أنبوب البصرة ــ العقبة: مشروع نفطي يثير اتهامات بالتطبيع

28 يوليو 2024
محطة نفطية في العراق، 3 مارس 2026 (حيدر محمد علي/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **مشروع الأنبوب النفطي:**
يمتد من البصرة إلى العقبة الأردني، بتمويل 4.9 مليارات دولار، لنقل 2.25 مليون برميل نفط يومياً، منها 150 ألف برميل للأردن بأسعار مخفضة. تعارضه القوى السياسية والفصائل المسلحة الحليفة لإيران.

- **التحديات والاعتراضات:**
المحكمة الاتحادية العليا وافقت على طعن بالإجراءات التنفيذية للمشروع، والفصائل المسلحة تهدد باتخاذ خطوات عسكرية لإيقافه، معتبرةً أنه يمهد للتطبيع مع إسرائيل.

- **التاريخ والمستقبل:**
المشروع يعود لبداية الحرب العراقية-الإيرانية، وتجددت المحاولات لتنفيذه في حكومات متعددة. البرلمان يسعى لاستجواب وزير النفط، ووزارة النفط تؤكد أهمية المشروع لتعزيز المنافذ التصديرية.

يستمر الجدل سياسياً واقتصادياً في العراق منذ أسابيع حول مشروع الأنبوب النفطي المطروح منذ سنوات بين حقول البصرة على مياه الخليج العربي أقصى جنوبي العراق، وميناء العقبة الأردني، وذلك بعد إقرار الدولة العراقية مخصصات مالية تصل إلى 4.9 مليارات دولار لمد الأنبوب بين البصرة ومدينة حديثة (في الأنبار) غربي العراق، وهو ما اعتبر شروعاً في المرحلة الأولى من المشروع الذي تعارضه القوى السياسية والفصائل المسلحة الحليفة لإيران، وتعتبر أنه قد يفضي في النهاية إلى إيصال النفط العراقي إلى موانئ الاحتلال الإسرائيلي. 

ويمتد مشروع الأنبوب الذي جرى طرحه رسمياً أول مرة عام 2012 ووقعت مذكرتا تفاهم بشأنه بين بغداد وعمّان خلال ولاية حكومة نوري المالكي، على مسافة مقدارها 1700 كيلومتر عبر مرحلتين، الأولى تمتد من البصرة إلى مدينة حديثة في غرب العراق، والثانية تمتد عبر الأردن إلى ميناء العقبة حيث ستكون منصات عائمة لتحميل النفط العراقي إلى دول المشترين الدوليين.

وينقل الجزء الأول من الأنبوب حوالي 2.25 مليون برميل نفط يومياً، سيحصل الأردن على 150 ألف برميل نفط يومياً منها بأسعار مخفضة، لصالح مصفاة البترول الأردنية، وفقاً لنص المشروع الذي تداولته الحكومات العراقية منذ عام 2012. وستتولى شركات عراقية مد الأنبوب النفطي من البصرة إلى مدينة حديثة الواقعة على مفترق طرق دولي باتجاه الجارين العربيين الأردن وسورية. وتقول الحكومة العراقية، إنّ المشروع سيمنح العراق مرونة كبيرة في مجال الطاقة داخل العراق، غير أن القوى المعارضة، تعتبر أنّ المشروع تمهيد لمرحلة ثانية تهدف إلى ربط الأنبوب باتجاه الأراضي الأردنية. 

طعن واتهامات

ووافقت المحكمة الاتحادية العليا أخيراً، على طلب تقدم به النائب في البرلمان المقرب من جماعة "كتائب حزب الله" سعود الساعدي، تضمن الطعن بالإجراءات التنفيذية للمشروع. وسبق أن لوّحت جماعة "كتائب حزب الله"، بأنها ستتخذ كل الخطوات المناسبة، لإيقاف تنفيذ مشروع أنبوب البصرة – العقبة، بما في ذلك الخيارات العسكرية والطائرات المسيرة، وفقاً لتعليقات سابقة نشرها المتحدث العسكري باسم الكتائب، أبو علي العسكري. 

