أميركا تدرس حلولاً جذرية لأزمات المصارف... منها ضمان 18 تريليون دولار إيداعات

22 مارس 2023
البنوك الصغيرة هزت ثقة المستثمرين في أسهم المصارف بوول ستريت (getty)
+ الخط -

تدرس وزارة الخزانة الأميركية، ومسؤولو المال في أميركا، خيارات عدة للخروج من أزمة إفلاسات البنوك الصغيرة، من بينها ضمان جميع الودائع المصرفية في الولايات المتحدة، كما ذكرت مجموعة بوسطن للاستشارات المالية.

ولكن هذا المقترح قد لا يكون عملياً، لأن حجم الودائع المصرفية في أميركا ضخم جداً، ويبلغ 18 تريليون دولار.كما تدرس الوزارة سبل توسيع نطاق الضمانات الفيدرالية مؤقتاً لتشمل ضمان جميع الودائع المصرفية في كل البنوك وبدون حد أقصى، وذلك في حال تفاقم الأزمة التي تواجه القطاع المصرفي في الوقت الراهن.

وفي حال قررت السلطات الأميركية ضمان جميع الودائع، فإنها تحتاج إلى تدخل مجلس الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" لتغطية الفارق بين ما لديها من أموال والبالغة 125 مليار دولار وبين المبلغ الإجمالي لودائع المصارف الأميركية، وهو مبلغ تقدره مجموعة بوسطن للاستشارات بنحو 17.975 تريليون دولار.

من جانبه، قال المتحدث باسم البيت الأبيض، مايكل كيكيوكاوا: "إن الإدارة الأميركية ستستخدم الأدوات المالية لديها حالياً لدعم البنوك الصغيرة".

وتغطي مؤسسة ضمان الودائع الأميركية لدى إفلاس البنوك المؤمنة لديها 250 ألف دولار كسقف أعلى لصاحب الحساب. كما أن هنالك مقترحات لرفع سقف ضمان الودائع في حال إفلاس البنوك إلى 500 ألف دولار.

من بين الحلول الأخرى التي يقترحها قيادات مصرفية وخبراء المال، ما حدث خلال الأزمة المالية في عام 2008، ضمان بنك الاحتياط الفيدرالي حسابات معاملات الشركات بموجب قانون يسمى برنامج ضمان حساب المعاملات (TAG)، ولكن القانون توقف في نهاية عام 2012.

ويرى محللون أن العودة لهذا القانون أو إصدار قانون مشابه ربما يحل أزمة ثقة المودعين في البنوك الصغيرة، ويرون أن مصرف "سيليكون فالي" ما كان سيتعرض للإفلاس لو كان هذا القانون سارياً، لأنه يحمي ملاءته المالية.

ومن بين الحلول الأخرى كذلك تشديد الترخيص للبنوك وخفض عددها، عبر مطالبتها بضمانات مالية كبيرة تحميها من عمليات الإفلاس. ويلاحظ أن مؤسسة ضمان الودائع تواجه أزمة حقيقية في التعامل مع العدد الضخم من البنوك في أميركا، مقارنة مع عدد ضئيل من البنوك في معظم البلدان.

إفلاس 25 مصرفاً كل عام

تعد إفلاسات البنوك الصغيرة في أميركا شيئاً طبيعياً، وكان يمكن أن يمر إفلاس "سيليكون فالي" والمصرفين الصغيرين الآخرين، دون ضجة أو أزمة في القطاع المصرفي، لولا أنها حدثت في ظروف صعبة يمر بها مجلس الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" في محاربة التضخم عبر رفع أسعار الفائدة المصرفية، وما سبب ذلك من تداعيات سالبة على أسواق المال والصناعة المصرفية، حيث إن الإفلاسات البنكية ليست مستغربة في الولايات المتحدة التي يوجد بها 4157 مصرفاً مؤمناً على ودائعها مع مؤسسة ضمان الودائع الأميركية، معظمها مصارف صغيرة توجد في القرى والمدن الريفية.

ويقدر تحليل بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي، وهو مؤسسة بحثية في نيويورك، إجمالي حجم الودائع الأميركية المؤمن عليها في أميركا حتى نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي بنحو 18تريليون دولار.

وحسب بيانات مؤسسة ضمان الودائع الأميركية أفلس 563 مصرفاً بين أعوام 2001 وحتى مارس/آذار 2023 الجاري. وهذا يعادل إفلاس 25 مصرفاً في كل عام في الولايات المتحدة.

لذلك فإن عملية إفلاس البنوك الصغيرة كانت مسألة عادية في الولايات المتحدة وتمر دون تأثير كبير على أسواق المال والمصارف. ولذا يرى محللون أنه كان يمكن احتواء إفلاس مصرف "سيليكون فالي" دون أن تحدث أزمة بعد الإجراءات السريعة التي أتخذها مسؤولو المال في أميركا التي ضمنت جميع الودائع بالمصرف، لولا أنها تزامنت مع أزمة مصرف "كريدي سويس"، وهو مصرف ضخم وله استثمارات واسعة في الولايات المتحدة، ولاعب كبير في أدوات المال الأميركية.

