إسرائيل والحقبة البايدنية

24 نوفمبر 2020
الرئيسان نتنياهو وترامب أثناء وقيع اتفاق تطبيع العلاقات مع الأمارات والبحرين بواشنطن
+ الخط -

حقَّق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، انتصارات كبيرة خلال السنوات الأربع التي قضاها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في البيت الأبيض، فقد اعترفت الولايات المتحدة تحت الإدارة الترامبية بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، ونقلت سفارتها إلى القدس المحتلة واعترفت بها عاصمة لإسرائيل.

ووفَّرت تلك الإدارة كل الظروف المواتية لتمرير صفقة القرن ونجاح اتفاقية السلام، ومكَّنت من ضمّ ثلاث دول عربية هي الإمارات والبحرين والسودان إلى قافلة التطبيع التاريخية مع الكيان الصهيوني.
وقد أزعجت هذه العلاقة الوطيدة فوق العادة بين ترامب ونتنياهو الحزب الديمقراطي بالولايات المتحدة، حيث سيؤدِّي انضمام الرئيس المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض إلى انبثاق عهد جديد ذي ملامح غير واضحة في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، تاركاً نتنياهو في موقف لا يُحسد عليه، فكيف سيتأقلم هذا الأخير مع سياسة بايدن؟ وهل سيضطرّ إلى اللجوء إلى اللوبي الضاغط داخل الولايات المتحدة وخارجها للحفاظ على الزخم الذي حقَّقه خلال الفترة الماضية؟ وهل سيضع هذه المرّة مصالح بلاده فوق مصالحه؟
ينطبق على الثنائي ترامب - نتنياهو المثل القائل "وافق شنّ طبقة"، نظراً لأسلوبهما المتماثل في كسر المحظورات وارتكاب الحماقات، ومع انتهاء الحقبة الترامبية يتعيَّن على نتنياهو العدول عن أسلوبه المتهوِّر القديم وانتهاج أسلوب جديد يتماشى وفقاً لأميركا البايدنية، وذلك إن أراد استمرار تدفُّق حنفية المساعدات الأميركية لبلاده.
والفرصة لا تزال سانحة أمام نتنياهو لإعادة ضبط النغمة مع رئاسة بايدن الذي يُعتبر بدوره مؤيِّداً قديماً للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وحائزاً على سجِّل حافل في الكونغرس بشأن التشريعات المؤِّيدة لدولة الاحتلال، وصديقاً لجأ إليه الإسرائيليون في ذروة التوتُّر مع الرئيس السابق باراك أوباما، ولكون أهداف سياسة بايدن لا تعكس بالضرورة أهدافه الخاصّة، فينبغي على نتنياهو أن لا يشعر براحة كبيرة، وأن يستخدم كل عصبوناته والوسائل المتاحة له لإبعاد المساعدات الأميركية عن مصيدتي التدقيق وخفض الإنفاق. 