إلا أن قبول النظر بالطعن لا يعني في كل الأحوال إيقاف المشروع الحالي للحكومة كونه يتعلق بمد الأنبوب من البصرة إلى حديثة غربي العراق فقط، من دون أن يكون أي من أجزاء المشروع مرتبطاً بمشروع إيصال النفط العراقي إلى ميناء العقبة الأردني.

ونهاية يونيو/ حزيران الماضي، وضمن بيان توعّدت من خلاله "تنسيقية المقاومة العراقية"، التي تضم عدداً من الفصائل الحليفة لإيران، الاحتلال الإسرائيلي، بتصعيد العمليات النوعية ضده إذا هاجم لبنان، قالت إن "خط أنبوب نفط البصرة – عقبة، يعد نقطة البداية لإدخال العراق إلى مشروع يمتّد للتطبيع مع الكيان". 

ينقل الجزء الأول من الأنبوب حوالي 2.25 مليون برميل نفط يومياً، سيحصل الأردن على 150 ألف برميل نفط يومياً منها بأسعار مخفضة

وذكر بيان للجماعة التي تضم عدة فصائل أبرزها "كتائب حزب الله"، و"حركة النجباء"، في بيان لها أن "خط أنبوب نفط العقبة - البصرة سيستنزف العراق بمبالغ طائلة، من دون جدوى اقتصادية للبلاد، يُعد نقطة البداية لإدخال العراق إلى مشروع خبيث يمهد للتطبيع مع الكيان الصهيوني". 

قصة الأنبوب 

ويقول الخبير النفطي العراقي صباح علو، إن "تاريخ مشروع أنبوب البصرة – العقبة يعود إلى بداية الحرب العراقية – الإيرانية التي اشتعلت عام 1980، حيث أوقفت الحكومة السورية آنذاك تصدير العراق للنفط عبر البحر المتوسط، ولذلك تأثر العراق كثيراً بهذا القرار، كما لم يكن باستطاعته إدامة تصدير النفط عبر الخليج ومضيق هرمز، ليطرح العراق في العام 1983 المشروع الجديد مع الأردن". 

وأضاف أن "مخاوف استهدافه آنذاك من طرف الاحتلال الإسرائيلي، دفعت الجانبين إلى ترك المضي بالمشروع، ليؤسس العراق في العام 1984 خطين جديدين لتصدير النفط، وذلك عبر المملكة العربية السعودية وأيضاً من خلال ميناء جيهان في تركيا".

وبين أن "المشروع عاد إلى الواجهة في حكومة نوري المالكي وتحديداً عام 2012، حيث اتفق رئيس مجلس الوزراء العراقي مع الأردن على البدء بتنفيذ هذا المشروع، ليتجدد الاتفاق في عام 2015، إذ زار وزير النفط وقتها، عادل عبد المهدي، الأردن وكرّر موافقة العراق على المشروع وأعلن إشراك مصر فيه".

وتابع أن "المشروع تعرقل المضي به بعد دخول تنظيم داعش إلى العراق وسيطرته على نحو ثلثي مساحة العراق، ليبقى المشروع حبراً على ورق، من دون أي يكون هناك أي تنفيذ له على أرض الواقع، لتأتي حكومة حيدر العبادي، وتدعو الشركات المتخصصة إلى تقديم عروضها لتنفيذ المشروع".

وأردف "بقي المشروع عالقاً حتى جاءت حكومة عادل عبد المهدي التي استقالت عام 2019 بفعل احتجاجات تشرين، حيث رسمت خريطة جديدة للمشروع وحولته إلى اتفاقية ثلاثية بين بغداد وعمّان والقاهرة، سعى لتحقيقها أيضاً رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي الذي تسلم إدارة العراق بعد استقالة سلفه عبد المهدي، لكن الأخير لم يتمكن أيضاً من المضي بالمشروع بشكل نهائي". 