كما أن الأزمة حدثت في وقت يخوض فيه مجلس الاحتياط الفيدرالي معركة شرسة للقضاء على التضخم عبر الزيادات الكبيرة والسريعة في أسعار الفائدة على الدولار وتداعياتها الضارة على البنوك الصغيرة والمتوسطة التي تستثمر بقوة في سندات الخزانة الأميركية.

يضاف إلى ذلك  أن أزمة إفلاس البنوك الأميركية الصغيرة وما تلاها من أزمة مصرف "كريدي سويس" والتي لا تزال يتردد صداها في أسواق المال، حدثت كذلك في توقيت جيوسياسي حساس جداً لواشنطن، حيث تخوض فيه مع حلفائها الغربيين معركة شرسة ضد معسكر "بكين ـ موسكو" على صياغة "النظام العالمي" الجديد، وتأمل في أن تتمكن من هزيمة روسيا التي تواصل غزو أوكرانيا لتغيير الخريطة الأوروبية.

وترى الوكالة الفيدرالية لأبحاث الاقتصاد في واشنطن، أن "لوبي البنوك الأميركية" لعب دوراً رئيسياً في أزمة المصارف الصغيرة وتراكم مخاطر الإفلاس المصرفي في الولايات المتحدة، فقد أعاق إجراءات قانونية لحماية المودعين، وكذلك وقف حائلاً دون تمرير إجراءات مصرفية في الكونغرس لزيادة رأس المال، وتعزيز السيولة كشروط أساسية في عمل البنوك.

ولاحظت الوكالة البحثية أنه في أعقاب تمرير قانون خاص بالسيولة وتعزيز رأس المال للبنوك التي يفوق حجم أصولها 50 مليار دولار، دعا لوبي البنوك إلى أعفاء العديد من البنوك الصغيرة من تطبيق القانون. وكان من البنوك التي طالبت بالإعفاء من قانون السيولة ورأس المال بنك سيليكون فالي المنهار.

في هذا الصدد، يرى الخبير المالي، زونغ يوان زولي، في تحليل على موقعه، نشره مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، أن وجود نظام مالي صحي ومستقر في الولايات المتحدة يعد شرطاً أساسياً لإدارة بايدن لتحقيق سياساتها الاقتصادية المقترحة. وفي الآونة الأخيرة، أنفق المشرعون الأميركيون جل وقتهم وطاقتهم في ابتكار نظام جديد لتعزيز النظام المصرفي، وتحديد نظم جديدة للاستثمار الخارجي، وتحسين بيئة الاستثمار الداخلي.

وحسب الخبير زونغ يوان زولي، تستهدف إدارة بايدن إغراء رأس المال الأميركي وإقناعه بعدم تمويل البحث والتطوير الأجنبي في الصين والدول التي تعتبرها أعداء، والتركيز على الداخل الأميركي والدول الحليفة. وكذلك حرمان تلك الدول أيضاً من القدرة على الاستثمار في الصناعات الاستراتيجية في أميركا والأسواق المالية.

وغالباً ما يمكن إرجاع المشكلات المصرفية إلى انخفاض قيمة أصول البنوك، حيث يمكن أن يحدث تدهور في قيم الأصول، بسبب انهيار أسعار العقارات أو من زيادة عدد حالات الإفلاس في القطاع غير المالي.

أو إذا توقفت الحكومة عن سداد التزاماتها، فقد يؤدي ذلك إلى انخفاض حاد في قيمة السندات التي تحتفظ بها البنوك في محافظها، أو حينما يجري شراء السندات الحكومية حينما تكون الفائدة منخفضة وترتفع الفائدة بسرعة مثلما حدث لاستثمارات "سيليكون فالي".

مثل هذه الظروف تقود إلى ضعف السيولة لدى البنك لمقابلة مطالب المودعين، وتحدث أزمة ثقة تدفع معظم المودعين إلى سحب أموالهم، فيما يطلق عليه "ذعر السحوبات المالية".

يمكن أيضاً إثارة مشاكل البنك أو تعميقها إذا واجه البنك الكثير من الالتزامات المستحقة ولم تكن لديه سيولة كافية (أو أصول أخرى يمكن تحويلها بسهولة إلى نقد) للوفاء بهذه الالتزامات.

ويمكن أن يحدث هذا، على سبيل المثال، إذا أراد العديد من المودعين سحب الودائع في الوقت نفسه. يمكن كذلك أن يحدث إفلاس البنك إذا أراد المقترضون من البنك استخدام أموالهم الخاصة في صفقة كبرى ولم يكن لدى البنك ما يكفي من النقود في متناول اليد. وفي هذه الحالة يصبح البنك فاقداً للسيولة.

ويرى خبراء مصارف أنه من المهم ملاحظة أن عدم السيولة والإفلاس أمران مختلفان. على سبيل المثال، يمكن أن يكون البنك قادراً على الوفاء بالديون، ولكن ليس لديه سيولة كافية في محفظته النقدية.

وتتخوف أميركا من خسارة أسواقها المالية، وبالتالي تراجع جاذبيتها المالية، وتأثير ذلك على مكانة الدولار في احتياطي البنوك المركزية العالمية الذي يمنحها السلطة المالية العليا في التمويل وتسوية الصفقات التجارية. ويلعب الدولار دوراً مهماً في القوة المالية للولايات المتحدة.

المساهمون