رفضت دول الاتحاد الأوروبي يوم الثلاثاء مقايضة السيادة بالغاز الروسي وجددت العقوبات الاقتصادية على موسكو لستة أشهر أخرى حتى نهاية يناير/كانون الثاني 2023.
ويشير القرار إلى أن أوروبا ماضية في دعمها لسيادة أوكرانيا رغم ضغوط إمدادات الغاز الطبيعي على اقتصاداتها.
والعقوبات الأوروبية فرضها الاتحاد الأوروبي أول مرة عام 2014 بعدغزوها جزيرة القرم وتم توسيعها وتشديدها بشكل كبير بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط هذا العام.
وظلت إمدادات الغاز الطبيعي الروسي القضية الرئيسية التي تشغل بال الساسة في الغرب الرأسمالي الذي يسعى لوقف احتلال القوات الروسية لأوكرانيا، إذ إن الرئيس فلاديمير بوتين يواصل استخدام حاجة أوروبا الماسة للغاز الروسي كسلاح فعال لإفساد العقوبات الغربية المشددة التي نفذتها أوروبا ضده.
وبحسب الخبير الألماني بنيامين شميت في دراسة بمعهد الدراسات الأوكراني التابع لجامعة هارفارد، فإن لدى بوتين استراتيجية متكاملة لاستخدام سلاح الطاقة في التوسع الجغرافي ليس عبر ضم جزء من أوكرانيا وتوسيع نفوذه في أوروبا الشرقية فقط، ولكن استراتيجيته تمتد لاستخدام الطاقة كآلية لإبعاد أوروبا عن التحالف مع واشنطن ودمجها تدريجياً في محور "بكين ــ موسكو" الرامي لبناء نظام عالمي جديد بديل للنظام العالمي الرأسمالي الحالي الذي تهيمن عليه واشنطن.
ويقول في تحليله، أن لدى شركة غاز بروم الروسية الحكومية طاقة فائضة عبر الأنابيب التي تمر عبر أوكرانيا إلى أوروبا تقدر بنحو 109 مليارات متر مكعب كان يمكن استخدامها لتعويض النقص في إمدادات الغاز الروسي عبر أنبوب" نورد ستريم 1"، ولكنها لم تستخدمها منذ العام الماضي ضمن خطة الضغط على أوروبا وإجبارها على تمرير ترخيص أنبوب "نورد ستريم ــ 2 " الجديد الذي كان يفترض أن يمد ألمانيا بنحو 55 مليار متر مكعب ويرفع إمداداتها من الغاز الروسي إلى 110 مليارات متر مكعب.
لكن شميت يشير إلى أن أزمة الغاز الطبيعي في أوروبا لم تحدث فقط بسبب الاستراتيجية الروسية في توسيع نفوذها الجيوسياسي ولكنها حدثت كذلك بسبب زيادة الطلب العالمي على الغاز الطبيعي بعد نهاية فترة إغلاق النشاط الاقتصادي الذي حدث بسبب كورونا ونقص إمدادات الغاز الطبيعي المتاحة في العالم.
في المقابل فإن أوروبا بعد غزو أوكرانيا في فبراير/ شباط الماضي قررت التخلي عن واردات الطاقة الروسية من النفط ومشتقاته والاستغناء عن الغاز الروسي بنهاية العام الجاري، وبالتالي التخلص كلية عن ضغوط الطاقة الأوروبية التي تجيد استخدامها موسكو.
ويلاحظ أن معظم واردات أوروبا من الغاز الروسي تمر عبر الأنابيب، وهنالك جزء قليل لا يتجاوز 17 مليار متر مكعب تستورده أوروبا عبر ناقلات الغاز المسال من إجمالي وارداتها من الغاز الروسي البالغة 155 مليار متر مكعب حتى نهاية العام الجاري.
وفي سبيل الاستغناء عن الغاز الروسي، وحسب دراسة لمعهد بروغيل للدراسات الاقتصادية في بروكسل، فإن أوروبا ومنذ غزو أوكرانيا تمكنت من خفض حصة إمدادات الغاز الروسي من إجمالي استهلاكها للغاز إلى نسبة 20% فقط بنهاية يونيو/ حزيران الماضي، مقارنة بنسبة 40% في العام الماضي.
كما تمكنت أوروبا خلال السنوات الماضية من خفض استهلاك الغاز الطبيعي من 521 مليار متر مكعب في العام 2010 إلى 397 مليار متر مكعب في العام الماضي 2021.
وترى الدراسة التي أعدها الخبيران بين ماك ويليامز وجورج زاكمان لمعهد بروغيل أن أوروبا تعاني منذ العام الماضي من مستويات التخزين المنخفض بخزانات الغاز الطبيعي بدول القارة الأوروبية، إذ إن مستوى التخزين للغاز بدول المجموعة بلغ نسبة 17% في بداية العام الجاري، وهو المستوى الأدنى منذ 5 سنوات وبانخفاض نسبته 22% عن مستوياته في العام الماضي.
