أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن حظراً على واردات الولايات المتحدة من الطاقة الروسية اليوم الثلاثاء من دون مشاركة حلفائه الأوروبيين. وسيشمل الحظر النفط الروسي والغاز الطبيعي المسال والفحم.
بينما أكدت المملكة المتحدة بدورها، على لسان وزير الأعمال والطاقة كواسي كوارتنغ، عن حظر النفط الروسي، وذلك بشكل تدريجي حتى نهاية 2022 من دون التأثير على واردات الغاز. وبين عامي 2019 و2020، شكلت روسيا ما بين 12% و 13% من واردات المملكة المتحدة من النفط الخام والمنتجات المكررة.
واكتسبت الدعوات المطالبة بحظر استيراد النفط الروسي زخماً في الأيام القليلة الماضية في واشنطن، في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. وقدمت مجموعة من المشرعين من الحزبين الأسبوع الماضي مشروع "قانون واردات الطاقة الروسية"، والذي من شأنه الإعلان عن حالة طوارئ وطنية نتيجة للغزو الروسي وحظر جميع واردات الولايات المتحدة من الطاقة الروسية.
وكانت إدارة الرئيس جو بايدن قد عارضت في البدء حظراً أميركياً على النفط، خشية تفاقم التضخم وارتفاع الأسعار في المحطات. لكن مع تصاعد السخط الشعبي إزاء موسكو، يقول البيت الأبيض الآن إنه يخوض نقاشات مع الحلفاء بشأن فرض حظر بموازاة العمل على ضمان إمدادات نفطية ملائمة، علماً بأن أي قرار لم يُتخذ بعد. إليك كيف سينعكس الحظر على الأسواق، وفقاً لتحليلات الوكالات الدولية ومحللي الاقتصاد والأسواق العالمية.
ما سيكون تأثير فرض حظر على سوق النفط الأميركي؟
تبلغ حصة روسيا أقل من 10 بالمائة من واردات الولايات المتحدة من منتجات النفط والبترول والتي تشمل المازوت، وهو وقود متدني النوعية يمكن تكريره وتحويله إلى منتجات ذات نوعية أعلى.
وتعني الحصة الضئيلة نسبياً من سوق الطاقة الأميركي أنه "أسهل للولايات المتحدة من أي جهة أخرى" حظر تلك الواردات، وفق الباحث لدى مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا أنطوان هالف. وقال "لن أقلل مما يتطلبه الأمر لسد نقص النفط الروسي، لكنه قابل للتحقيق".
كما أن أميركا تسعى الى تعويض بعض النفط الذي ستخسره من روسيا، إذ يمكن النظر إلى زيارة الوفد الأميركي إلى فنزويلا مؤخراً ضمن هذا الإطار، وهي التي كانت قبل فرض العقوبات عليها في 2019 من المزودين الأساسيين للولايات المتحدة بالنفط.
ما ستكون التداعيات على أسعار النفط؟
وتوقع المحللون في جي بي مورغان وبنك أوف أميركا أن يصل النفط إلى 185 دولاراً و200 دولار للبرميل إذا تم تجنب صادرات النفط الروسية على نطاق واسع.
وحتى من دون حظر، ارتفعت أسعار النفط بنسبة 30 بالمائة على وقع الغزو الروسي. وبلغ متوسط أسعار البنزين في الولايات المتحدة 4,07 دولارات للغالون الإثنين، أي بزيادة بمقدار 0,62 دولار مقارنة بالشهر الماضي، وأعلى بنسبة 47 بالمائة عن معدل العام الماضي.
فرضت واشنطن وبروكسل عقوبات اقتصادية قاسية على موسكو بهدف عزل روسيا عن الاقتصاد العالمي وقطع مصادر تمويلها. لكن العقوبات استثنت تحديداً التعاملات المتعلقة بالطاقة.
ومع ذلك يقول خبراء إن بعض أسباب ارتفاع الأسعار تعود لمشترين "يفرضون عقوبات ذاتية" ويتجنبون شراء النفط الروسي.
ويعتقد المستشار في شؤون النفط في هيوستن أندرو ليبو أن السوق قام بتسعير قرابة ثلاثة ملايين برميل يومياً من الإنتاج المعطّل، بسبب إجراءات مثل رفض مالكي الناقلات تحميل النفط الروسي أو انسحاب التجار لنقص التمويل المصرفي بسبب العقوبات الغربية.
وقال ليبو "لا أحد يريد شراء حمولة نفط خام تُصادر فيما بعد لأنها كانت مخالفة للعقوبات"، مشيراً إلى القلق إزاء شراء خام "ملوث" بارتباط مع كيان خاضع لعقوبات.
وقد ذكر نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك أن الحظر سيرفع سعر البرميل الى 300 دولار، وهو ليس بالمستبعد.