رفض سياسي في العراق

ولفت الخبير النفطي صباح علو، إلى "حاجة العراق إلى المضي بتنفيذ المشروع، كونه سيفتح نافذة جديدة للتصدير تغني عن المشكلات الكبيرة التي تعانيها أنابيب التصدير المهترئة القديمة، وذلك سيعني أيضاً مزيداً من الإنتاج حيث تسعى وزارة النفط إلى إنتاج 8 ملايين برميل يومياً". وأشار علو إلى أن "الاعتماد على موانئ التصدير والأنابيب القديمة سيعرض الاقتصاد العراقي للخطر، في حالة تعرض أي خط إلى التلف أو خروجه عن الخدمة خلال أعمال الصيانة، حيث يبلغ عمر بعض خطوط التصدير نحو 70 عاماً". 

وافقت المحكمة الاتحادية العليا أخيراً، على طلب تقدم به النائب في البرلمان المقرب من جماعة "كتائب حزب الله" سعود الساعدي، تضمن الطعن بالإجراءات التنفيذية للمشروع

ونبه إلى أن "توقف ميناء جيهان التركي عن التصدير خلال المدة السابقة سبّب خسارة العراق لنحو 12 مليار دولار، وهذا جرس إنذار لحجم ما قد يخسره العراق اذا ما تضررت خطوط النقل القديمة، أو زادت حدة الخلافات مع الجانب التركي". 

وفي جديد تطورات الملف، أكد عضو لجنة النفط في البرلمان العراقي، باسم الغريباوي، أن "البرلمان ماضٍ لاستجواب وزير النفط الحالي حيان عبد الغني خلال الأيام المقبلة، لمعرفة ما وضعته الحكومة والوزارة من خطوات فعلية بشأن أنبوب البصرة- العقبة المرفوض من طيف سياسي واقتصادي واسع". 

وبين في حديث مع "العربي الجديد" أن "الحكومة تقول إنها تريد إنجاز المرحلة الأولى من المشروع، من خلال مد أنابيب التغذية من البصرة إلى المصافي العراقية المنتشرة في مناطق الفرات الأوسط وغرب العراق، لكننا نرى أن المشروع سيتمدد إلى الأردن، وهناك رفض سياسي للمضي بهذا المشروع، وسنأخذ برأي الخبراء وأصحاب الشأن، من خلال اجتماعات ونقاشات مطولة حول مدى فائدة هذا المشروع للاقتصاد العراقي، أو الاكتفاء بمرحلة واحدة منه، ومدى علاقته بالموازنات السنوية". 

وزارة النفط ترد بالأرقام

ردّت وزارة النفط العراقية على التصريحات والمواقف المتزايدة ضد مشروع الأنبوب النفطي المتجه من البصرة إلى أقصى غرب العراق. وذكرت الوزارة في بيان مطول لها أنه "رداً على ما جاء من معلومات غير دقيقة ومضللة بخصوص أنبوب النفط الخام (البصرة - مدينة حديثة)، تودّ وزارة النفط أن توضح أن المعلومات التي وردت عبر وسائل الإعلام تفتقر إلى الدقة والموضوعية".

وأشارت الوزارة إلى أن "مشروع أنبوب النفط الخام (البصرة - حديثة) يهدف إلى تحقيق المرونة العالية في عملية نقل النفط الخام لتجهيز المصافي والمستودعات ومحطات الطاقة الكهربائية داخل العراق، إلى جانب المشاريع المستقبلية التي تهدف إلى تعزيز المنافذ التصديرية عبر دول الجوار (تركيا وسورية والأردن)".

ونشر النائب في البرلمان العراقي مصطفى سند، وثيقة تظهر أن موازنة 2024 التي صوّت عليها مجلس النواب، تضمنت وضع مخصصات للمضي في المرحلة الأولى، من خلال مد أنابيب النفط من حقول البصرة إلى مدينة حديثة بمحافظة الأنبار. ووفقاً للوثيقة التي نشرها سند، فإن "كلفة المشروع ستكون 4.9 مليارات دولار، وتعادل 6.4 تريليونات دينار عراقي"، متهماً وزارة النفط بأنها "منبطحة تماماً لسطوة رئيس الحكومة". 

المساهمون