بعد العقوبات الأميركية والبريطانية.. أوروبا أمام 4 خيارات للاستغناء عن الغاز الروسي فهل تنجح؟
يشمل الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة، اليوم الثلاثاء، على واردات الطاقة الروسية، النفط والغاز الطبيعي المسال، لكن لن ينضم إليه حلفاء واشنطن الأوروبيون الأكثر اعتمادا على هذه الواردات، وأمامهم 4 خيارات بديلة. فماذا في التفاصيل؟
فقد أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن اليوم الثلاثاء، فرض حظر أميركي على واردات الطاقة الروسية بما يشمل النفط والغاز، معززا حملة ضغوط على موسكو ردا على غزو أوكرانيا. وتزامن ذلك مع إعلان وزير الأعمال والطاقة البريطاني كواسي كوارتنغ أن المملكة المتحدة ستوقف واردات النفط الخام والمنتجات البترولية الروسية بحلول نهاية العام 2022 ردا على الغزو الروسي لأوكرانيا.
قبيل إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن هذا الحظر منذ بعض الوقت، سارع الاتحاد الأوروبي إلى تأكيد التزامه بالتخلي تدريجا عن اعتماده على الطاقة الروسية في أقرب وقت ممكن، وأمامه حاليا 4 خيارات. فهل يتمكن الأوروبيون من تحقيق هدفهم هذا؟
ومن المقرر أن يلتقي قادة الاتحاد الأوروبي في فرساي خارج باريس يوم الخميس، لعقد قمة تستمر يومين، من أجل العمل على إيجاد سبل لتقليل الاعتماد على موسكو في إمدادات الوقود الأحفوري، حسبما أوردت "أسوشييتد برس" الثلاثاء، التي نقلت عن مسودة إعلان القمة التي اطلعت عليها، اتفاق المشاركين المرتقب على "التدرج في التخلي عن اعتمادنا على واردات الغاز والنفط والفحم الروسية"، فيما تعكف المفوضية الأوروبية على إعداد مقترحات، اليوم الثلاثاء، لتحقيق هذا الهدف.
ووفق المسودة، يلتزم القادة بتنويع "إمداداتنا وسبلنا التي تتضمن استخدام الغاز الطبيعي المسال وتطوير الغاز والهيدروجين الحيوي"، مع الإشارة إلى أن الالتزام المسبق بالتطوير السريع لمصادر الطاقة المتجددة بسبب تغير المناخ سيدفع القادة لتسريع العملية الآن لتأمين استقلالهم السياسي أيضا.
وعلى مدار أكثر من عقد، شعر الاتحاد الأوروبي بأنه محاصر بشكل متزايد عندما تعلق الأمر بالتعامل مع علاقاته المتدهورة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن احتمال ترك عشرات الملايين من الناس يرتجفون من برد الشتاء بسبب قلة الوقود الأحفوري أو ارتفاع الأسعار بشكل حاد قيّدا الخيارات السياسية.
ثم جاء غزو أوكرانيا ليغير اللعبة، فخلال أسبوعين حشد الاتحاد الأوروبي إمكاناته لوضع سياسة أكثر كفاءة في ما يتعلق بالطاقة، لكنه لم يتحرك بعد لفرض عقوبات على الطاقة الروسية، بالرغم من تلميح بعض قادة الكتلة إلى استعدادهم لمنع نفط روسيا.
وستتحرك الكتلة لتحسين اتصالاتها بين الدول الأعضاء ليتسنى على سبيل المثال إرسال الغاز الطبيعي المسال الذي يصل إلى إسبانيا لبقية أنحاء القارة سريعا، فيما يركز الاتحاد على جعل الكتلة أكثر استقلالا بحلول الشتاء المقبل، والذي يتوقع أن يمثل أول تحد كبير.
ولأوروبا موقف مختلف عن الولايات المتحدة التي تنتج غازها الطبيعي، علما أن أسعار الطاقة شهدت ارتفاعا مستمرا على مدار شهور بسبب نقص الإمدادات، الأمر الذي رفع كلفة كل شيء، من فواتير الخدمات إلى منتجات البقالة، بينما تمرر الشركات تكاليفها ليتحملها المستهلكون.
وأصبح سعر الغاز الطبيعي أعلى 10 مرات مما كان عليه في بداية 2021، وهو يستمر في التدفق عبر أنابيب ضخمة من روسيا إلى أوروبا، ومنه ما يمر عبر أوكرانيا، حسبما توضح شركات.
وسيكون الحظر الأميركي المرتقب أكثر إيلاما إذا ما انضم إليه الاتحاد الأوروبي الذي يعتمد اقتصاده بشكل أكبر على موارد الطاقة الروسية، وخصوصا الغاز الطبيعي الذي يمثل نحو 40% من الإمدادات، مقابل 25% بالنسبة للنفط.
انقسام أوروبي حيال حظر واردات الطاقة الروسية
ويبدو الانقسام واضحا حيال الموقف الأوروبي غير الموحّد من مسألة الحظر على قطاع الطاقة الروسي. فقد سبق أن أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز، في بيان، أن "أوروبا تعمّدت استثناء إمدادات الطاقة الروسية من العقوبات"، مضيفا: "لا يمكن ضمان إمدادات الطاقة الأوروبية لإنتاج الحرارة والتنقل والكهرباء والصناعة بأي طريقة أخرى في الوقت الحالي". إلا أن وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير أكد، اليوم الثلاثاء، أن أوروبا لديها "حلول لتصبح مستقلة عن الغاز الروسي"، مضيفاً أنه يريد "تسريع العمل بموجبها لتكون قادرة على مواجهة تحدي شتاء 2022-2023".
