أميركا نحو إغلاق جديد... وبايدن وترامب يتسابقان لاستغلال الأزمات

27 سبتمبر 2023
ترامب وبايدن أعلنا زيارة اعتصام لعمال شركات السيارات في ولاية ميشيغان (Getty)
+ الخط -

أربعة أيام تفصل الولايات المتحدة عن إغلاق حكومي جديد، وسط تضاؤل الآمال في التوصل إلى حل وسط بين الجمهوريين والديمقراطيين بشأن مشاريع قوانين الإنفاق للعام المالي المقبل، الذي يحل في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول، ما ينذر بتوقف رواتب مئات آلاف الموظفين، ليبدو المشهد أكثر تعقيداً من حالات الإغلاق التي شهدتها البلاد خلال سنوات ماضية، حيث يُتخوف من تضرر الاقتصاد بشكل أعمق في ظل تشابك مشاكل أخرى على رأسها ارتفاع أسعار الوقود وتداعيات ذلك على صعود أسعار السلع والخدمات، واستمرار أزمة إضراب عمال شركات السيارات المقلقة.

وباتت شعبية الرئيس الديمقراطي جو بايدن مهددة بتراجع أكبر، بينما تعاني بالأساس من معدلات تأييد منخفضة، ليتلقف منافسه الجمهوري دونالد ترامب هذه المؤثرات محاولاً استغلالها كورقة انتخابية للوصول مجدداً إلى البيت الأبيض في 2024، بينما يأمل بايدن في قطع الطريق عليه.

ويجب على الكونغرس تخصيص تمويل لما مجموعه 438 وكالة حكومية في كل سنة مالية تنتهي في 30 سبتمبر/أيلول. وإذا لم يوافق المشرّعون على مشاريع القوانين هذه قبل بدء السنة المالية الجديدة، فلن تتمكن تلك الوكالات من مواصلة العمل كالمعتاد.

وكانت هناك 20 حالة إغلاق منذ السبعينيات، وفقاً لخدمة أبحاث الكونغرس، آخرها في عهد الرئيس السابق ترامب، وتعد الأطول حيث استمرت 35 يوماً بين ديسمبر/كانون الأول 2018 ويناير/كانون الثاني 2019. ولم ينته الكونغرس حتى الآن من أي من مشروعات قوانين الإنفاق العادية البالغ عددها 12 مشروعاً لتمويل برامج الوكالات الاتحادية في السنة المالية الجديدة.

وحذر بايدن ليلة السبت الماضي، من أن الإغلاق قد يعرض للخطر الرواتب العسكرية وسلامة الغذاء وبرامج التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة وأبحاث السرطان، مؤكدا أن "تمويل الحكومة هو من المسؤوليات الأساسية للكونغرس".

وانتقد من وصفهم بأنهم "جمهوريون متطرفون"، قائلاً إنه يتعين على مشرعي الحزب اتخاذ خطوات فورية للحيلولة دون تعطل عمل الحكومة قبل الموعد النهائي في 30 سبتمبر/أيلول.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

ولفت بايدن إلى أن الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين القيادة الجمهورية في الكونغرس وإدارته في مايو/أيار الماضي، كان سيمول أولويات الأمن الداخلي والقومي الأساسية، وسيخفض عجز الميزانية بمقدار تريليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة، و"الآن هناك مجموعة صغيرة من الجمهوريين المتطرفين لا تريد التزام الاتفاق".

استغلال الملفات المالية والاقتصادية

وكثيراً ما استغل الديمقراطيون والجمهوريون الملفات المالية والاقتصادية الحساسة كأوراق ضغط متبادلة، واستثمارها بشكل أكبر قرب كل انتخابات شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة.

في الماضي، استفاد الديمقراطيون سياسياً من الأزمات المالية وأزمات الميزانية، لترتد الكرة الآن على ملعب الجمهوريين، حيث تأتي الأزمة في وقت يعاني فيه بايدن من معدلات تأييد منخفضة، خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد، وهو ما يلقي بظلاله على محاولته إعادة انتخابه.

