يعتزم الاتحاد الأوروبي التخلص من إمدادات الغاز الطبيعي الروسي بالكامل في غضون سنوات، مما ينهي علاقة لطالما كانت حيوية لكلا الطرفين على مدى عقود. لكن الاتحاد يراهن في ذلك على الغاز الطبيعي المُسال LNG بديلاً.
إن هذا التحوّل المفاجئ في السياسة ناتج من تهديد روسيا بقطع الإمدادات في حال لم يدفع خصومها السياسيون ثمن الغاز بالروبل بدل الدولار واليورو، في حين أن الاستغناء عن الغاز الروسي يبدو مهمة صعبة لأنه يغطي أكثر من ثلث استهلاك القارة العجوز التي يعكف قادتها حالياً على إعداد خطة بديلة يتمثل جزء أساسي منها في زيادة مشتريات الغاز الطبيعي المسال بشكل كبير من المنتجين غير الروس، بما في ذلك الولايات المتحدة، وفقاً لشبكة "بلومبيرغ" الأميركية.
لكن ما المقصود بعبارة "الغاز الطبيعي المُسال"، وهل تنجح الخطة الأوروبية هذه؟
1 - مفهوم الغاز الطبيعي المسال
غالبا ما تبعُد حقول الغاز الطبيعي مئات أو آلاف الأميال عن مكان معالجته واستخدامه في محطات الطاقة والمصانع ومصافي التكرير والمنازل. كما يمكن نقله بتكاليف قليلة نسبيا عبر خطوط أنابيب بيرة لكن فقط إلى نقاط ثابتة.
وعلى مدى العقود الستة الماضية، تطورت تقنيات القطاع بمليارات الدولارات فأتاحت تجميد الغاز إلى 260 درجة فهرنهايت تحت الصفر (ناقص 162 درجة مئوية)، وهي النقطة التي يتحوّل عندها الغاز إلى سائل يمكن تحميله على متن سفن مبرّدة ثم إرساله إلى جميع أنحاء العالم.
2 - توسيع إمدادات الغاز المسال ليس سهلاً
رغم إمكان إدخال بئر غاز طبيعية جديدة إلى حيّز الإنتاج في غضون أسابيع، إلا أن الأمر يستغرق عدة سنوات للحصول على التصاريح وعقود الأراضي وتمويل بمليارات الدولارات لبناء مصنع جديد لتسييل الغاز الطبيعي أو محطة استيراد لاستلامه وتحويل الغاز الطبيعي المسال إلى غاز عادي. كما يستغرق بناء ناقلات مخصصة لهذا الغرض وقتاً واستثمارات ضخمة.
لذلك، بالنسبة للمستقبل القريب، يعتمد العالم على البنية التحتية القائمة حالياً للغاز الطبيعي المسال، وهي مكوّنة من نحو 40 مصنعاً و150 محطة استيراد منتشرة في جميع أنحاء العالم، مع حوالي 600 ناقلة، وفقاً لـ"اتحاد الغاز الدولي".
3 - ما الغاز المُتاح لأوروبا كي تشتريه؟
من المتوقع أن يصل إنتاج الغاز الطبيعي المسال عالمياً، بقيادة الولايات المتحدة ودولة قطر وأستراليا، إلى 452.8 مليون طن عام 2022، وفقاً لأرقام "بلومبيرغ إنتلجنس".
واستناداً إلى بيانات حركة المرور الأسبوعية، يتم حجز نحو 70% من الشحنات عبر الخطوط المائية إلى العملاء المرتبطين مع المصدر بعقود طويلة الأجل، بينما تُباع نسبة الـ30% المتبقية في السوق الفورية العالمية.
ويعني هذا أن ما يقرب من 136 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال هذا العام ستذهب إلى من يدفع أعلى سعر. ومن الناحية النظرية، يُعد هذا كافياً لتغطية واردات أوروبا من روسيا، والتي تعادل 118 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال.
4 - هل تمتلك أوروبا البنية التحتية الكافية لاستقبال الغاز الطبيعي المُسال؟
في الوقت الحالي، تستورد الدول الأوروبية حوالي 80 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنوياً. بأقصى طاقتها، تظهر الأرقام من "بلومبيرغ إنتلجنس"، أنها تستطيع استيراد 145 مليون طن مجتمعة، ما يعني أن هناك طاقة فائضة لنحو 65 مليون طن إضافي.
لذلك، حتى مع السعة القصوى، ستغطي واردات الغاز الطبيعي المسال نصف غاز خط الأنابيب الروسي فقط. وستحتاج الدول الأوروبية أيضاً إلى إعادة تشكيل مسارات خطوط الأنابيب وبناء روابط بينية لنقل الغاز من محطات الاستيراد الساحلية إلى مراكز الطلب داخل القارة.