والنفط عرف ارتفاعاً بنسبة كبيرة وصلت إلى 21% الأسبوع الماضي، وارتفع سعر برنت إلى ما فوق 130 دولاراً للبرميل، ويقترب من أعلى سعر على الإطلاق سجله إبان الأزمة المالية العالمية حين وصل إلى 147 دولاراً في 2008.
هل تنضم أوروبا إلى الحظر؟
سيكون حظر أميركي أكثر إيلاماً إذا ما انضم إليه الاتحاد الأوروبي. عموماً يعتمد الاقتصاد الأوروبي بشكل أكبر على موارد الطاقة الروسية، وخصوصاً الغاز الطبيعي الذي يمثل نحو 40 بالمائة من الإمدادات، و25% بالنسبة إلى النفط.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأحد إن "نقاشات نشطة" تجرى مع دول أوروبية بشأن حظر واردات النفط الروسي، لكن مسؤولين أوروبيين قللوا من أهمية الفكرة الإثنين معتبرين أنه لا يمكن ضمان إمدادات القارة في هذه المرحلة.
وأعلن المستشار الألماني أولاف شولتز في بيان أن "أوروبا تعمّدت استثناء إمدادات الطاقة الروسية من العقوبات"، مضيفاً "لا يمكن ضمان إمدادات الطاقة الأوروبية لإنتاج الحرارة والتنقل والكهرباء والصناعة بأي طريقة أخرى في الوقت الحالي".
إلا أن وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير أكد، الثلاثاء، أن أوروبا لديها "حلول لتصبح مستقلة عن الغاز الروسي"، مضيفاً أنه يريد "تسريع العمل بموجبها لتكون قادرة على مواجهة تحدي شتاء 2022-2023".
وأكد أن أسعار الغاز سيتم "تجميدها" حتى نهاية عام 2022 للمستهلكين في فرنسا. وأوضح أن الاعتماد على الغاز الروسي ليس نفسه في كل الدول الأوروبية. فـ"فرنسا تعتمد بنسبة 20 في المائة من إمداداتها على الغاز الروسي، فيما يبلغ المتوسط الأوروبي 40 في المائة، وبعض الدول تعتمد كلياً عليه، مثل فنلندا التي تحصل على إمداداتها من الغاز بنسبة 100 في المائة من روسيا".
وأشار لومير إلى الحاجة إلى "حل أوروبي جماعي" بشأن هذا الموضوع.
ومن الحلول التي ذكرها، قدّر لومير أنه من الضروري "تسريع تخزين الغاز اعتباراً من الصيف الحالي لتعبئة وتخزين 90 في المائة من الحاجات اللازمة لمواجهة شتاء العام الحالي". وأضاف "التحدي ليس الآن. التحدي هو شتاء 2022-2023".
وتابع: "الاحتمال الثاني توفير مشتريات جماعية بهدف الحصول على أسعار مخفّضة. والثالث محاولة تنويع الإمدادات من منتجين آخرين".
وعن الاحتمال الرابع، ذكر الوزير الفرنسي تحسين أداء محطات الغاز الطبيعي المسال، موضحاً "هناك سبع محطات في إسبانيا وأربع محطات في فرنسا، لكن للأسف لا يوجد أي منها في ألمانيا"، مشيراً إلى أنه "بحث" مع قادة مجموعة إنجي في طرق "تحسين تشغيل" المحطات.
كذلك، ستقدم حكومة المملكة المتحدة إعلاناً في حوالي الساعة الرابعة بتوقيت غرينتش اليوم حول كيف تعتزم الحد من استيراد النفط والغاز الروسي بمرور الوقت.
كيف ستعوض الولايات المتحدة عن نقص في النفط الروسي؟
برزت مؤشرات على شكل تأثير انسحاب للغرب من موسكو على المشهد الجيوسياسي. فالأزمة الأوكرانية رفعت الرهانات في محادثات الملف النووي الإيراني والتي يمكن أن تلغي العقوبات الأميركية عن قطاع النفط الإيراني.
وفي تحول آخر على ما يبدو، توجه مسؤولون أميركيون إلى فنزويلا في نهاية الأسبوع الماضي لمحادثات مع حكومة نيكولاس مادورو، بحسب ما ذكرت تقارير. والدولة الواقعة في أميركا الجنوبية كانت فيما مضى من أكبر موردي النفط للولايات المتحدة، لكن واشنطن أوقفت الاستيراد منها في 2019 عقب فرض عقوبات عليها.
وبالمقارنة تعتبر إيران في وضع أفضل لزيادة الإنتاج، فيما تبرز تساؤلات أكثر بشأن فنزويلا نظراً لوضع البنى التحتية لديها، بحسب الباحث في جامعة كولومبيا أنطوان هالف.
وقال إن روسيا دولة منتجة كبيرة بحيث لا يمكن سد نقص كل البراميل الضائعة، لكن "يمكن التعويض عن بعض منها".