ووفق بيت بوتيجيغ، وزير النقل، فإن "من الممكن أن يتعرض البيت الأبيض لتداعيات سياسية في حالة إغلاق ممتد". وبينما يلقي بايدن باللائمة على "المتطرفين الجمهوريين" في عرقلة اتفاق الإنفاق في الكونغرس، قال بوتيجيغ في تصريحات لشبكة "إن بي سي"، يوم الأحد، إن "الشيء الأكثر إحباطًا، بالطبع، هو أن الرئيس والإدارة يتحملان مسؤولية التأكد من استمرار البلاد في النجاح، بغض النظر عما يفعله الكونغرس".

وعلى الرغم من الآمال الضعيفة في التوصل إلى اتفاق قبل الموعد النهائي في الأول من تشرين الأول/أكتوبر، لا تزال هناك فرصة للتدخل لحل الأزمة إما من خلال اتفاق بين المشرعين الوسطيين من كلا الحزبين في مجلس النواب، أو من خلال اتفاق يصوغه زعماء مجلس الشيوخ من شأنه أن يؤدي إلى حل الأزمة.

ومن شأن الإغلاق أن يقلل بشكل مباشر من نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بنحو 0.2% لكل أسبوع يستمر، وفقا لبنك "غولدمان ساكس". وقد كلف إغلاق 2018-2019 الاقتصاد نحو 3 مليارات دولار، أي ما يعادل 0.02% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لمكتب الميزانية بالكونغرس.

وتأتي أزمة الميزانية الأخيرة في واشنطن بعد بضعة أشهر فقط من تمكن الكونغرس والبيت الأبيض من تجنب عجز أكثر تدميراً عن سداد ديون الولايات المتحدة، حيث توصل توصل بايدن وبايدن وكيفن مكارثي رئيس مجلس النواب الجمهوري إلى اتفاق لرفع سقف الدين في اللحظات الأخيرة.

وفي الأيام الأخيرة، طرح مكارثي تمديداً للتمويل الحكومي لمدة 45 يوماً من أجل إعطاء المزيد من الوقت للتوصل إلى اتفاق بشأن تفاصيل الإنفاق للسنة المالية المقبلة، لكنه يواجه مقاومة شديدة لهذه الخطة. لكن أي اتفاق محتمل لمكارثي مع الديمقراطيين ينطوي على مخاطر عليه شخصياً، إذ يواجه النائب الجمهوري تهديداً مستمراً من الجناح المتشدد بالحزب، بإجراء تصويت على عزله وحجب الثقة عنه.

وقال مكارثي، السبت الماضي، إنه لا يزال يفتقر إلى الدعم من عدد قليل من الأعضاء الجمهوريين، وهو ما يجعل إغلاق الحكومة الفيدرالية وارداً بصورة كبيرة في الأول من أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

الاستعداد لإغلاق يطاول 800 ألف موظف

بدوره، قال توني غونزاليس، الجمهوري من تكساس، لشبكة سي بي إس يوم الأحد: "لا أريد أن أرى إغلاقًا، لكن ليس هناك شك في ذهني بأن البلاد تتجه نحو الإغلاق ويجب على الجميع الاستعداد على هذا النحو".

ويضغط بعض النواب الجمهوريين في مجلس النواب من أجل إجراء تخفيضات إضافية على الإنفاق تبلغ نحو 120 مليار دولار في ميزانية السنة المالية الجديدة فقط، مما قد يؤثر على برامج التعليم وحماية البيئة والإيرادات الداخلية والبحوث الطبية، وفق الديمقراطيين.

وبينما يُهيمن الديمقراطيّون على مجلس الشيوخ، فإن مجلس النواب خاضع لسيطرة المعارضة الجمهورية، حيث يتمتع الجمهوريون بأغلبية صغيرة في مجلس النواب، بواقع 221 مقعداً مقابل 212 للديمقراطيين، ويسمح هذا التقارب لأي مجموعة من 5 مشرّعين من الحزب الجمهوري بعرقلة أي تقدم.