5 - ماذا عن ألمانيا أكبر مستهلك للغاز الروسي؟
في حين يوجد في أوروبا أكثر من 20 محطة استيراد للغاز الطبيعي المسال من شمال غرب أوروبا إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، لا توجد أي منها في ألمانيا التي تُعد أكبر مستهلك للطاقة في المنطقة.
وقد تعهد المستشار الألماني أولاف شولتز بالاستقلال عن الطاقة الروسية "بأسرع ما يمكن"، لكن سيتطلب ذلك وقتاً واستثمار مليارات الدولارات في بنية تحتية جديدة. كما أن هناك الآن العديد من الخطط لدى بعض أكبر المرافق في أوروبا لبناء نقاط استلام برية أو بحرية يمكن أن تكون جاهزة للعمل في غضون سنوات قليلة.
6 - ما السرعة التي قد تستغني بها أوروبا عن الغاز الروسي؟
في محاولة لتجفيف روسيا من الأموال التي تحتاج إليها لتمويل الحرب في أوكرانيا، تعمل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع شركاء دوليين لتسريع المهمة الضخمة المتمثلة في توصيل المزيد من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا لتعزيز استقلاليتها عن الغاز الروسي.
وبموجب اتفاقية طموحة كُشف عنها في 25 مارس/ آذار، ستحصل أوروبا على ما لا يقل عن 11 مليون طن من إمدادات الغاز الطبيعي المسال الإضافية بحلول نهاية عام 2022، رغم أنه ليس واضحاً بعد من أين ستأتي هذه الإمدادات.
وستعمل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أيضاً على ضمان طلب 37 مليون طن من الوقود الأميركي حتى عام 2030 على الأقل. ولن تأتي دفعة كبيرة لإمدادات الغاز الطبيعي المسال العالمية إلا اعتباراً من عام 2025، عندما تتم جدولة المشاريع الجديدة.
7 - ما الكمية التي تستطيع الولايات المتحدة تأمينها؟
لدى الولايات المتحدة 6 محطات قائمة لتصدير الغاز الطبيعي المسال إضافة إلى محطة سابعة لا تزال قيد الإنشاء والتي بمجرّد تشغيلها بكامل طاقتها، ستتمكن البلاد من إنتاج أكثر من 100 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا.
لكن معظم هذا الإنتاج مقيّد في عقود طويلة الأجل مع مشترين من آسيا وأوروبا، فيما بعضه متاح لمن يدفع أعلى سعر في السوق الفورية العالمية.
ويستغرق إنشاء منشآت الغاز الطبيعي المسال الأميركية من 3 إلى 5 سنوات، بعد الوقت الأولي لتأمين عقود التمويل والهبوط. ولا تزال محطة "غولدن باس إل إن جي" Golden Pass LNG، المشروع المشترك بين شركتَي "قطر للطاقة" و"إكسون موبيل كورب"، قيد الإنشاء، لكنها لن تنتج أول قطراتها قبل عام 2024.
8 - كيف يمكن أن يؤثر ذلك على بقية مستوردي الغاز؟
مباشرة مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، أدى تضافر جملة أسباب إلى تخفيف الطلب بين كبار مستوردي الغاز الطبيعي المسال، الأمر الذي أدى إلى تحرير شحنات استطاعت التوجه إلى أوروبا. فقد كان شتاء شمال آسيا معتدلاً فيما حسّنت أمطار البرازيل إمدادات الطاقة الكهرومائية.
ومع ذلك، كان متوقعاً في الربع الثاني أن تشتد المنافسة بشأن الشحنات، الأمر الذي أجبر أوروبا على المزايدة لتأمين الإمدادات من المتنافسين.
وأدت حرب أوكرانيا عملياً إلى ارتفاع الأسعار الفورية للغاز الطبيعي المسال، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه. وقد تواجه البلدان الفقيرة، مثل الهند وباكستان، الأقل قدرة على دفع أسعار باهظة، نقصا في الطاقة مما يُجهد اقتصاداتها.
وتعني الأسعار المرتفعة تزامنا مع النقص المحتمل، أن المرافق في دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية وباكستان، وهي دول تعتمد على الغاز المستورد لتوليد جزء كبير من الكهرباء، يمكن أن تتحول إلى بدائل أكثر كثافة بالكربون مثل الفحم وزيت الوقود، الأمر الذي يؤدي إلى تكثيف التلوث والمساومة على جهود احتواء ظاهرة الاحتباس الحراري.