استمع إلى الملخص
- الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يعززان الإجراءات ضد روسيا بمشروع قانون أمريكي لمصادرة الأصول الروسية لصالح أوكرانيا، مما يعمق الأزمة المالية.
- روسيا ترد بمصادرة أصول أمريكية وتهدد المصالح الغربية، مما يضع سمعة البنوك الغربية وأمان الأموال المودعة فيها على المحك، ويحذر المستثمرين العرب بإعادة النظر في أمان أموالهم بالغرب.
من جديد، تشتعل الحرب المالية بين روسيا والغرب، ومعها تستعر حرب المصادرات وتجميد الأصول المالية بعد أن هدأت قليلاً في الأيام الماضية، وعادت مجدداً البلطجة الغربية سواء الأميركية أو الأوروبية، ولغة التهديد بتأميم أصول واستثمارات الشركات الأجنبية والأفراد في كلا الجانبين. وقد تمتد تلك البلطجة الغربية وحرب المصادرات لأموال واستثمارات العرب في الغرب في أي وقت كما جرى مع دول أخرى.
ساحة حرب الروسية الغربية هذه الأيام بدأت عقب الخطوة التي أقدم عليها الاتحاد الأوروبي الأسبوع الجاري وهي الموافقة على استخدام عائدات الأصول الروسية المجمدة لدى الاتحاد، لمساعدة أوكرانيا، في دعم قدرات الدفاع لديها، وإعادة بناء جيشها في ظل استمرار العدوان الروسي.
وفي حال تنفيذ القرار فإنه سيتم السطو على ما يتراوح بين 15 و20 مليار يورو قيمة عائدات أموال روسيا التي تم تجميدها عقب حرب أوكرانيا والبالغ قيمتها الإجمالية نحو 210 مليار يورو. ليست تلك هي الخطوة الأولى في هذا الشأن، فقد سبق للاتحاد الأوروبي أن ناقش استخدام الأصول الروسية المجمدة لتمويل إعادة إعمار أوكرانيا والتي قدر البنك الدولي قيمتها بنحو 411 مليار دولار.
قدرت وزارة المالية الروسية حجم الأصول المجمدة من الغرب بما يتراوح بين 300 مليار و350 مليار دولار، وهو ما يعادل نصف احتياطيات روسيا من الذهب والنقد الأجنبي
الولايات المتحدة كانت أكثر حدة من المفوضية الأوروبية، في التحرش بأموال روسيا، فعقب اندلاع حرب أوكرانيا مباشرة وضعت واشنطن يدها على أموال روسيا في البنوك الأميركية، وقد قدرت وزارة المالية الروسية حجم الأصول المجمدة من الغرب بما يتراوح بين 300 مليار و350 مليار دولار، وهو ما يعادل نصف احتياطيات روسيا من الذهب والنقد الأجنبي.
ويوم 20 إبريل/نيسان 2024، وافق مجلس النواب الأميركي، على مشروع قانون بشأن مصادرة الأصول الروسية لمصلحة أوكرانيا، وحظر إلغاء تجميدها، وأعطى القانون صلاحيات للإدارة الأميركية في تعويض كييف من خلال استخدام هذه الأموال، وتوظيفها لإعادة بناء أوكرانيا.
وفي فبراير/شباط الماضي، دعت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين صراحة إلى مصادرة أموال روسيا وإيجاد طريقة عاجلة لجعل ما قيمته 285 مليار دولار من الأصول الروسية المجمدة متاحة للاستخدام. وعادت يلين يوم السبت الماضي لتؤكد أنّ تقديم قرض لأوكرانيا مدعوم بعوائد الأصول السيادية الروسية المجمدة هو "الخيار الرئيسي" الذي سيدرسه زعماء مجموعة السبع الشهر المقبل، لكنها أضافت أنها لا ترغب في "استبعاد أي خيار ممكن".
ولم تقتصر الخطوات الغربية على تجميد أموال روسيا، فمنذ شهر فبراير 2022 تمت مصادرة أصول تابعة للحكومة الروسية ولرجال أعمال ومستثمرين وشركات روسية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات حول العالم.
ولم تتوقف عمليات التجميد في الأسابيع الماضية، إذ جمدت سويسرا، الرافعة شعار الحياد، يوم 23 إبريل الماضي 14.3 مليار دولار من الأصول الروسية الموجودة لديها، منها أكثر من 7 مليارات فرنك من احتياطيات البنك المركزي الروسي وأصوله. كما جُمدت أصول أخرى في العام 2023.
حكومة بوتين لن تقف مكتوفة الايدي في حال استمرار البلطجة الأميركية، صحيح أن قدرتها محدودة، لكن لا يزال يمكنها الرد وإلحاق الأذى بالمصالح الغربية
الغرب لا يزال يتحرش بروسيا مالياً، وهو ما يمثل انتهاكاً لجميع قواعد القانون الدولي وأعرافه والقوانين التي تحفظ أموال المودعين في البنوك. وعقب حرب أوكرانيا، سعى الغرب بكل الطرق إلى وضع يده على أموال روسيا للحيلولة دون استخدامها في تمويل نفقات الحرب، والتأثير على مركز روسيا المالي وضرب اقتصادها وتجفيف موارد النقد الأجنبي، خاصة أنه صاحب تلك الخطوة قرارات عنيفة أخرى منها حظر استيراد النفط والغاز الروسي، ووضع قيود على صادرات روسيا وغيرها.
بالتأكيد حكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن تقف مكتوفة الايدي في حال استمرار البلطجة الأميركية، صحيح أن قدرتها محدودة على الرد بالمثل إذا استولى الغرب على الأصول الروسية المجمدة بسبب قلة الاستثمارات الأجنبية والودائع الغربية داخل روسيا، لكن لا تزال هناك طرق يمكن لروسيا الرد بها وإلحاق الأذى بالمصالح الغربية. وقبل أيام وقَّع بوتين قراراً بشأن مصادرة الأصول الأميركية، رداً على مصادرة الأصول الروسية في الولايات المتحدة.
وبغض النظر عن التحرك الروسي والانتقام المحتمل فإن سمعة البنوك الغربية باتت على المحك، وفي حال استمرار الغرب في مصادرة أموال روسيا أو حتى وضع اليد على عوائد تلك الأموال، فإن هذا يعد درساً قاسياً لأصحاب الاستثمارات والأموال العربية المودعة في البنوك الغربية والتي تقدر مصادر قيمتها بأكثر من تريليون دولار.
درس يقول إن أموالكم في البنوك الغربية ليست في مأمن من البلطجة الغربية وربما تكون معرضة لمخاطر عدة منها المصادرة والتجميد، فإذا حدث خلاف معكم يتم وضع اليد عليها وتجميدها كما حدث مع دول عدة مثل إيران وأفغانستان وفنزويلا والعراق في سنوات سابقة. وكلنا نذكر التهديد بتجميد أموال السعودية في البنوك الأميركية عقب وقوع أحداث 11 سبتمبر، وكذا خلال فترة حكم دونالد ترامب.