إعادة إعمار غزة... دور قطري وحيد وعرقلة إسرائيلية

31 اغسطس 2022
منازل مدمرة بفعل العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة (العربي الجديد)
+ الخط -

مع انتهاء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في 7 أغسطس/ آب الجاري، تعهدت دولة قطر بإعادة إعمار ما دمره الاحتلال خلال العدوان الذي استمر 56 ساعة، لتكون الدولة الوحيدة التي أبدت استعدادها للقيام بهذه المهمة، فيما غاب ممولون عرب آخرون إلى جانب الاتحاد الأوروبي عن المشهد.

ويعاني القطاع من بطء شديد في عملية إعادة الإعمار جراء السياسات الإسرائيلية ووضع اشتراطات خاصة على عملية إعادة البناء، ما يجعلها تسير بوتيرة غير مرضية بالنسبة إلى أصحاب المنازل المدمرة خلال العامين الأخيرين.

ويشكل غياب المانحين إحدى العقبات الرئيسية التي تعوق إنجاز عملية الإعمار. فإلى جانب قطر، لا يوجد إلا الدور المصري الذي ركز في عملية إعادة الإعمار بعد العدوان الذي شنه الاحتلال العام الماضي 2021، على إقامة مدن سكنية (بدأت لكنها تتسم بالبطء)، إلى جانب إعادة تأهيل بعض الطرق وإنشاء الكباري والجسور التي لم يبدأ العمل بها.

وفي أعقاب عدوان العام الماضي، تعهدت دولة قطر كذلك بتقديم 500 مليون دولار كمساهمة منها في عملية إعادة الإعمار، من خلال اللجنة التي تعمل في القطاع منذ زيارة الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة إلى غزة عام 2012.

تدمير أكبر قدر من الوحدات السكنية

ويركز الاحتلال الإسرائيلي في جولات التصعيد على تدمير أكبر قدر من الوحدات السكنية بهدف الضغط على المقاومة الفلسطينية في القطاع، وتحديداً على قاعدتها الشعبية من أجل وقف التصعيد أو عدم التلويح به مستقبلاً.

ويعاني القطاع المحاصر منذ عام 2006 اقتصادياً جراء السياسات الإسرائيلية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، ما رفع معدلات البطالة إلى أكثر من 47% وعزز من معدلات انعدام الأمن الغذائي وقلص متوسط دخل الفرد اليومي إلى دولار واحد يومياً.

وتجري عملية إعمار غزة بعيداً عن السلطة الفلسطينية، حيث تقدم وزارة الأشغال في القطاع التقارير الفنية المطلوبة للمانحين مثل قطر أو وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" فيما تقوم هذه الجهات بالصرف للمستحقين.

وتمر عملية الإعمار للوحدات السكنية بمراحل، حيث تتابع هذه الجهات عملية الإنجاز من أجل الاستمرار في الصرف، وهو ما يجعل عملية البناء تستغرق وقتاً أطول من المقرر في العادة، ويرجع ذلك إلى الاشتراطات الإسرائيلية التي تواجه هذه العملية.

يقول وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية في غزة، ناجي سرحان، إن الحصيلة الإجمالية لعدوان أغسطس/آب 2022، كانت 25 وحدة سكنية دُمرت بشكل كامل، فضلاً عن تضرر 80 وحدة بشكل بليغ.

غياب المانحين

ويؤكد سرحان لـ"العربي الجديد" أن غياب المانحين هو السمة الأبرز لعملية إعادة الإعمار الحاصلة حالياً مقارنة بعملية إعادة الإعمار التي جرت عام 2014، فضلاً عن غياب دور السلطة الفلسطينية التي تعتبر الجهة المعترف بها دولياً.

ولا ينفي وكيل وزارة الأشغال التي تديرها حركة "حماس" أن عملية إعادة الإعمار تقتصر على جانب محدد من قطاع الإسكان يتمثل بالوحدات السكنية فقط، فيما لا يوجد أي تعهدات ببناء الأبراج المدمرة في الحرب عام 2021 أو التي بقيت من عامي 2012 و2014.

ووفق سرحان، فإن إجمالي ما أُنجِز، أو هو قيد الإنجاز حالياً خلال عدوان 2021، 700 وحدة سكنية متضررة من إجمالي 1700 وحدة سكنية، وهي تشكل ما نسبته 40% فقط، فضلاً عما تضرر في العدوان الأخير ولم يُشرَع ببنائه.

ويلفت إلى أن القطاعات الأخرى مثل القطاعات الصناعية والزراعية إلى جانب الأبراج والعمارات الضخمة التي تضم عشرات الوحدات السكنية، لا يوجد أي تقدم فيها نتيجة الإعاقة الإسرائيلية المباشرة وعدم الموافقة على عملية إعمارها.

حصار إسرائيلي

وبحسب وزارة الأشغال في غزة، هناك 6 أبراج دُمِّرَت في العدوان الإسرائيلي عام 2021، بالإضافة إلى أبراج أخرى تدمرت من الحروب السابقة، ليصل إجمالي الأبراج التي تحتاج إلى عملية إعادة إعمار في القطاع إلى 10 أبراج تقريباً.

ويعاني قطاع غزة الذي يعيش فيه أكثر من مليوني فلسطيني ظروفاً اقتصادية ومعيشية صعبة، جراء الحصار الإسرائيلي الممتد لأكثر من 16 عاماً، وتداعيات الانقسام الفلسطيني الداخلي، حيث ترتفع معدلات الفقر والبطالة.

في موازاة ذلك، يقول أستاذ علم الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة سمير أبو مدللة، إن عملية الإعمار عملية سياسية بامتياز وغير منفصلة عن الطور السياسي، وهناك ضغوط إسرائيلية وأخرى أوروبية على حركة "حماس" لتقديم تنازلات.

ويوضح أبو مدللة لـ"العربي الجديد" أن الاحتلال يربط عملية إعادة الإعمار بقضية الجنود الأسرى لدى الذراع العسكرية لحركة حماس، وبالتالي إن الجزء الكبير من المنازل لم يجرِ إعماره إلى جانب الأبراج والعمارات السكنية الكبيرة.

وبحسب أستاذ علم الاقتصاد، فإنه رغم تعهد بعض الدول ببناء الأبراج التي دمرت، فإن الاحتلال يعرقل أي حراك في هذا الملف ويضعها اشتراطات كثيرة من أجل البدء في تنفيذها، فضلاً عن المنشآت المدمرة التي لم يقدم إليها أي شيء منذ عام 2014.

ويرى أن الاحتلال يسعى لتقويض القطاع الاقتصادي الفلسطيني وجعله اقتصاداً غير قابل للنمو والتنمية ضمن سياسة إسرائيلية مدروسة في الوقت الذي يزداد فيه الواقع المعيشي سوءاً بشكل شبه يومي في القطاع.

فقر مدقع

ووفقاً لأبو مدللة، فإن نسبة الفقر والفقر المدقع وصلت إلى 47%، فيما تتجاوز نسبة الأسر التي تحصل على المساعدات الإغاثية حاجز 70%، فضلاً عن التراجع الكبير في عمل القطاع الخاص الذي يعتبر المشغل الأكبر للأيدي العاملة.

ويرى أن هناك غياباً واضحاً للدول المانحة عن عملية إعادة الإعمار، باستثناء الدور القطري فقط، نتيجة لعاملَين، أولهما عامل سياسي مرتبط بعلاقات بعض الدول العربية مع الاحتلال والتطبيع، وشق مرتبط بالاهتمام في دول أخرى كاليمن وسورية وأوكرانيا.

المساهمون