تتحرك الحكومات الأوروبية والغربية سريعاً لمواجهة أزمات غلاء المعيشة وزيادة أسعار السلع والخدمات والفواتير والناتجة من عدة أسباب خارجية، منها زيادة أسعار الحبوب والوقود وغيرها من السلع الأولية والمواد الخام في أسواق العالم عقب اندلاع حرب أوكرانيا.
في المقابل، تقف معظم الحكومات العربية عاجزة عن احتواء تلك الأزمات المعيشية العنيفة، مبررة ذلك بقلة الحيلة وضعف الموارد المالية وشح النقد الأجنبي وزيادة الإنفاق العام كما تقول وسائل الإعلام المحسوبة عليها، رغم أن الجميع يعلم أن الموارد المالية متوافرة وكثيرة داخل تلك الدول، لكن يلتهمها السفه و"لخبطة" الأولويات لدى حكوماتها، مع زيادة الأعباء على الدولة بسبب "التوسع غير المحسوب" في الاقتراض الخارجي والمحلي.
حكومات تعتبر أن إقامة كوبري في منطقة غير مأهولة بالسكان أهم من إقامة مدرسة، وإقامة فندق 5 نجوم في مدينة ساحلية أهم بكثير من إقامة مستشفى
فإقامة كوبري في منطقة غير مأهولة بالسكان أهم بعشرات المرات من إقامة مدرسة في مكان شعبي مكتظ بالسكان، وإقامة فندق 5 نجوم في مدينة ساحلية أهم بكثير من إقامة مستشفى أو وحدة صحية في قرية، وإقامة قصر ومبنى حكومي ودار أوبرا أهم من الإنفاق على الصحة والتعليم وتحسين الرواتب والأجور من وجهة نظر تلك الحكومات.
لكن رغم هذه الأعباء المالية المصطنعة وغير الرشيدة، تستطيع الحكومات في دول المنطقة تخفيف الأعباء عن المواطن ومواجهة غلاء المعيشة من طريق أدوات هي تمتلكها بالفعل، منها مثلاً زيادة المساعدات النقدية وخفض الضرائب والرسوم الحكومية، وخفض أسعار السلع الأساسية، مثل السلع الغذائية والبنزين والسولار وغاز الطهي، والتوقف عن زيادة فواتير المياه والكهرباء، وتقديم المساعدات النقدية الدائمة للأسر الفقيرة والأرامل والعمالة الموسمية، وتحسين أجور الموظفين.
هذه الحكومات لا تخترع العجلة عندما تطبق هذه الخطوات بالغة الأهمية بالنسبة للمواطن في ذلك التوقيت، ولا تمنّ وتتصدق على شعوبها كما توحي بذلك من آن لآخر، ويمكنها الاستفادة من تجارب خارجية إن لم يكن لديها تصور محدد لعلاج أزمة الغلاء والتضخم.
التجربة الحالية التي تطبقها حكومة إسبانيا من بين النماذج التي يمكن الاستفادة منها في المنطقة العربية، خاصة أنها عملية وسهلة التطبيق.
صحيح أنها تحرم إيرادات الدولة وموازنتها بعض الموارد المالية لفترة من الزمن، لكن مكافحة التضخم والتخفيف عن المواطن يسبقان أي أولويات أخرى، حتى لو جاءت على حساب موارد الدولة ورفعت الدين العام.
أعلنت الحكومة الإسبانية خطوات جديدة لمواجهة غلاء الأسعار، من بين تلك الخطوات إلغاء ضريبة القيمة المضافة المفروضة على السلع الأساسية
قبل أيام قليلة أعلنت الحكومة الإسبانية خطوات جديدة لمواجهة غلاء الأسعار، من بين تلك الخطوات إلغاء ضريبة القيمة المضافة المفروضة على السلع الأساسية، بهدف تعويض الارتفاع الشديد في الأسعار. علماً بأن هذه الضريبة تمثل إرهاقاً شديداً للمواطن والأسعار في دولة عربية عدة مثل مصر، حيث تبلغ النسبة بها 15%، وهي مفروضة على معظم السلع والخدمات.
وخلال الأشهر الستة المقبلة، ستخفض الحكومة الإسبانية الضريبة على القيمة المضافة من 4% إلى صفر% لكلّ السلع الاستهلاكية الأساسية، مثل الخبز والحليب والجبنة والفواكه والخضر والحبوب.
أما الضريبة على القيمة المضافة المعتمدة للزيت والمعكرونة، فستتراجع من 10% إلى 5%. وكذا تقرر تمديد خفض ضريبة القيمة المضافة الحالية على الطاقة إلى 5% حتى النصف الأول من العام الحالي.
كذلك قررت إسبانيا منح بدلات نقدية للعائلات لتخفيف تداعيات ارتفاع أسعار السلع عن ميزانيات الأسر، حيث ستُمنَح مساعدة نقدية بقيمة 200 يورو تصرف لنحو 4.2 ملايين أسرة يبلغ دخلها 27 ألف يورو أو أقلّ في السنة، بهدف تعويض ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية.
وقررت الحكومة أيضاً خفض سعر الوقود لكلّ السائقين، بداية من اليوم الأحد الأول من يناير/ كانون الثاني في اطار خطة لمواجهة أزمة الطاقة وقفزات أسعار النفط والغاز الطبيعي.
حكومات العالم لا تتوقف عن مساعدة مواطنيها في التغلب على غلاء الأسعار، لأنها إن لم تفعل ذلك فتسقط مع أول استحقاق انتخابي
حزمة المساعدات الجديدة التي أعلنها رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز يوم الثلاثاء الماضي تبلغ قيمتها 10 مليارات يورو (10.65 مليارات دولار) وتوجه لمواجهة آثار التضخم.
وتعد هذه ثالث حزمة كبيرة في 2022، ليصل بذلك إجمالي المساعدات التي أقرتها الحكومة الإسبانية منذ بداية عام 2022 إلى 45 مليار يورو، مُنحَت للأسر المتضررة من الغلاء.
حكومات العالم لا تتوقف عن مساعدة مواطنيها في التغلب على غلاء الأسعار، لأنها إن لم تفعل ذلك فتسقط مع أول استحقاق انتخابي، وقد تخرج ضدها تظاهرات شعبية واسعة للمطالبة بإسقاطها.