ورغم أن الحرب لم تؤثر بعد على إمدادات الغاز الروسي عبر أوكرانيا الذي يمد أوروبا بنحو 7 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي، وأن روسيا أعدت تشغيل أنبوب "نورد ستريم"، إلا أن أوروبا باتت لا تثق في إمدادات الغاز الروسي. ولذلك لجأت لواردات الغاز المسال من مصادر أميركية وقطرية وأفريقية لتعويض النقص المحتمل.
كما طلبت المفوضية الأوروبية من الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي رفع مستويات الغاز بالمخازن الأرضية إلى نسبة 80% على الأقل خلال الشتاء المقبل في العام الجاري وبنسبة 90% خلال الشتاء في العام 2023.
وقد نفذت بعض الدول خطط خفض استهلاك الغاز بنجاح مثل هولندا. ولكن دراسة معهد بروغيل ترى أن مشكلة أوروبا في زيادة إمدادات الغاز، تكمن في أن سوق الغاز ليس متكاملاً فيها، كما أن بعض الدول الأوروبية ليس لديها خزانات أرضية للغاز.
في هذا الشأن يرى معهد بروغيل أن مستوى الغاز المخزن في الشتاء المقبل يجب ألا يقل عن 20% بين نوفمبر/ تشرين الثاني وبداية مايو/ أيار من العام المقبل، وذلك في حال الشتاء المعتدل. كما يشير إلى أن مستوى التخزين بأوروبا حتى الآن أقل من المطلوب لتعويض الوقف الكامل لإمدادات الغاز الروسية. وبالتالي فإن أوروبا بحاجة إلى استيراد المزيد من الغاز الطبيعي المسال في حال توفره.
الغاز المسال
رغم أن أوروبا رفعت وارداتها من الغاز الطبيعي المسال إلى مستوياتها القصوى خلال العام الجاري، وبلغت مستويات قياسية بين يناير/ كانون الثاني ونهاية مايو/ أيار الماضي، إلا أنه لا توجد طاقات فائضة من الغاز المسال يمكن استيرادها في العام الجاري وحتى نهاية الشتاء المقبل.
وحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية، بلغت واردات أوروبا من الغاز المسال مستويات قياسية في العام الجاري بين يناير/كانون الثاني ومايو/ أيار الماضي وبمعدل 14.9 مليار قدم مكعبة يومياً، وهو أعلى معدل تشهده القارة العجوز في تاريخها وبزيادة نسبتها 66% مقارنة بمتوسط الاستيراد اليومي البالغ في العام 2021.
وتعد بريطانيا ثاني أكبر مستورد للغاز في أوروبا، إذ بلغت وارداتها 4.7 مليارات قدم مكعب يومياً. وبناء على وكالة الطاقة الدولية فإن بريطانيا تستطيع تصدير 2.5 مليار قدم مكعبة يومياً إلى أوروبا عبر الأنابيب إلى بلجيكا وهولندا.
فاتورة الغاز المرتفعة
تجمع الدراسات على أن أوروبا لن تعاني من أزمة كبيرة في إمدادات الغاز هذا العام في حال حدوث شتاء معتدل ومواصلة تنفيذ الخفض المطلوب في الاستهلاك من الغاز الروسي، ولكن أسعار الغاز الطبيعي المرتفعة ستكون لها تداعيات سالبة على النمو الاقتصادي بالقارة.
في هذا الشأن تقول دراسة للبنك المركزي الأوروبي، إن أسعار الغاز المرتفعة ستكون لها تداعيات كبيرة على النمو بمنطقة اليورو وربما ستخفض النمو الاقتصادي بنسبة 0.7%.
ويعلل ذلك بتأثير فاتورة الطاقة على ميزانيات الأسر بدول اليورو، إذ إنها تخفض دخل الأسرة وبالتالي تتراجع القوة الشرائية التي يعتمد عليها النمو الاقتصادي.
كما تشير الدراسة كذلك إلى أن الغاز الطبيعي يستخدم بكثافة في توليد الطاقة للصناعات، خاصة في ألمانيا وكذلك في صناعة الكيميائيات.
ويرى البنك المركزي الأوروبي أن خفض إمدادات الغاز الروسي بنسبة 10% سيخفض معدل النمو ويرفع من معدل التضخم.
وحتى الآن أدت أسعار الغاز المرتفعة بدول القارة إلى اهتزاز ثقة المستثمرين في سندات الدين الأوروبي، ما أدى إلى خفض سعر صرف اليورو إلى أقل من دولار واحد.