الوزير الفرنسي أكد أيضا أن أسعار الغاز سيتم "تجميدها" حتى نهاية عام 2022 للمستهلكين في فرنسا، موضحا أن الاعتماد على الغاز الروسي ليس هو نفسه في كل الدول الأوروبية، ففرنسا تعتمد عليه بنسبة 20%، فيما يبلغ المتوسط الأوروبي 40%، في حين أن بعض الدول، مثل فنلندا، تعتمد عليه اعتمادا كليا، مشيرا إلى ضرورة إيجاد "حل أوروبي جماعي" حيال هذا الموضوع.
4 خيارات أوروبية للتخلي عن الغاز الروسي
عمليا، أشار الوزير الفرنسي إلى 4 حلول ممكنة لتجاوز الحاجة إلى الغاز الروسي:
- الأول، تسريع تخزين الغاز اعتبارا من الصيف الحالي لتعبئة وتخزين 90% من الحاجات اللازمة لمواجهة شتاء العام الحالي، معتبرا أن "التحدي ليس الآن، بل في شتاء 2022-2023".
- الثاني، توفير مشتريات جماعية بهدف الحصول على أسعار مخفّضة.
- الثالث، محاولة تنويع الإمدادات من منتجين آخرين.
- الرابع، تحسين أداء محطات الغاز الطبيعي المسال، علما أن هناك 7 محطات في إسبانيا و4 في فرنسا، بينما لا يوجد أي منها في ألمانيا. وفي هذا السياق، قال الوزير إنه بحث مع قادة مجموعة "إنجي" في طرق "تحسين تشغيل" هذه المحطات.
الكشف عن خطة الاتحاد الأوروبي لخفض الغاز الروسي بمقدار الثلثين
هذا وقدمت بروكسل حلولا الثلاثاء للتخفيف من تأثير ارتفاع أسعار الطاقة وخفض واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الروسي بمقدار الثلثين هذا العام، قبل القمة التي من المتوقع أن تتعهد الدول السبع والعشرون فيها "الخروج" من الاعتماد على المحروقات الروسية.
وستقدم المفوضية الأوروبية بحلول أبريل/ نيسان اقتراحا تشريعياً لتحديد مستوى متوسط التخزين بما لا يقل عن 90% في نهاية سبتمبر/ أيلول، من أجل تهيئة القارة لفصل الشتاء المقبل، مع أهداف لكل دولة، وفق ما أعلنت مفوّضة الطاقة كادري سيمسون. وكان المشروع أورد في البداية مستوى 80%.
وتريد المفوضية تنويع مصادر إمدادات الغاز للاتحاد الأوروبي، علاوة على زيادة استخدام الهيدروجين والميثان الحيوي، من خلال تكثيف المحادثات الجارية بالفعل مع أبرز الدول المنتجة (النرويج والولايات المتحدة وقطر والجزائر)، مع تنسيق استخدام المحطات وأنابيب الغاز في أوروبا بشكل أفضل.
ويدعو الاتحاد الأوروبي أيضا إلى تسريع جهود إزالة الكربون في المباني (عزل أفضل، وأساليب التدفئة..) وفي الصناعة، كما ورد في خطته المناخية لعام 2030 "سيؤدي تنفيذها الكامل إلى خفض معدل استهلاك الغاز الأوروبي السنوي بنسبة 30%"، بحسب بروكسل.
والتدابير المقدمة "من شأنها تخفيض الطلب الأوروبي على الغاز الروسي بمقدار الثلثين بحلول نهاية العام" و"ستجعل الاتحاد الأوروبي لا يعتمد على المحروقات الروسية قبل عام 2030"، وفق ما أكدت المفوضية الأوروبية في بيان. تزود روسيا 45% من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز والفحم، و25% من النفط.
ويمثل ذلك تحدياً بالنسبة لدول مثل فنلندا وسلوفاكيا والمجر وجمهورية التشيك التي تستورد معظم غازها من روسيا، وألمانيا التي تعتمد بنسبة 55% من امداداتها على روسيا. وذكّرت برلين بأنه لا يوجد بديل لتجاوزها "في الوقت الراهن"، وفقا لفرانس برس.
وتريد بروكسل تخفيف وقع ذلك على الأسعار من خلال توسيع "مجموعة الأدوات" التي تم الكشف عنها في الخريف: وهي مجموعة من التدابير (ضبط الأسعار والمعونة المباشرة والإعفاء الضريبي وإلغاء ضريبة القيمة المضافة..) التي قد تعتمدها الدول في مواجهة أزمة الطاقة.
إلى جانب الشروط المتساهلة بالفعل للحصول على المساعدات الحكومية، ستسمح المفوضية للدول بفرض ضرائب على أرباح شركات الطاقة الناتجة عن ارتفاع الأسعار من أجل إعادة توزيعها ولكن بشرط "عدم إلحاق إساءة غير ضرورية بالسوق". كما تنوي وضع تدابير طارئة للحد من تأثير أسعار الغاز على أسعار الكهرباء، ولا سيما مع وضع سقف مؤقت على أسعار الكهرباء.
وفي المقابل، إذ لم يكن الاستخدام المؤقت للكربون من "المحرمات" بالنسبة للدول التي ترغب في تقليص وارداتها من الغاز الروسي بسرعة، فإن هذا لا يعفيها من التزامها بتحقيق أهداف خفض غازات الاحتباس الحراري لعام 2030 ولذلك يتعين تسريع مصادر الطاقة المتجددة بالتوازي، بحسب تيمرمانس.