قالت مصادر أوروبية إن هناك اتفاقاً بين أعضاء الكتلة الأوروبية على حظر النفط الروسي، وقد يُعلَن في غضون الأيام القليلة المقبلة، إذ أكد مسؤولون أن المفوضية الأوروبية باتت جاهزة لإعلان حظر النفط الروسي ومشتقاته بعد موافقة بعض الأعضاء الكبار على هذه الخطوة التي طالما كانت محل تخوف شديد من انعكاساتها.
وبحسب نشرة "أويل برايس" الأميركية، ضغطت الولايات المتحدة على بعض أعضاء الكتلة الأوروبية الذين كانوا يعارضون الحظر لإنهاء الخلافات داخل دول المجموعة والاتفاق على حظر النفط الروسي الذي يُعَدّ من أهم مصادر تمويل الحرب الروسية في أوكرانيا.
وفي ذات الشأن، قال معهد بروغيل للدراسات الاقتصادية في بروكسل في تحليل، يوم السبت المالضي، إن "مفاوضات جادة جارية حالياً بين قادة الاتحاد الأوروبي لحظر النفط الروسي". وأشار المعهد إلى أن المفاوضات تتناول الاتفاق على صدور قرار أوروبي بحظر شامل على النفط الروسي ومشتقاته البترولية.
وتستورد دول الاتحاد الأوروبي كميات من النفط والغاز يومياً تقدر قيمتها بنحو 1.1 مليار دولار. وفي ذات المنحى، تقدر بيانات مجلة الإيكونومست البريطانية، أن أوروبا أنفقت نحو 44 مليار يورو (حوالى 46 مليار دولار)، على فاتورة النفط والغاز الطبيعي المستوردة من روسيا منذ بداية الغزو الروسي. وهذه الأموال تذهب معظمها لتغطية نفقات الغزو الروسي لأوكرانيا، وتبعاً لذلك، فإنها تضعف مفعول الحظر الغربي على روسيا الذي يستهدف رضوخ موسكو للضغوط الاقتصادية ووقف الحرب.
وفي ذات الشأن، قالت مصادر أميركية إن المفوضية الأوروبية تعكف حالياً على وضع المسودة النهائية للحظر النفطي التي ستقدم قبل يوم الأربعاء المقبل لسفراء دول المجموعة الأوروبية في بروكسل. وقال مسؤول أوروبي طلب عدم ذكر اسمه لصحيفة "نيويورك تايمز"، إن الموافقة النهائية على مقترح حظر النفط الروسي قد تكون جاهزة بحلول الاثنين.
ورغم أنّ من غير المعروف حتى الآن ما إذا سيكون الحظر على الخامات والمشتقات البترولية الروسية شاملاً كما ذكر معهد بروغيل في بروكسل أو لا، إلا أن المؤكد أن واشنطن ستضغط على الشركات التي ستخرق الحظر في حال إقراره ومعاقبتها بشدة من خلال تنفيذ بنود الحظر الثانوي. ويمنح الحظر الثانوي وزارة الخزانة الأميركية الحق في حرمان الشركات العالمية التجارة في السوق الأميركي في حال خرقها لقوانين الحظر.
وكانت كل من ألمانيا وهولندا وبولندا تعارض الحظر النفطي على روسيا حتى منتصف شهر إبريل/ نيسان الماضي، بسبب اعتمادها الكبير على واردات النفط الروسي في تغذية السوق المحلي بالمشتقات البترولية، ولكن هذه المعارضة انتهت بعد طمأنات أميركية ومفاوضات مع دول نفطية لتلبية حاجة السوق الألماني.
في هذه الأثناء، يلاحظ أن شركات النفط الصخري حولت معظم شحناتها النفطية خلال الشهور الأخيرة إلى أوروبا، وأن هناك ناقلات نفطية عملاقة تبلغ سعتها مليوني برميل رست في موانئ إسبانيا وهولندا، وهو ما يعني زيادة ملحوظة في صادرات النفط الأميركي لأوروبا.
وعارضت ألمانيا، أكبر المستوردين للنفط الروسي في أوروبا، بشدة حظر النفط الروسي خلال مارس/آذار الماضي وقالت إنه سيكون مضراً لاقتصادها أكثر من الأضرار التي يلحقها بالاقتصاد الروسي. وأشار مسؤولون ألمان إلى مخاطر الحظر وتداعياته على إرباك الدورة الاقتصادية بالبلاد، خاصة بمصافي شرقي ألمانيا التي كانت جزءاً من الإمبراطورية الشيوعية السابقة قبل سقوطها في بداية التسعينيات وتفكك الاتحاد السوفييتي.
ولكن يبدو أن الطمأنات الأميركية نجحت في إقناع ألمانيا بضرورة الحظر والتضحية الاقتصادية في سبيل إفشال الغزو الروسي لأوكرانيا. وتستورد ألمانيا نحو 27 مليار طن من الخامات الروسية سنوياً، لكنها تمكنت من خفض اعتمادها على النفط الروسي في الشهر الماضي.
