إضراب لبنان: الإنذار الأخير قبل الانفجار الاجتماعي الكبير

27 مايو 2021
جانب من الإضراب العام الذي نُظّم أمس الأربعاء (حسين بيضون)
+ الخط -

أطلق الاتحاد العمالي العام في لبنان الإنذار الأخير قبل الانفجار الاجتماعي الكبير رافعاً شعار "حكومة الإنقاذ" كمدخلٍ لمواجهة الأزمات ولجم الانهيار الشامل، وعلى وقعه التزمت الهيئات الإدارية والنقابية ومختلف المصالح المستقلة بإضراب عام نفذ الأربعاء شلَّت نتيجته الحركة في الدوائر والمؤسسات وسط تلويح بمعركة مفتوحة سيتخللها تصعيد يوازي حجم الكوارث التي تحاصر البلاد وغياب المسؤولين. وشهدت مختلف المحافظات والمناطق اللبنانية اعتصاماً عاماً وإقفالاً شاملاً شاركت فيه اتحادات النقل البري، واتحاد نقابات العمال والمستخدمين في الشمال، نقابة المحامين، الهيئة الإدارية لرابطة موظفي الإدارة العامة، رابطة التعليم الأساسي والثانوي والمهني، اتحاد نقابات موظفي المصارف، نقابة معلمي المدارس الخاصة، نقابة مستخدمي وعمال مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، وغيرها الكثير من الاتحادات والنقابات العمالية.

انتفاضة الأربعاء

وقررت الاتحادات والنقابات والهيئات أن تنتفض الأربعاء بعدما وحّدتها الأزمة الاقتصادية التي قضت على أنفاس الموظفين والعمّال والأساتذة والمياومين في لبنان مع تآكل قيمة رواتبهم التي يتقاضونها بالليرة اللبنانية، وانعدام القدرة الشرائية لديهم في ظل ارتفاع الأسعار الجنوني للسلع الأساسية والمواد الغذائية من دون أي حسيب أو رقيب، وتدهور أحوالهم المعيشية والاجتماعية عدا عن الضغوط النفسية اليومية التي يعانون منها ويفاقمها مشاهد إذلال اللبنانيين أمام محطات المحروقات والسوبرماركت والصيدليات ووقوعهم ضحية جشع كبار التجار المحميين سياسياً أو المتروكين قضائياً وأمنياً يتلاعبون بالأسعار والعدادات، ويحتكرون البضائع، ويلجؤون إلى التخزين والتهريب لجني أرباح طائلة.

ويقول رئيس الاتحاد العمالي العام، بشارة الأسمر، لـ"العربي الجديد" إن "الاضراب العام أمس الاربعاء هو الثالث من نوعه وستليه تحركات أخرى وتصعيد ضمن الوسائل المتاحة والمشروعة في حال استمرار الجمود الحكومي والتجاذبات السياسية الضيقة التي ستطيح بالبلاد".

وحذّر الأسمر من أنّ "الأيام المقبلة ستكون أسوأ بكثير من المرحلة الماضية، حيث إنّ الأزمات ستكون أشبه بسلسلة ترتبط بها مختلف القطاعات وتتساقط الواحدة تلو الأخرى، ولا سيما على صعيد أزمة المحروقات، وربطاً الكهرباء، وقد رأينا كيف أن الأعمال في مرفأ بيروت باتت مهددة بسبب انقطاع التيار الكهربائي، والأمر نفسه متعلق بانعكاسات ذلك على التنقل اليومي للمواطن، وبالتالي على الحركة الاقتصادية ككلّ". وكرّر الأسمر تأكيد ضرورة الإسراع في تشكيل حكومة إنقاذ تتخذ القرارات المناسبة على صعيد مسألة الدعم وتوزيع البطاقة التمويلية بشكل عادل شرط عدم تأمين المبالغ المطلوبة لها من أموال المودعين، محذراً من رفع الدعم العشوائي والزيادات التي إن شملت بعض القطاعات ستكون أشبه بكارثة ولا سيما على صعيد الامنين الغذائي والصحي للبنانيين.

وقال الأسمر في اعتصام مركزي للاتحاد العمالي العام نفذ صباح أمس إنه "لا معالجات من دون حكومة"، متوجهاً الى المسؤولين بالقول، "كفى محاصصة واتهامات ورفعاً مقنّعاً للدعم"، معلناً، عن مبادرة تتمثل في توسيع الحلقة النقابية باتجاه جبهة نقابية واحدة تواكب جميع التطورات في لبنان.

اعتكاف الوزارات

من جهتها، دعت الهيئة الإدارية لرابطة موظفي الإدارة العامة جميع موظفي القطاع العام إلى إقفال الإدارات العامة والمؤسسات ذات الطابع الإداري يومي الأربعاء والخميس على أن يكون نهار الجمعة 27 مايو/أيار الجاري يوم اعتكاف أمام الوزارات من دون عمل وإنهاء الدوام عند الساعة الحادية عشر صباحاً.

