نجح تحالف "أوبك+"، الذي تقوده السعودية وروسيا، في فرض نفسه على سوق الطاقة العالمي، ورسم خريطة جديدة لسوق النفط، والتأكيد بشكل عملي أنه لا يدور في فلك الولايات المتحدة كما فعلت منظمة "أوبك" الكيان التقليدي الذي يضم الدول المصدرة للنفط.
كما نجح التحالف في تماسك أسعار النفط وضمان عدم تراجعها، بل ودفع الأسعار للزيادة رغم حالة الركود التي تهدد الاقتصاد العالمي، وتراجع معدل النمو، واستمرار قفزات أسعار السلع ومعدل التضخم، وحالة عدم اليقين المتزايدة المتعلقة بالطلب على الخام الأسود، خاصة من قبل كبار المستهلكين.
ظهر ذلك النجاح في مواقف عدة أحدثها قرار تحالف "أوبك+" اليوم الاثنين إجراء تخفيضات جديدة في الإنتاج النفطي بمقدار 1.66 مليون برميل يوميا بداية من شهر مايو المقبل، وإعلان السعودية، ثاني أكبر منتج للنفط بعد الولايات المتحدة، أمس الأحد، عن خفض طوعي في إنتاجها بواقع 500 ألف برميل يومياً، وهو ما يضغط على سوق النفط العالمي.
قرار تحالف "أوبك+" صادم للاقتصادات العالمية الكبرى خاصة تلك الدول التي تعاني من تضخم مرتفع كما هو الحال في الولايات المتحدة وأوروبا
قرار تحالف "أوبك+" صادم للاقتصادات العالمية الكبرى خاصة تلك الدول التي تعاني من تضخم مرتفع كما هو الحال في الولايات المتحدة وأوروبا، أو تعتمد بشكل كبير على الطاقة في تموين قطاعها الصناعي والإنتاجي، أو للدول المستهلكة للنفط كما هو الحال مع نصف الدول العربية وتركيا والهند والبرازيل وغيرها.
كما أن الخفض الضخم الجديد في الإنتاج النفطي الذي تقرر اليوم جاء رغم الضغوط الشديدة التي تمارسها إدارة جو بايدن منذ شهور ضد كبار المنتجين للنفط وفي مقدمتهم "أوبك+"، ومطالبتها دول الخليج أكثر من مرة بزيادة الإنتاج وليس خفضه حتى يزيد المعروض في الأسواق، وذلك حتى تهدأ موجة التضخم وتتراجع الأسعار بما فيها أسعار الوقود المرتفعة والتي باتت تؤرق المواطن الأميركي وتخشى إدارة بايدن من تأثيرها السلبي على نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وهذا ما يبرر مهاجمة البيت الأبيض لقرار أوبك+ الصادر اليوم، وكذلك وكالة الطاقة الدولية التي رأت إن القرار يثير الاضطرابات في سوق النفط، ودفع أسعار النفط للأعلى، وسط ضغوط تضخمية.
موقف "أوبك+" الذي اتخذته اليوم ليس هو الأول من نوعه، ففي بداية شهر أكتوبر الماضي اتخذ التحالف قرارا بخفض الإنتاج النفطي بمقدار مليوني برميل رغم ضغوط الإدارة الأميركية الشديدة في ذلك الوقت، ومطالبتها برفع الإنتاج وضخ مزيد من الخام الأسود في الأسواق مع معاناة الولايات المتحدة من موجة تضخم لم تشهدها منذ 4 عقود.
التهديد الأميركي جاء بعد أقل من 3 شهور من سفر بايدن إلى السعودية، وإخفاقه في إقناع الرياض برفع إنتاج النفط
وبسبب هذا الموقف خرجت علينا إدارة بايدن وقتها مهددة التحالف النفطي، كما خرج علينا مسؤول بارز في البيت الأبيض بتصريح لافت يؤكد فيه أن الرئيس الأميركي، شرع في إعادة تقييم علاقة بلاده بالسعودية، بسبب قرار أوبك+ خفض إنتاجها من النفط، وأنه مستاء جدا من القرار الذي وصفه بالخاطئ وقصير الأجل ويصب في مصلحة موسكو الخاصة، ويضر بمصالح الأمن القومي الأميركي.
التهديد الأميركي جاء بعد أقل من 3 شهور من سفر بايدن إلى السعودية، وإخفاقه في إقناع الرياض برفع إنتاج النفط، لمواجهة النقص في السوق العالمية، وكبح الأسعار الجامحة والتي دفعت بسعر البرميل إلى نحو 139 دولارا كما جرى يوم 7 مارس 2022.
"أوبك+" صمد في وجه الانتقادات الأوروبية والضغوط الأميركية والتي سعت لتفتيته عبر أدوات عدة منها تهديد الدول التي تقيم علاقات اقتصادية ونفطية مع روسيا بتعرضها لعقوبات اقتصادية، واتهام التحالف أكثر من مرة بالانحياز لموسكو.
في ظل تشدد أعضاء أوبك+ وفي مقدمتهم السعودية وروسيا من الضغوط الأميركية، من المتوقع أن تصعد إدارة بايدن ضد التحالف في الفترة المقبلة إذا ما ارتفعت أسعار النفط والوقود داخل الأسواق الأميركية، وأن تخرج الإدارة من الإدراج مشروع "نوبك" الذي يستهدف مقاضاة دول "أوبك" ومنها السعودية ودول الخليج في المحاكم الأميركية، بحجة خرقها قانون الاحتكار.
بايدن في مأزق بسبب قرار"أوبك+" خفض الإنتاج النفطي لا زيادته، والدول المستوردة للمشتقات البترولية من بنزين وسولار في مأزق أكبر خاصة مع ندرة الموارد الدولارية المطلوبة لتمويل واردات الوقود من الخارج، وتوقعات بزيادة سعر برميل النفط إلى 100 دولار.