في هذا الصدد قال وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، يوم الثلاثاء الماضي، إن بلاده تأمل إيجاد وسيلة في غضون أيام لإبدال النفط الروسي بإمدادات من مصادر أخرى، مضيفاً أن ألمانيا يمكنها عندئذ أن تنفذ الحظر على النفط الروسي.
وشرح هابيك للصحافيين في أثناء زيارة لبولندا لإجراء محادثات حول أمن الطاقة بقوله: "اليوم يمكنني أن أقول إن حظراً (نفطياً) أصبح في مقدور ألمانيا".
وفي ذات الصدد قال محلل الطاقة في معهد الاقتصاد البولندي، ماسيج مينيزوسكي في تصريحات صحافية أخيراً، إن ألمانيا يمكنها استبدال واردات النفط الروسي من دول أخرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول أفريقية وعربية. وتستورد أوروبا كميات نفطية تقدَّر بنحو 3 ملايين برميل من النفط يومياً، ونحو 700 ألف برميل يومياً من المشتقات البترولية.
من جانبه، قال مصدر مطلع على المفاوضات الجارية حالياً في بروكسل لصحيفة "فايننشال تايمز"، إن "هنالك اتفاقاً داخل الكتلة الأوروبية على حظر النفط الروسي، لكن النقاش يدور حالياً حول أفضل السبل لتنفيذ الحظر وحرمان الرئيس فلاديمير بوتين استغلال الدخل النفطي في تمويل الحرب الشرسة على أوكرانيا".
ويرى محللون غربيون أن قضية إفشال خطط بوتين في احتلال أوكرانيا تمثل لأوروبا مسألة حياة أو موت، وأن التضحية المؤقتة في سبيل دحر الغزو الروسي مهمة، لأن أي تهاون قد يقود إلى تفكك الاتحاد الأوروبي وتعزيز طموحات موسكو بتوسيع حدودها الجغرافية ونفوذها السياسي في شرق أوروبا ومنطقة البلقان.
وتمثل واردات النفط الروسي إلى دول الاتحاد الأوروبي نسبة 28% من إجمالي واردات الكتلة الأوروبية من الخامات النفطيةالعالمية. ويذكر أن صادرات روسيا النفطية تقدرها نشرة "أويل برايس" بنحو 7.5 ملايين برميل يومياً من إجمالي إنتاجها النفطي المقدر بنحو 11.2 مليون برميل يومياً، وفق بيانات وكالة الطاقة الدولية.
ولكن هنالك مخاوف غربية من خرق الشركات الهندية والصينية للحظر الغربي على النفط الروسي. ولاحظت شركة "فورتيكسا" التي تراقب حركة الناقلات النفطية، أن صادرات النفط الروسية ارتفعت إلى آسيا بنحو 100 ألف برميل يومياً منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبرير/ شباط، مقارنة بما كانت عليه في العام الماضي 2021.
وتحصل الشركات الصينية والهندية على مزيد من الحسومات في أسعار خام الأوروال الروسي بسبب حاجة روسيا الماسة لأسواق بديلة للأسواق الأوروبية. وقدرت مصادر أميركية الشهر الماضي الحسومات التي تحصل عليها الشركات الآسيوية من صفقات خام الأورال الروسي بما يفوق 10 دولارات للبرميل مقارنة بسعر السوق لخام برنت.
من جانبها، قالت خبيرة السلع في مصرف "جي بي مورغان" الأميركي، ناتاشا كانيفا، في مذكرة لها أخيراً، إن روسيا تستطيع تصريف مليون برميل فقط من بين 4 ملايين برميل معرضة للحظر. وتبحث روسيا عن أسواق بديلة لنفطها منذ أسابيع تحسباً لحظر أوروبي محتمل، وقد تنتهي بخسارة نهائية للسوق الأوروبي لمنتجين آخرين في الشرق الأوسط.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 13 إبريل/ نيسان الماضي، إن روسيا ستعثرعلى مشترين جدد للنفط والغاز الطبيعي والفحم إذا رفض بعض العملاء التقليديين تسلّم الشحنات.
وأضاف بوتين في كلمة مخصصة لمنطقة القطب الشمالي الروسية: "لدينا خيارات وفرص بديلة متاحة، أما بالنسبة إلى النفط والغاز والفحم الروسي، فسنكون قادرين على زيادة استهلاكها في السوق المحلية، وتعزيز إيصال موارد الطاقة إلى مناطق أخرى في العالم تحتاجها حقاً".
ولم يكشف بوتين عن الدول التي كان يقصدها، لكن الصين التي لا تكفّ شهيتها للمحروقات عن النمو، تقع على حدود روسيا، وهي الدولة التي تدعم روسيا حتى الآن بشكل غير مباشر.
يذكر أن قرار شركة "غاز بروم" الأسبوع الماضي بقطع إمدادات الغاز الطبيعي من دولتي بلغاريا وبولندا، قد زاد من الغضب الأوروبي من الأسلوب الذي تستخدمه موسكو لابتزاز أوروبا، وقد يكون واحداً من دوافع تسريع حظر النفط الروسي ومشتقاته.