وأكد رئيس اتحادات النقل البري، بسام طليس، في كلمة له خلال الاعتصام الذي نفذ شمالاً صباح أمس أن المعركة اليوم باتت مفتوحة، ولن نرضى أن يتحمل المواطن اللبناني والعمال والموظفين عامةً أي أعباءٍ إضافية نتيجة رفع الدعم، وكان قرارنا بهذا الاتجاه بعدم رفع تعرفة النقل، لا بل دعم القطاع والسائق العمومي ببعض صفائح البنزين والمازوت المدعومة وقطع غيار السيارات وصيانتها لأن وجعنا واحد وصرختنا يجب أن تكون واحدة.

وسجل في تحركات الأربعاء مشاركة كثيفة للأساتذة والمعلمين الذين عبّروا خلال الاعتصام عن غضبهم مما وصلت اليه الحالة العامة في البلاد وكيف انقلبت حياة معلمين مؤتمنين على مستقبل أجيالٍ رأساً على عقب بينما هم باتوا غير قادرين على ضمان مستقبلهم في بلدٍ يُهان فيه المعلّم ويُذلّ براتب شهري لم يعد يتخطى مئة دولار أميركي؟ وفق ما تقول معلمة لغة عربية في مدرسة رسمية بالعاصمة اللبنانية بيروت لـ"العربي الجديد".

وتؤيد المعلمة (فضلت عدم الكشف عن اسمها كونها تدرس في مدرسة تابعة للدولة اللبنانية) التحركات التي تحصل اليوم، وتأسف لعدم استمرارها وفرض حالة تمرد شاملة وانتفاضة شعبية حتى تحقيق المطالب واستعادة أبسط حقوق عيش الانسان المنهوبة من قبل السلطات حالها كحال الودائع المحتجزة لدى المصارف.

وتقول: "يختار المعلم التدريس كرسالة لبناء مجتمع أفضل وتربية الأجيال على حب الوطن والالتزام بالقانون واعتماد المعايير المهنية مستقبلاً في مسيرتهم، وفي المقابل تقوم الدولة بفعل ممارساتها وفسادها بتهجير الأدمغة والقلب النابض للبلد، ودفع المعلم أيضاً الى الهجرة أو البحث عن مهنة أخرى تؤمن له لقمة العيش وتحترم عطاءه وتضحياته وتقدر مجهوده".

حكومة إنقاذ

في صيدا جنوب لبنان، والبقاع أيضاً، لبّت الهيئات والقطاعات العمالية دعوة الاتحاد العمالي العام وهيئة التنسيق النقابية إلى الاضراب عام، ونفذت اعتصاماً أكدت خلال الكلمات على ضرورة الإسراع في تشكيل حكومة إنقاذ من اختصاصيين أصحاب كف نظيف وكفاءة يضعون برنامج عمل إصلاحي يكافح الهدر والفساد في مؤسسات وإدارات الدولة ويعيد ثقة الخارج بلبنان ودعمها المالي للنهوض بالبلاد اقتصادياً.

وحمّلت الهيئات الدولة اللبنانية مسؤولية الانهيار الشامل وعجزها عن إدارة البلد بطريقة شفافة ونزيهة واستمرارها في تغليب مصالحها الخاصة على المصلحة الوطنية وتكتفي بالتحذير من الازمة والتنبيه اليها في حين يفترض بها أن تكون مؤتمنة على سلامة الوطن والمواطن.

وشددت الكلمات على ضرورة توحيد الصفوف والمواقف كسلاحين أساسيين للصمود والاستمرارية وتحقيق المطالب بوجه سلطة لا تكترث لأوجاع الناس ومعاناتهم وتعتبر نفسها محصنة من المحاسبة والمساءلة. مكافحة التهريب وبالتزامن مع الاعتصام العام، كان الرئيس اللبناني ميشال عون يترأس اجتماعاً امنياً للمجلس الأعلى للدفاع في قصر بعبدا الجمهوري بحضور رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب، بحث تقرير وزير الداخلية محمد فهمي حول كيفية مكافحة التهريب ومواضيع أمنية أخرى. ويعد التهريب من الأسباب الأساسية للأزمة الاقتصادية وانقطاع الادوية والمواد الغذائية والسلع الاستهلاكية والمحروقات ويكبّد الدولة اللبنانية خسائر بمليارات الدولارات سنوياً ويحرم اللبنانيين من الدعم وهو ما دفع المعنيين في القطاعات المذكورة الى طلب استبدال الدعم الذي يمنحه مصرف لبنان بمساعدات مباشرة أو بطاقات تمويلية شرط أن توزع بطرقة عادلة وشفافة من دون استنسابية أو محاصصة ومن دون المسّ بالاحتياطي الالزامي وودائع الناس.

في السياق، وقع الرئيس عون أمس، المرسوم الرقم 7797 تاريخ 26 مايو/أيار الجاري القاضي بإحالة مشروع قانون معجل الى مجلس النواب يرمي الى اقرار البطاقة التمويلية وفتح اعتماد إضافي استثنائي لتمويلها. وكان وزير المال اللبناني في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني وقع يوم الاثنين مشروع قانون معجَّل معدّ من قبل رئاسة الحكومة يرمي إلى إقرار البطاقة التموينية وفتح اعتمادٍ إضافي استثنائي لتمويلها والتي من المتوقع أن تشمل 750 ألف عائلة في ظل غياب الثقة الشعبية بالسلطة لإدارة العملية بشكل سليم وشفاف.

المساهمون