تشهد العملة المحلية في السودان تدهوراً كبيراً خلال الفترة الأخيرة، ما يهدد الإصلاحات الاقتصادية التي أقرتها الحكومة.
وأرجع المتعاملون انخفاض قيمة الجنيه إلى زيادة الطلب على الدولار في الأسواق الموازية، وضعف التحويلات الخارجية واتساع حدة المضاربات متوقعين مزيداً من التراجع خلال الأيام المقبلة.
وخصّص بنك السودان المركزي، مؤخراً، أكثر من 16 مليون دولار لصالح استيراد السلع الضرورية، إلّا أنّ العملة المحلية ما زالت تفقد قيمتها حيث وصل سعر الدولار إلى أكثر من 491 جنيهاً.
ووفقا للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، فقدت العملة المحليّة في السودان حوالي 87 و82 في المائة على التوالي من قوّتها الشرائية مقابل الدولار في الفترة ما بين عامي 2019 و2021.
وتبين في تقرير حديث للإسكوا صدر الأربعاء الماضي، أنّ السودان شهد أكبر تغيير بالنسبة المئوية في قيمة الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بانخفاضه بحوالي 20 في المائة.
وحسب مختصين، فإنّ السبب الرئيسي في تراجع الجنيه أمام الدولار رغم تحرير سعر الصرف هو السياسات الحكومية التي اعتمدت على وصفة صندوق النقد الدولي، الأمر الذي أدى إلى زيادة معدلات التضخم بصورة غير مسبوقة إلى أكثر من 422%، قبل أن تتراجع إلى 318% شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وتقول الاقتصادية السودانية، سمية سيد، لـ"العربي الجديد" إنّ "انفلات أسعار السلع والخدمات يزيد يوما بعد يوم حتى صار الجنيه بلا قيمة، ومع استمرار الأزمة السياسية وإغلاق الطرق وتوقف عمليات الصادر نتوقع المزيد من ارتفاع الأسعار ومن ضعف العملة الوطنية والمزيد من التضخم".
وتضيف أنّ استقرار سعر الصرف يحتاج إلى إقرار سياسات مشجعة للإنتاج وليس إجراءات إدارية أو أمنية بمثل ما هو متبع الآن.
وكان الخبير الاقتصادي معتز حسن، قال في تصريحات صحافية، مؤخراً، إنّ تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية وارتفاع الأسعار وفقدان العملة المحلية لقيمتها نتاج طبيعي لالتزام الحكومة بسياسات المؤسسات الدولية.
الخبير الاقتصادي عبد العزيز إسحاق، يرى في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّ الفوضى في السياسات غير المدروسة ربما تصل بالدولار إلى مستويات غير مسبوقة تزيد من معاناة السودانيين
الخبير الاقتصادي عبد العزيز إسحاق، يرى في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّ الفوضى في السياسات غير المدروسة ربما تصل بالدولار إلى مستويات غير مسبوقة تزيد من معاناة السودانيين وتقلل من قدرتهم الشرائية وتزيد الفقراء فقراً وتصبح المعادلة صعبة للإصلاح.
وظلت السوق الموازية لشهور في ترقب لسياسة تحرير سعر الصرف ومعرفة الإجراءات المقبلة من الحكومة، خصوصاً أنّ هناك كثيرا من العاطلين عن العمل اتخذوا من تجارة الدولار مهنة لهم في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة، الأمر الذي يجعلهم حريصين على عدم نجاح تلك السياسة، حسب مراقبين.
كما ينتهز بعض التجار الكبار الفرصة لإعادة توزيع خارطة السوق الموازية عبر سحب العملة المحلية من البنوك بكميات كبيرة، ما جعل القطاع المصرفي غير قادر على تلبية طلبات المتعاملين بالدولار خاصة الكميات الكبيرة.
أستاذ الاقتصاد في الجامعات السودانية، محمد إبراهيم الزين، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ تخفيض قيمة الجنيه السوداني عبر توجيهات صندوق النقد الدولي يتطلب إصلاحات هيكلية في البنك المركزي والحصول على وديعة أو منحة دولارية لضمان تنفيذ البرنامج المتفق عليه، لكن لم يحدث ذلك وكانت النتيجة زيادة في التضخم ومعاناة للأسر السودانية وفقدان الجنيه السوداني قيمته.
أما المصرفي السوداني سعد محمود، فيرى في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّ القفزة الكبيرة في تخفيض العملة المحلية بنسبة غير مسبوقة غير مبرر على الإطلاق، وسيظلّ المركزي يجاري السوق الموازية وبالتالي تزداد المعاناة، علماً أنّه لا توجد احتياطات نقدية في البنك.