والآن أكثر من أي وقت مضى ستكون المساعدات الأميركية تحت مجهر المقارنة الإسرائيلي، فمنذ عام 1999، تمَّ تحديد المساعدة الأميركية الشاملة لإسرائيل في مذكّرات تفاهم مدّتها 10 سنوات بين الحكومتين الأميركية والإسرائيلية، وجدير بالذكر أنّها ليست اتفاقيات ملزمة قانوناً مثل المعاهدات، وبالتالي لا تتطلَّب مصادقة مجلس الشيوخ عليها، ويجوز للكونغرس قبول أو تغيير مبالغ المساعدة السنوية لإسرائيل، فقد بلغت قيمة المساعدات الأميركية الاقتصادية والعسكرية لإسرائيل ضمن مذكّرة التفاهم الأولى للفترة الممتدة ما بين 1999 و2008، والتي تمَّت الموافقة عليها في ظلّ إدارة كلينتون باسم Glide Path Agreement، 26.7 مليار دولار (منها 21.3 مليار دولار كمساعدات عسكرية فقط). 
وفي عام 2007، وافقت إدارة بوش والحكومة الإسرائيلية على مذكّرة تفاهم ثانية تتكوَّن من حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 30 مليار دولار للفترة الممتدة ما بين 2009 و2018. 
وفي 14 سبتمبر/أيلول 2016، وقَّعت الحكومتان الأميركية والإسرائيلية في مقرّ وزارة الخارجية بواشنطن على مذكّرة تفاهم أخرى مدّتها 10 سنوات بشأن المساعدات التي تغطِّي الفترة الممتدة ما بين 2019 و2028 والتي تعهَّدت فيها الولايات المتحدة بتقديم 38 مليار دولار كمساعدات عسكرية لضمان التفوُّق العسكري لإسرائيل (منها 33 مليار دولار مقدمة من منح التمويل العسكري الأجنبي لشراء تجهيزات دفاعية إضافة إلى 5 مليارات دولار مقدمة من مخصَّصات برامج الدفاع الصاروخي لتطوير نظام "القبّة الفولاذية" للدفاع الجوّي الإسرائيلي). 
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، قرَّرت إدارة ترامب انتهاز الفرصة في الوقت المتبقِّي، وتسريع الجدول الزمني لتسليم إسرائيل مبلغاً جزئياً من الـ 26.4 مليار دولار المتبقِّية من إجمالي 33 مليار دولار التي تمَّ التعهُّد بها ضمن منح التمويل العسكري الأجنبي في مذكّرة التفاهم لعام 2016، وفي انتظار موافقة الكونغرس على هذا القرار، قد توافق الولايات المتحدة أيضاً على بيع المزيد من الطائرات المقاتلة من طراز "F-35" إلى إسرائيل وتسليمها طائرات التزويد بالوقود الجوّي والنقل من طراز "KC-46A"، وهذا وفقاً لأحدث تقرير صادر عن خدمة أبحاث الكونغرس Congressional Research Service الأميركي في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020. 
وينمّ إقدام ترامب على تسريع وتيرة وصول المساعدات الأميركية العسكرية للأيادي الإسرائيلية في الأيام المعدودة له في البيت الأبيض عن اقتراب دخول تلك المساعدات نفق التدقيق واحتمالية التخفيض بسبب جائحة كورونا التي عبثت بالمؤشرات الاقتصادية الحسّاسة للولايات المتحدة.
لا يخفى على أحد أنّ المساعدات الأميركية لإسرائيل تستهدف الجانب العسكري بغية تعزيز القدرات العسكرية الدفاعية والهجومية للكيان الصهيوني، وإعلاء هيمنته في المنطقة الموبوءة بالصراعات والنزاعات، ولكن يبدو أنّ بايدن سيُدخل متغيِّرات جديدة على لعبة الشطرنج الإسرائيلية في المنطقة ويرشّها بشيء من الديمقراطية، فهو مستعدّ لإنعاش القضية الفلسطينية ومن المرجَّح أيضاً أن يسعى إلى إظهار شكل من أشكال التقارب مع إيران لإنقاذ خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، وكأنّه يرغب في إضفاء تغيير ولو بسيط على البيادق التي وضعها ترامب، ولكون البيادق أقلّ القطع حركة في هذه اللعبة، تعتبر عملية تحريكها استراتيجية فعّالة يمكن أن تهدم المستوى القياسي الذي وصل إليه نتنياهو في عهد ترامب. 

ومع اقتراب اللحظة التي ستطأ فيها قدما بايدن البيت الأبيض، ينكمش تغوُّل نتنياهو الذي يترقَّب عن كثب تحرُّكات البدائل القادمة نتيجة مغادرة أقوى أنصار إسرائيل في عام 2021 مثل اليهودي، إليوت إنجل، (ديمقراطي من نيويورك)، ونيتا لوي، (ديمقراطية من نيويورك) اللذين دعما إسرائيل خلال ترؤُّسهما للجان مجلس النواب القوية للشؤون الخارجية والمخصّصات.
وبالمقابل سيكون هناك تقدُّم في الرتب لأعضاء قد سبق لهم التصادم علانية مع المؤيِّدين لإسرائيل كعضوة الكونغرس، بيتي ماكولوم، (ديمقراطية من مينيسوتا)، وباربرا لي، (ديمقراطية من كاليفورنيا) واللتين ستضطلعان بأدوار مؤثِّرة في إعداد الميزانية المخصّصة لمساعدة الأمن الإسرائيلي. 
خلاصة القول، إنّ الدعم المالي الأميركي لإسرائيل يظلّ قضية إجماع في مجلس النواب، وملامح هذا الدعم معرَّضة بشكل كبير للتغيُّر في الحقبة البايدنية التي سيُفرِّق خلالها صانعو السياسة بين دعم إسرائيل ودعم قيادتها، ولن يكون إقناعهم بالتوفيق بين الاثنين أمراً يسيراً، خصوصاً أنّ اليسار قد سئم من انصياع نتنياهو لليمين في القدس المحتلة وكذا في واشنطن.

المساهمون