. لذلك، ينبغي عليه العمل على تحسين أداء السكك الحديدية، من خلال تقليل التأخيرات وإلغاء الرحلات، بالإضافة إلى توجيه استثمارات مدروسة في مناطق محددة. ويلفت إلى أن التحدي لا يقتصر على مجرد تنفيذ تغيير هيكلي، بل يكمن في استغلال الإمكانات الكامنة لهذا التغيير الجذري. فالتحوّل إلى نموذج تشغيل السكك الحديدية كوحدة متكاملة يمكن أن يكون أكثر كفاءة وفعالية، مقارنة بإدارتها كنظام مجزأ إلى أقسام منفصلة.

إلى جانب عملية إعادة التأميم، يشير ولمار إلى وجود توجّه نحو نقل بعض السلطات إلى الإدارات المحلية أو مجموعة من السلطات المحلية لتولي إدارة أجزاء من شبكة السكك الحديدية. ومع ذلك، يوضح أن نجاح هذا التوجّه يعتمد على توفير تمويل إضافي للمناطق المستهدفة، حيث يمكن تخصيص هذه الأموال لتحسين السكك الحديدية أو أولويات أخرى.

يشدّد ولمار، على أن إقناع الحكومة المركزية بتخصيص هذه الأموال ليس بالأمر السهل، لكنه يعتبر خطوة ضرورية لإنجاح هذا المشروع، خاصة في مدن مثل مانشستر، ليدز، وبرمنغهام، التي تحتاج بشدة إلى استثمارات لتحسين خطوط السكك الحديدية. ومع ذلك، يجب أن يُمنح للمجتمعات المحلية الصلاحيات اللازمة لإنفاق الأموال وفقاً لأولوياتها. وينوّه بأن هذا التوجه يمثل تحولاً جذرياً عن التقليد السائد في بريطانيا، حيث كانت الحكومة المركزية دائماً تتحكم في الإنفاق بشكل صارم، مع تفويض محدود جداً للسلطات المحلية. إذا تحقق هذا التغيير، فإنه سيمكّن السلطات المحلية من اتخاذ قرارات أكثر مرونة لتحسين شبكة السكك الحديدية والبنية التحتية بما يتناسب مع احتياجاتها الخاصة.

تحوّلات قطاع السكك الحديدية

إلى جانب الأبعاد السياسية والاقتصادية، يشهد قطاع السكك الحديدية في بريطانيا تحولات بارزة نحو إعادة الخدمات إلى القطاع العام. حالياً، تُدار سبع شبكات رئيسية بواسطة الحكومة، تشمل سكك حديد شمال شرق لندن (LNER) والقطارات الشمالية والسكك الحديدية الجنوبية الشرقية وترانس بيناين إكسبريس التي تُشغّلها وزارة النقل كـ"مشغل الملاذ الأخير" يُقصد بهذا المصطلح تدخل الوزارة لتولي إدارة وتشغيل الخدمات عندما تعجز الشركات الخاصة عن الوفاء بالتزاماتها التشغيلية أو المالية، بهدف ضمان استمرارية الخدمة وحماية مصالح الركاب.

ويصب تولي وزارة النقل دور "مشغل الملاذ الأخير" في مصلحة الركاب، حيث يضمن استمرار خدمات السكك الحديدية من دون انقطاع في حال فشل الشركات الخاصة في إدارتها. يُساهم هذا التدخل في حماية حقوق الركاب، إذ تلتزم الوزارة بتحسين الأداء وتوفير خدمات أكثر كفاءة وموثوقية. بالإضافة إلى ذلك، يتيح هذا النموذج إعادة توجيه الأولويات نحو المصلحة العامة بدلاً من الأرباح التجارية، ما يؤدي إلى تعزيز جودة الخدمات وضمان استثمارات مستدامة في البنية التحتية، مما ينعكس إيجابياً على تجربة الركاب.

وتشير إحصاءات مكتب السكك الحديدية والطرق إلى أن هذه الشبكات الحكومية مجتمعة استحوذت على حوالي ربع رحلات الركاب في الفترة من 2023/2024. وانطلقت عملية التأميم في 2018 مع سكك حديد شمال شرق لندن، ثم توسعت في 2020 مع القطارات الشمالية، وتبعتها السكك الحديدية الجنوبية الشرقية وخدمات ويلز في 2021. وفي 2022، انضمت سكوت ريل إلى الإدارة العامة، واكتملت أحدث مراحل التأميم في 2023 بضم كاليدونيان سليبر وترانس بيناين إكسبريس.

التحول في سياسات النقل

يعكس هذا التوجه تراجعاً عن سياسة الخصخصة التي تبنّتها حكومة المحافظين في التسعينيات بقيادة جون ميجور، ويتبنى نهجاً جديداً يركز على إدارة متكاملة تستهدف تحسين الكفاءة وتلبية احتياجات الركاب. وفقاً لمراقبين، فإن استعادة السيطرة على شبكات مثل سي تو سي وأنجليا الكبرى وساوث ويسترن ريلواي، تُعد خطوة نوعية ستؤدي إلى زيادة الرحلات الحكومية إلى 39% بحلول 2025، مما يعزز تكامل الشبكة ويضع المصلحة العامة فوق الاعتبارات الربحية.

لا تقتصر أهداف التأميم على تحسين الأداء، بل تسعى أيضاً إلى تحقيق عدالة أكبر للركاب من خلال خفض التكاليف وتقديم خدمات محسنة. يأتي هذا التحول في إطار قانون جديد لخدمات السكك الحديدية، الذي يسعى لتوحيد الإدارة تحت كيان "السكك الحديدية البريطانية الكبرى".

من جهتها، رحبت النقابة الوطنية لعمال السكك الحديدية والبحرية والنقل (RMT) بهذه الخطوة، واعتبرها أمينها العام ميك لينش، بداية لتحوّل طال انتظاره. وأكّد أن النهج الجديد سيساهم في استثمارات أكثر فاعلية في البنية التحتية ويُحسن ظروف العمال ويركز على خدمة الركاب بشكل أفضل.

رغم التفاؤل، تواجه الحكومة الحالية تحديات كبيرة في إثبات جدوى التأميم وهناك مطالب بتوسيع الصلاحيات المحلية لتحقيق العدالة في الأسعار وتحسين الخدمات.

وتبيّن التقارير أن التأميم يمثل استجابة لفشل الخصخصة في إدارة السكك الحديد، حيث أدى النظام السابق إلى زيادة التكاليف. ومن المتوقع أن يساهم التأميم في تقليل التأخيرات وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية، مما يوفر خدمات أفضل للركاب.

بدوره، يرى حزب العمال أن هذه الخطوات هي البداية نحو إعادة القطاع إلى الملكية العامة لمعالجة ارتفاع الأسعار وتحسين جودة الخدمات. ورغم غياب جدول زمني محدد لتأميم المشغلين المتبقين، يمثل هذا التحول السياسي والاقتصادي محاولة لإرساء نظام نقل أكثر عدالة وكفاءة، يضع المصلحة العامة في الطليعة.

المساهمون