ويبدو أن ورقة الدين والإنفاق ستشهد صراعاً أكثر احتداما في الفترة المقبلة بين الجمهوريين والديمقراطي بايدن، بعد أن قفز دين أكبر اقتصاد في العالم إلى 33.04 تريليون دولار، يوم الثلاثاء الماضي، وفقاً للبيانات الجديدة التي نشرتها وزارة الخزانة، والتي تظهر بوضوح في ساعة الدين الموجودة في نيويورك، مقارنة بنحو 907 مليارات دولار قبل أربعة عقود فقط.

وفي كل عام يتحول التصويت على الميزانية في الكونغرس بانتظام إلى مواجهة بين الحزبين، حيث يستغل كل جانب احتمال حصول إغلاق لانتزاع تنازلات من الطرف الآخر، قبل التوصل إلى حل في اللحظة الأخيرة.

وسبق أن شهدت الولايات المتحدة عمليات إغلاق حكومية مطولة خلال الأعوام 1995-1996 و2013 و2018-2019، لكن هذه المرة يبدو المشهد أكثر تعقيداً في ظل تشابك القضية مع مؤثرات أخرى تلقي بظلال سلبية على الاقتصاد وهو ما يجعلها حقولاً خصبة للاستغلال السياسي من قبل ترامب وبايدن على حد سواء.

موديز تحذر من تضرر التصنيف الائتماني

قالت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني العالمية، إن إغلاق الحكومة الأميركية سيضر بتصنيفها السيادي، في تحذير شديد بعد شهر من خفض وكالة "فيتش" تصنيف الولايات المتحدة درجة واحدة على خلفية أزمة سقف الديون.

وقال وليام فوستر، محلل موديز، لرويترز، أمس، إن الإغلاق المحتمل سيكون دليلاً آخر على مدى إضعاف الاستقطاب السياسي في واشنطن لعملية صنع السياسات المالية، فيما تتزايد الضغوط على قدرة تحمّل ديون الحكومة الأميركية بسبب ارتفاع أسعار الفائدة. وأضاف: "إذا لم تكن هناك استجابة فعالة في السياسة المالية لمحاولة تخفيف تلك الضغوط، فسيكون هناك احتمال حدوث تأثير سلبي متزايد على الوضع الائتماني، وقد يؤدي ذلك إلى نظرة مستقبلية سلبية، وربما خفض التصنيف في مرحلة ما، إذا لم تُعالج هذه الضغوط".

وتصنف وكالة موديز ديون الحكومة الأميركية عند(AAA) مع نظرة مستقبلية مستقرة، وهي أعلى جدارة ائتمانية تخصصها للمقترضين. وموديز آخر وكالة كبرى تحافظ على مثل هذا التصنيف للولايات المتحدة، بعد أن خفضت فيتش تصنيف الحكومة درجة واحدة في أغسطس/آب الماضي إلى"AA+"، وهو التصنيف نفسه الذي حددته وكالة "ستاندرد آند بورز" في 2011.

بجانب أزمة الميزانية، هناك ثلاث صدمات أخرى محتملة للاقتصاد هذا الخريف، تتمثل في إضراب عمال صناعة السيارات على نطاق أوسع، وارتفاع أسعار النفط، واستئناف مدفوعات القروض الطلابية. وربما تتكاتف هذه الصدمات لتحدث أزمة للنمو الاقتصادي الأميركي، خاصة عندما يكون الاقتصاد في حالة تباطؤ بالفعل بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، وفق تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، الأحد.

وفي هذا الصدد، قال كبير الاقتصاديين في شركة "إي واي بارثنون" الأميركية غريغوري داكو: "إن هذا التهديد الرباعي يمكن أن يعطّل النشاط الاقتصادي"، متوقعا أن يتباطأ النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى معدل سنوي بنسبة 0.6% في الربع الأخير من العام الجاري 2023، مقارنة بمكاسب متوقعة بنسبة 3.5% خلال الربع الحالي.

ورغم قلق الكثيرين من المهتمين بالاقتصاد من تداعيات استمرار الإضراب العالمي في قطاع السيارات العملاق، إلا أن بايدن وترامب سعيا إلى استغلال أزمة العمال مع شركات السيارات كورقة انتخابية أيضاً دون تفويت الفرصة في جذب المؤيدين.

