يشعر الاتحاد الأوروبي بالقلق من أن الصين قد تنتقم، رداً على إعلان بروكسل التحقيق في تقديم بكين دعماً لشركات صناعة السيارات الكهربائية، ما يبقي أسعار مركباتها منخفضة بشكل مصطنع.
وحذر مسؤولون كبار في الاتحاد الأوروبي من استهداف الصين قطاعات محددة في دول معينة في الكتلة، بينما يؤكد وزراء مالية الاتحاد أن التحقيق ضروري لحماية قواعد التجارة.
وقال باولو جنتيلوني، المفوض الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، للصحافيين، يوم السبت، على هامش اجتماع لوزراء مالية الاتحاد الأوروبي استمر يومين في سانتياغو دي كومبوستيلا في إسبانيا: "علينا أن نتعامل مع هذه القضية بجدية... أعتقد أن لا سبب محدداً للانتقام (من جانب بكين)، لكن الانتقام ممكن دائماً".
وقد يؤدي التحقيق الذي يتوقع أن يستمر لعدة أشهر، إلى زيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، ما يمنح شركات صناعة السيارات الأوروبية القديمة المزيد من الوقت للتكيف مع التحول الأخضر، حيث تهدد النماذج الصينية التي تعمل بالبطاريات بإغراق السوق المتنامية.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الأربعاء الماضي، لدى إعلان التحقيق، إن بروكسل ستحقق في قضية السيارات الكهربائية الصينية بسبب مخاوف من أنها "تشوه" سوق الاتحاد الأوروبي، وهو تحقيق يمكن أن يشكل واحدة من أكبر القضايا التجارية التي أُطلِقَت بالنظر إلى حجم السوق.
وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي يسعى فيه الاتحاد الأوروبي لإيجاد توازن في استراتيجيته الأوسع تجاه الصين، حيث تسعى بروكسل لمعاملة بكين كمنافس من الناحية الاقتصادية والجيوسياسية، ولكن أيضاً كشريك تجاري رئيسي للعديد من الدول الأعضاء وجزء مهم من سلاسل توريد التكنولوجيا الخضراء.
وقال مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية: "القلق الأكبر هو ما يمكن أن يحدث داخلياً إذا استهدفت الصين قطاعات الأعمال الفردية في كل دولة على حدة".
بدوره، أشار فالديس دومبروفسكيس، المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي، الذي من المقرر أن يسافر إلى بكين الأسبوع الجاري لإجراء محادثات رُتِّب لها مسبقاً، إن التحقيق سيكون "مبنياً على الحقائق"، مضيفاً:" سنتشاور على نطاق واسع، بما في ذلك مع السلطات الصينية والصناعة.. سنتابع هذه العملية خطوة بخطوة".
وقال: "نرحب بالمنافسة العالمية لأنها تجعل شركاتنا أقوى، لكن المنافسة يجب أن تكون عادلة، ولهذا السبب يُعَدّ التعامل مع الصين بشأن هذه القضية أمراً ضرورياً، وأتطلع إلى لقاء نظرائي الصينيين في بكين".
لكن وزارة التجارة الصينية، وصفت يوم الخميس الماضي، التحقيق بأنه "عمل حمائي سافر من شأنه أن يعطل ويشوه بشكل خطير صناعة السيارات العالمية وسلسلة التوريد"، مؤكدة أنه "سيكون له تأثير سلبي في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والاتحاد الأوروبي".
وقالت الوزارة في بيان لها: "ستولي الصين اهتماماً وثيقاً للتوجهات الحمائية للاتحاد الأوروبي وإجراءات المتابعة، وستحمي بقوة الحقوق والمصالح المشروعة للشركات الصينية".
في المقابل، قال وزير المالية الفرنسي، برونو لومير، عند وصوله إلى اجتماعات سانتياغو دي كومبوستيلا، يوم الجمعة: "لا شيء ضد الصين... لقد اتُّخِذ هذا القرار لحماية مصالح الاقتصاد الأوروبي". كذلك أيد وزير المالية الألماني، كريستيان ليندنر، التحقيق، قائلاً إنّ من المهم أن تلتزم جميع الدول قواعد التجارة الدولية.
وتتمتع شركات صناعة السيارات الألمانية على وجه الخصوص بمكانة قوية في سوق السيارات الصينية، لكنها تعرضت أخيراً لضغوط من النماذج الكهربائية التي تنتجها العلامات التجارية الصينية.
وإلى جانب قلق الشركات الأوروبية من غزو السيارات الكهربائية الصينية لدول الاتحاد، فإن طلب الصين المتزايد على السيارات الكهربائية، منح شركات السيارات المحلية، تقدماً لا يعوض ولا رجعة فيه في ما يبدو على المنافسين الأجانب كافة في أكبر سوق للسيارات في العالم.
وبقيادة شركات على غرار "بي واي دي" و"جيلي أوتوموبيل هولدينغز"، استحوذت الشركات الصينية على ما يفوق 50% من إجمالي مبيعات السيارات للمرة الأولى خلال يوليو/تموز الماضي، بحسب تحليل لوكالة بلومبيرغ الأميركية لبيانات قالت إنها حصلت عليها من مركز الصين لتكنولوجيا وبحوث السيارات.
يأتي هذا النمو على حساب شركات تصنيع السيارات الألمانية والأميركية واليابانية العريقة بداية من "فولكسفاغن" إلى "فورد موتور"، و"تويوتا موتور".
وكان محللو بنك "يو بي إس" السويسري قد حذروا في وقت سابق من سبتمبر/أيلول الجاري من أن شركات تصنيع السيارات الغربية ستخسر خُمس حصتها في السوق العالمية جراء صعود السيارات الكهربائية الصينية ميسورة التكلفة أكثر.
ومع تزايد إقبال المشترين الصينيين على المصنعين المحليين، تتقهقر الشركات الأجنبية. وبدأت شركة هيونداي موتور الكورية الجنوبية في بيع منشآت الإنتاج، وقلصت "فورد" الوظائف وأغلقت شركة ستيلانتيس السنة الماضية مصنعها الوحيد للسيارات من طراز "جيب" في الصين.