أنغوس ديتون... الحائز على نوبل يدعو الاقتصاديين إلى التواضع

18 مارس 2024
أنغوس ديتون (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- أنغوس ديتون، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2015، يدعو إلى إعادة التفكير في الاقتصاد بعد ملاحظة الفجوة بين توقعات الاقتصاديين والواقع، مؤكدًا على أهمية البحث في الاستهلاك، الفقر، وتوزيع النفقات.
- يبرز ديتون في كتابه "الهروب الكبير" وبحوثه مع دانييل كانمان العلاقة بين المال والسعادة، ويناقش التقدم في الصحة والثروة واتساع دائرة عدم المساواة، مشيرًا إلى عجز النماذج الاقتصادية التقليدية عن التنبؤ بالأحداث.
- يحث على ضرورة إعادة التفكير في العلاقة بين الكفاءة الاقتصادية، العدالة الاجتماعية، والحرية الفردية، مستشهدًا بأفكار كينز، وينتقد تراجع الاهتمام بالأخلاقيات والرفاهية البشرية، مؤكدًا على أهمية التفاعل بين الاقتصاديين والعلوم الأخرى.

"مثل الكثيرين غيري، وجدت نفسي أغير رأيي في الفترة الأخيرة، وهي عملية محبطة بالنسبة لشخص كان اقتصادياً ممارساً لأكثر من نصف قرن من الزمان".

تلك حقيقة صدح بها الثمانيني الاقتصادي أنغوس ديتون ANGUS DEATON، أستاذ دوايت أيزنهاور الفخري للاقتصاد والشؤون الدولية في كلية الشؤون العامة والدولية والاقتصاد في جامعة برينستون والحائز على جائزة نوبل التذكارية في الاقتصاد لعام 2015، بعد التأمل في توقعات الاقتصاديين التي لم تستطع الإحاطة بالواقع والتوصل إلى توقعات تقترب منه، الأمر الذي يدفعه إلى الدعوة إلى "إعادة النظر في رؤيتنا للاقتصاد".

كان الأميركي البريطاني ديتون استحق في عام 2015 جائزة نوبل مكافأة له على بحوثه التي انصبت على الاستهلاك والفقر، وكان انشغل في أبحاثه بمقاربة كيفية توزيع المستهلكين نفقاتهم، والكيفية التي يستهلك بها المجتمع ويدخر، وانكب على دراسة كيفية قياس رفاه الفرد.

حاول عبر كتابه "الهروب الكبير: الصحة، والثروة ومصادر عدم المساواة"، الذي نشر قبل أحد عشر عاما، رسم المسار الذي اتخذه رفاه البشرية على مدى قرنين ونصف قرن، وهو ما تجلى عبر إطالة أمل الحياة وتقلص بعض الأمراض، غير أنه يشدد على أن ما تحقق من تقدم رافقه اتساع دائرة عدم المساواة.

وقد تمكن من جذب اهتمام الإعلام إليه عبر بحث أنجزه بمعية اقتصادي آخر حائز على جائزة نوبل هو دانييل كانمان، حيث اعتبرا أنّ المال يجلب السعادة، لكن بأكثر من 75 ألف دولار سنوياً، إذ يتيح هذا السقف إنجاز ما يتيح لهم تحقيق رفاههم العاطفي، كأن يقضوا وقتاً مع أشخاص عزيزين عليهم وتجنب الألم والمرض واستثمار أوقات الفراغ.

غير أن ديتون يعود في سياق الأزمات التي تزج حالياً بالعالم إلى حالة من عدم اليقين، أفضت إلى إبراز عدم تمكن الاقتصاديين بنماذجهم المرجعية من توقعها، كي ينبه في مقال هو أقرب إلى النقد الذاتي نشر في مارس/ آذار الجاري في مجلة "التمويل والتنمية"، الصادرة عن صندوق النقد الدولي، إلى أن التركيز على فضائل الأسواق الحرة التنافسية والتغير التقني ذي المنشأ الخارجي، من الممكن أن يلهي عن "أهمية القوى في تحديد الأسعار والأجور، وفي اختيار اتجاه التغيير التقني، وفي التأثير على الأمور السياسية لتغيير قواعد اللعبة".

ويرى أنه على نقيض الاقتصاديين المؤسسين، كُفّ إلى حد كبير عن التفكير في الأخلاقيات وما يشكل الرفاهية البشرية. فالاقتصاديون أضحوا يتصرفون كتكنوقراط يركزون على الكفاءة، بعدما "اختفى اقتصاد الرفاهية منذ مدة طويلة من المناهج الدراسية".

وشدد على أنه "في الفكر الاقتصادي الحالي، يحظى الأفراد بأهمية أكبر بكثير من العلاقات بين الناس في الأسر أو في المجتمعات المحلية".

هو يلح على أن الكفاءة مهمة "لكننا نثمنها على حساب غايات أخرى"، محيلاً على الاقتصادي ماينارد كينز الذي شدد على أن "مشكلة الاقتصاد هي التوفيق بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والحرية الفردية".

غير أنه يلاحظ أن العدالة الاجتماعية أصبحت خاضعة للأسواق وتبددت الشواغل إزاء التوزيع بالاهتمام بما هو متوسط، و"هو ما يوصف غالباً بشكل يدعو للسخرية بأنّه المصلحة الوطنية"، مشدداً على ضرورة التواضع الذي يقود إلى إدراك أن الاقتصاد يتمتع بأدوات قوية قادرة على تقديم إجابات واضحة، لكنها تقتضي وضع فرضيات قد لا تصلح في كل الظروف.

يعيد النظر في الكثير من قناعاته. فقد كان يعتقد أن النقابات مصدر إزعاج تتدخل في الكفاءة الاقتصادية ورحب بزوالها. وهو يتصور اليوم أن "تراجع دورها يساهم في انخفاض حصة الأجور، واتساع الفجوة بين المديرين التنفيذيين والعاملين، وتدمير المجتمع، وارتفاع الشعبوية" مؤكداً ضرورة وجودها على مائدة القرارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.

وهو اليوم أكثر تشككاً في منافع التجارة الحرة للعمال الأميركيين، وأضحى يشكك في ما كان يزعمه في الماضي من كون العولمة كانت مسؤولة عن الانخفاض الكبير في الفقر العالمي على مدار الثلاثين عاماً الماضية.

يجزم بأنّ "من الممكن أن يستفيد الاقتصاديون من زيادة التفاعل مع أفكار الفلاسفة والمؤرخين وعلماء الاجتماع، تماماً كما فعل آدم سميث ذات يوم. ومن المرجح أن يستفيد الفلاسفة والمؤرخون وعلماء الاجتماع أيضاً من التفاعل نفسه".

المساهمون