حثت إدارة الرئيس جو بايدن الشركات الزراعية وشركات النقل البحري بالولايات المتحدة على شراء المزيد من الأسمدة الزراعية الروسية، خوفاً من حدوث نقص كبير يؤثر على الإنتاج الزراعي. وحدثت الخطوة التي مررتها الإدارة الأميركية في هدوء ودون ضجة إعلامية خوفاً من تداعياتها السالبة على موقفها الداعم لأوكرانيا التي تتعرض لحرب شرسة من قبل الجيش الروسي، حسب ما ذكره موقع "زيرو هيدج" الأميركي المتخصص في الأخبار المالية.
يذكر أن إمدادات الأسمدة تعيش حالة من النقص الكبير في الأسواق العالمية، مما استدعى الأمم المتحدة للتدخل لإقناع روسيا بزيادة صادرات الأسمدة والسماح بتصدير الأسمدة الأوكرانية عبر الموانئ في البحر الأسود التي باتت تحت قبضة موسكو. وتعد روسيا من بين أهم الدول المصدرة للأسمدة عالمياً. وتعرضت صادراتها للاضطراب بسبب الحرب على أوكرانيا، وما تلاها من عقوبات غربية شملت تعاملات البنوك والنقل البحري وشركات التأمين.
ووفق تحليل بموقع "زيرو هيدج"، فإن البنوك والشركات الغربية في أوروبا تتخوف من التعاملات التجارية مع روسيا، حتى وإن لم تكن محظورة خوفاً من الوقوع في قبضة الحظر الثانوي الأميركي الذي ربما يعرضها لعقوبات مالية قاسية، أو ربما حرمانها من التجارة في السوق الأميركي. ويرى خبراء أن خطوة إدارة بايدن تعكس حجم الورطة الاقتصادية التي تعيشها بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي ترفع من معدل التضخم وتهدد بدخول الاقتصاد مرحلة من الركود بسبب غلاء أسعار الوقود والمواد الغذائية والسلع والمعادن.
وتواجه إدارة بايدن انتخابات النصف الحاسمة لأغلبيتها في الكونغرس في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني، وترغب بشدة في خفض معدل التضخم، خاصة أسعار مواد الغذاء التي ارتفعت في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوياتها منذ عام 1979، حسب بيانات نشرة "فارم بوليسي" التي تصدر في شيكاغو" وتعنى بالمواد الزراعية. وتشير النشرة إلى أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت في أميركا بنسبة 11.9% في مايو/ أيار الماضي، مقارنة بمستوياتها السعرية في نفس الشهر من العام الماضي.
وفي ذات الشأن، سجلت أسعار الأسمدة في الأسواق العالمية ارتفاعات حادة لتسجل مستويات تاريخية، بعدما أعلنت روسيا عزمها تعليق صادراتها من الأسمدة. وتقدر صادرات روسيا من الأسمدة بنحو 14% من إجمالي التجارة العالمية للأسمدة النيتروجينية التي تدخل في مركباتها (اليوريا والأمونيا)، ونحو 21% من أسمدة البوتاسيوم و13% من صادرات الفوسفات. وتعاني إمدادات الأسمدة العالمية من اضطراب حركة الناقلات في موانئ البحر الأسود بعد قرار العديد من شركات الشحن البحري تعليق عملياتها في الموانئ الروسية.
وفي السياق، تقول دراسات متخصصة إن الأسواق العالمية تواجه تحولاً جذرياً في أسعار السلع وإمداداتها، قد لا ينتهي فقط بالتأثير على إمدادات الأسمدة ولكنه قد يطاول جميع السلع الأساسية التي تدخل في الإنتاج الصناعي والأغذية. وحسب دراسة للبنك الدولي، فإن هذا التحول ستكون له تداعيات رئيسية سالبة على الدول النامية والمتقدمة على السواء.
ويقول البنك الدولي في دراسته إن التغير الهيكلي الجاري في سوق السلع العالمية يعود إلى ثلاثة عوامل رئيسية، وهي جائحة "كوفيد 19" التي ضربت العالم في عام 2020 وأدت إلى اضطراب سلاسل الإمدادات العالمية من المواد الخام والصناعات الأساسية مثل الشرائح. والثاني هو الحرب الروسية في أوكرانيا وما تلاها من عقوبات غربية على موسكو. أما الثالث فهو التغيرات المناخية التي يشهدها العالم وأثرت بشكل مباشر على إمدادات الغذاء العالمي بسبب الجفاف الذي ضرب بعض مناطق العالم.
من جانبه، يقول بنك التسويات الدولية في دراسة حديثة، إن الحرب الأوكرانية رفعت أسعار النفط بنسبة 30% خلال العام الجاري، كما رفعت أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 60%، وضاعفت من أسعار السلع الغذائية والمعادن. ويتوقع بنك التسويات الدولية الذي يوجد مقره في سويسرا أن يكون لغلاء أسعار النفط على الاقتصاد العالمي تداعيات شبيهة بما حدث في السبعينيات من القرن الماضي، حينما ارتفعت الأسعار فجأة وأدت إلى "ركود تضخّمي" في الاقتصادات الصناعية.
لكن الدراسة لاحظت أن العالم الصناعي وقتها كان أكثر اعتماداً على النفط مقارنة بالبدائل المتوفرة اليوم. كما توقعت الدراسة كذلك مزيداً من الارتفاع في معدلات التضخم خلال العام الجاري، بسبب ارتفاع أسعار المعادن الرئيسية الداخلة في صناعة الطائرات والسيارات والإلكترونيات. ويشير بنك التسويات في دراسته إلى أن اضطراب أسعار السلع الرئيسية ربما سيقود إلى تداعيات خطيرة على الاقتصاد العالمي، لافتاً إلى أنها ربما تهدد العالم بالوقوع في دورة ركود اقتصادي على الأجل القصير.
إلى ذلك، تشير تحليلات لمجموعة "سيتي غروب" إلى أن المشترين العالميين للسلع الأساسية قد يدفعون مبلغ 5.2 تريليونات دولار إضافية للمنتجين هذا العام، مقارنة بما كانوا يدفعونه في عام 2019، وأوضحت المجموعة المصرفية الأميركية في مذكرة نشرتها وكالة بلومبيرغ يوم الإثنين أن تلك الزيادة تعادل 5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ولكنها حذرت من أنه في حال استمرار الاتجاه التصاعدي لارتفاع الأسعار في النصف الثاني من العام، فإن المشترين سيدفعون 6.3 تريليونات دولار زيادة هذا العام عما دفعوه في عام 2019، أو ما يعادل 6.2% من الناتج المحلي العالمي.