بايدن وترامب يتسابقان على اعتصام عمالي في ميشيغان

وأعلن بايدن الذي يصف نفسه بأنه الداعم الرئيسي للنقابات الأميركية، قبل أيام، عن زيارة أحد مواقع الاعتصام العمالي في ميشيغان، أمس الثلاثاء، تعبيراً عن "تضامنه"، في محاولة لقطع الطريق على منافسه الجمهوري، الذي خطط للمشاركة في اعتصام، اليوم الأربعاء، في ميشيغان أيضاً، التي تعد ولاية ذات أهمية انتخابية.

واتسع الإضراب في شركتي صناعة السيارات "جنرال موتورز" و"ستيلانتس" بسبب عدم إحراز تقدّم في المفاوضات النقابية، على عكس "فورد" حيث تمّ إحراز "تقدّم حقيقي". ومنذ منتصف نهار الجمعة الماضي، تأثرت مراكز توزيع قطع الغيار الـ38 التابعة لهاتين الشركتين.

ويعمل في هذه المواقع الواقعة في عشرين ولاية، حوالي 5600 عضو في نقابة "عمّال السيارات المتحدين" القوية من أصل 146 ألفاً يعملون لدى الشركات العملاقة الثلاث في ديترويت في ولاية ميشيغان.

وفي هذه المرحلة، ما زال التأثير الاقتصادي محدوداً، لكن اتساع التحرك داخل "ستيلانتيس" و"جنرال موتورز" يهدّد بتداعيات أكبر، لأن هذه المراكز تزود الكراجات والتجار بقطع غيار للمركبات المباعة، الأمر الذي يؤثر مباشرة على عامة الناس.

في السياق، قال الخبير الاقتصادي في جامعة ميشيغان غابي إيرليك، وفق وول ستريت جورنال: "لا أتوقع أن يؤدي الإضراب في حد ذاته إلى دفع الاقتصاد الوطني إلى الركود، لكن هناك مطبات أخرى قادمة، وإذا جمعت كل هذه الصدمات معاً، يبدو أن الربع الأخير من العام قد يكون مليئاً بالعقبات التي ستواجه النمو الاقتصادي".

أما الصدمة الثالثة فهي ارتفاع أسعار البنزين، إذ صعدت أسعار خام برنت فوق 90 دولاراً للبرميل خلال الأيام القليلة الماضية، مقابل ما يزيد قليلاً عن 70 دولاراً هذا الصيف. وارتفعت أسعار البنزين بنسبة 10.6% في أغسطس/آب مقارنة بالشهر السابق، وهي أكبر زيادة في شهر واحد منذ يونيو/ حزيران 2022، وفقاً لبيانات وزارة العمل.

وقد أدت أسعار النفط المرتفعة إلى ارتفاع معدل التضخم الاستهلاكي للشهر الثاني على التوالي بعد اتجاهه نحو الانخفاض في العام السابق. وبلغ متوسط سعر غالون البنزين العادي، يوم الجمعة الماضي، 3.86 دولارات، وفقاً لشركة "OPIS" المتخصصة في بيانات وتحليلات الطاقة.

وملف التضخم حيوي بالنسبة للناخبين. وقد يؤدي التضخم المستمر إلى استمرار الضغط على مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) لإبقاء أسعار الفائدة أعلى لفترة أطول من أجل زيادة تباطؤ الاقتصاد. أما العامل الرابع المؤثر فيتمثل في استئناف مدفوعات القروض الطلابية.

وعندما سئل رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي " البنك المركزي الأاميركي"، جيروم باول في وقت سابق من سبتمبر/ أيلول الجاري عن العوامل الخارجية التي يمكن أن تؤثر على الاقتصاد أجاب: "إنه الإضراب، إنه إغلاق الحكومة، واستئناف مدفوعات القروض الطلابية، وارتفاع أسعار الفائدة طويلة الأجل، وصدمة أسعار النفط".

المساهمون