هل يمكن لمنتجي البترول الأميركي سد الفارق؟
أبدت شركات محلية كبرى، مثل إيكسون موبيل وشيفرون، حذراً بشأن زيادة الاستثمار رداً على ارتفاع أسعار النفط، لأسباب منها تشكيك وول ستريت إزاء خطط حفر كبيرة. وحولت الشركات جزءاً من أموالها الإضافية من الأرباح المرتفعة إلى توزيع عائدات الأرباح على المساهمين وإعادة شراء الأسهم.
وبقاء سعر النفط فوق 100 دولار للبرميل من شأنه على الأرجح تحفيز مزيد من النشاط، لكن المنتجين يراقبون المشهد الدولي لمعرفة تطورات الوضع.
وقال الخبير في شؤون النفط ستيفن شورك "الخطر الأكبر هنا يتعلق بما إذا بوشر الحفر ثم تبرم الولايات المتحدة اتفاقاً مع إيران فيغزو هذا النفط الإيراني السوق".
كيف ستؤثر الأزمة الروسية على سياسات المناخ الأميركية؟
يواجه مشروع قانون بايدن "إعادة البناء بشكل أفضل" والذي يعد دعامة سياساته المتعلقة بالمناخ، صعوبة في إقراره في الكابيتول هيل، حتى قبل أن يتحول الانتباه الوطني إلى الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقال منتقدو بايدن في الحزب الجمهوري إن الأزمة تسلط الضوء على الحاجة لإعادة النظر في سياسيات للبيت الأبيض مثل التراجع عن خط أنابيب كيستون ومساحات حفر في ألاسكا وغيرها من الأماكن ذات الحساسية البيئية.
غير أن نشطاء البيئة يقولون إن ما علمته الأزمة ليس الحاجة لمزيد من انتاج النفط المحلي إنما المزيد من الاستثمار في السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة.
وقال نائب رئيس صندوق الدفاع عن البيئة مارك براونستين "توفر روسيا اليوم 10 بالمائة من نفط العالم".
أضاف "تريدون جعل ذلك النفط غير ذي قيمة؟ أظهروا لبوتين أنكم لستم بحاجة له. هذا ما يحققه تسريع الانتقال إلى مستقبل الطاقة النظيفة".
التأثير على الطلب النفطي العالمي
حذر مسؤولون تنفيذيون كبار في قطاع الطاقة من أن أسعار النفط التي تسجل أعلى مستوياتها في 14 عاماً تستعد لخفض الطلب على الوقود بعد تفشي جائحة كوفيد حيث يتفاعل المستهلكون مع ارتفاع أسعار المضخات والطاقة من خلال التراجع عن الإنفاق والسفر. الإثنين.
بلغت العقود الآجلة للنفط العالمي ما يصل إلى 139 دولاراً للبرميل هذا الأسبوع مع ارتفاع أسعار البنزين والديزل والطاقة إلى أعلى مستوياتها في عدة سنوات. وتأتي الزيادات في الوقت الذي يتجنب فيه مشترو النفط شحنات أكبر مصدر للنفط في العالم، روسيا، بسبب غزوها لأوكرانيا، مما أدى إلى تفاقم النقص الحالي في النفط والغاز الطبيعي.
قال المسؤولون التنفيذيون في مجال الطاقة الذين حضروا مؤتمر الطاقة CERAWeek في هيوستن إن الأسعار تقترب من المستويات التي من شأنها أن تقلل الطلب. ووافق المستهلكون، الذين يدفعون الآن 47٪ أكثر من العام الماضي لملء سياراتهم، على هذا الرأي.
وقال آندي براون، الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة البرتغالية Galp Energia، إن صدمات أسعار الطاقة يمكن أن تصل سريعًا إلى نقطة يتخذ فيها الناس قرارات بعدم استخدام المنتج لأنهم لا يستطيعون تحمله.
وأدى ارتفاع أسعار البنزين والديزل إلى مزيد من الألم للمستهلكين في أوروبا، الذين يعانون من ارتفاع فواتير الكهرباء.
يوم الإثنين، بلغ سعر الجملة للكهرباء في إسبانيا 500 يورو (540 دولارًا) لكل ميغاواط / ساعة.
وزادت وكالة الطاقة الدولية، التي تقدم المشورة للدول بشأن إمدادات الطاقة والسياسة، الشهر الماضي من توقعاتها للطلب على النفط لهذا العام وسط توقعات باستمرار النمو الاقتصادي في أعقاب جائحة فيروس كورونا.
ورفعت توقعاتها لعام 2022 بنحو 800 ألف برميل يوميا، متوقعة الحاجة إلى 3.2 ملايين برميل يوميا إضافية هذا العام، إلى ما يزيد كثيرا عن مستوى ما قبل الوباء البالغ 100 مليون برميل يوميا في 2019.
لكن الخبراء حذروا من أن تلبية هذا الطلب بدون إمدادات الطاقة الروسية أمر غير مرجح. قال الأمين العام لمنظمة أوبك محمد باركيندو، إنه لا توجد طاقة فائضة كافية في جميع أنحاء العالم لتعويض خسارة النفط الروسي.