عندما تبخّرت السيولة من الأسواق العالمية في خضم الأزمة المالية العالمية في 2008، تدخّلت الفوائض المالية الخليجية لاقتناص كل شيء، بدءاً من حصص في البنوك الغربية مثل "سيتي غروب" إلى غنائم مثل نادي مانشستر سيتي لكرة القدم، ومتجر "هارودز"، والآن تنطلق في رحلة صيد مجدداً.
وبفضل تدفق السيولة النقدية الناجمة عن طفرة أسعار الطاقة أخيراً، تضخ أكبر الصناديق السيادية في منطقة الخليج العربي، التي تستحوذ على أصول بأكثر من 3 تريليونات دولار، مليارات الدولارات في الصفقات العالمية، وتلعب دور ممول الملاذ الأخير للشركات في سوق متقلبة.
يلتمس المصرفيون من نيويورك إلى لندن وسنغافورة الأموال الخليجية من جديد، لإبرام صفقات كبيرة في جميع أنحاء العالم، إذ يروج بنك استثماري أميركي، لأحد أكبر مديري الأموال في المنطقة، الاستثمار في صفقة بقيمة 20 مليار دولار، حسبما قال شخص مطلع على الأمر لوكالة بلومبيرغ الأميركية، اليوم الأربعاء.
ويقول مسؤول تنفيذي كبير في واحدة من أكبر شركات الاستثمار في العالم إنّ الأموال المقبلة من الشرق الأوسط إلى السوق أكثر مما كانت عليه منذ فترة.
وأظهرت بيانات جمعتها بلومبيرغ أنّ أكبر الصناديق السيادية في المنطقة شاركت في عمليات استحواذ بقيمة 28.6 مليار دولار على الأقل خارج منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا العام الجاري، بزيادة تبلغ نسبتها 45% مقارنة بنفس الفترة في 2021، وهي الكبرى في أي فترة مماثلة مسجلة.
الصناديق الخليجية ترمي شباكها نحو الصين والهند وسنغافورة
في الأشهر القليلة الماضية فقط، ظهرت الصناديق الخليجية في محادثات للاستحواذ على كل شيء بدءاً من مجموعة "فورترس انفستمنت غروب"، ومقرها نيويورك، والتي تدير الأصول التابعة لمجموعة "سوفت بنك غروب" اليابانية، إلى حصص في "كلارنا" عملاقة صناعة "اشتر الآن وادفع لاحقاً"، وشركة صناعة السيارات البريطانية "أستون مارتن".
وبينما بحثت الصناديق السيادية الخليجية تاريخياً عن فرص جذابة في أوقات التقلبات والتقييمات المنخفضة، فإنّ الاختلاف الرئيسي هذه المرة هو التحول نحو قطاعات مثل التكنولوجيا والرعاية الصحية، فهي تدعم شركات الملكية الخاصة وتستغل علاقاتها مع الكيانات الكبيرة لإجراء المزيد من الصفقات المباشرة.
يقول أيهم كامل، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة "أوراسيا" لاستشارات المخاطر السياسية: "أصبحت صناديق الثروة السيادية في الخليج أكثر تطوراً في إستراتيجيتها الاستثمارية وتحتفظ بعلاقات عالمية واسعة".
وأضاف كامل: "ظروف السوق العالمية الحالية تدعم صعود الصناديق السيادية الخليجية، إذ إنه من الممكن توظيف فائضها النفطي سريعاً، وتساعد الصفقات في تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط على المدى الطويل، كما تدشن مصدر دخل دولياً بديلاً".
نوبة استثمارات عالمية
وشاركت شركات الاستثمار العملاقة المدعومة من الدولة في السعودية وقطر والكويت والإمارات في نوبة الاستثمارات العالمية، إذ يعزز صندوق الاستثمارات العامة، ومقره الرياض، حصته في شركة صناعة السيارات البريطانية "أستون مارتن"، ويستكشف جهاز قطر للاستثمار صفقات في صناعة "بلوكتشين"، وتتطلع الهيئة العامة للاستثمار الكويتية إلى صفقات في المجال العقاري، وفق بلومبيرغ.
وقال خافيير كابابي، مدير الأبحاث السيادية في جامعة " آي إي" الإسبانية، إن الصناديق السيادية لا تذهب فقط للشركات الغربية، وإنما ترمي شباكها على نطاق أوسع وتتوجه إلى الاستثمار في الصين والهند وسنغافورة وأماكن أخرى.
نفوذ سياسي
ودفعت طفرة الاستثمار، بعض شركات الاستثمار العالمية إلى نقل موظفين إضافيين إلى المنطقة. وبرزت دبي، العاصمة التجارية لدولة الإمارات، مؤخراً كمغناطيس لصناديق التحوط، بينما يستكشف مديرو الأموال الأكبر مكاتب جديدة في السعودية.
وتأتي نوبة الصفقات في الوقت الذي يقلب وباء كورونا، وحرب روسيا في أوكرانيا، والتضخم، بعض المراكز المالية التقليدية في العالم رأساً على عقب، ما يترجم إلى نفوذ سياسي أكبر لقادة الشرق الأوسط.
وساعد على عودة ظهور أهمية المنطقة، الحاجة المتزايدة عالمياً للطاقة التي أججتها الحرب الروسية في أوكرانيا، والتي أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة.
وتجني السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، ما يقرب من مليار دولار يومياً من صادرات النفط الخام، واستفادت قطر، أكبر مصدر للغاز المسال في العالم، من المحاولات اليائسة من جانب أوروبا لفطم نفسها عن الطاقة الروسية. ومن المتوقع أن تصل صادرات الدوحة من الطاقة إلى 100 مليار دولار العام الجاري لأول مرة منذ 2014.
وفي الوقت نفسه، تُعدّ الإمارات، ثالث أكبر منتج في "أوبك"، وعاصمتها أبوظبي، واحدة من المواقع القليلة على مستوى العالم التي تدير أكثر من تريليون دولار من رأس المال السيادي.
وبالنسبة للصناديق الخليجية التي كانت في دائرة الضوء عندما اندفعت الصناديق في قطر وأبوظبي والكويت في عام 2008 لاستثمار المليارات في بنوك مثل "باركليز" و"كريدي سويس" و"سيتي غروب"، فإن الجولة الأحدث من الاستثمارات تمثل تطوراً مهماً، وفقاً لكابابي من جامعة "آي إي " الإسبانية.
مكاسب للبورصات الخليجية
وقال: "لقد قطعت الصناديق السيادية رحلتها بدءاً من إجراء شراكات محدودة في المرحلة الأولى، ثم أصبحوا مستثمرين مشتركين في المرحلة الثانية، ثم مستثمرين مباشرين في المستوى الثالث.. وقد أسسوا فرقاً، وحددوا الاستراتيجيات، وطوّروا قدرات الاستثمار المباشر".
وتدعم الوفورات المالية أسواق الأسهم الخليجية كذلك. واليوم الأربعاء، أغلقت معظم مؤشرات أسواق المنطقة على ارتفاع. وزاد المؤشر الرئيسي للبورصة السعودية، أكبر أسواق المنطقة من حيث القيمة السوقية، بنسبة 0.7%.
كما صعد المؤشر القطري بنسبة 1.7% بدعم من أسهم البنوك، إذ قفز سهم مصرف قطر الإسلامي بنسبة 2.6% وسهم مصرف الريان المتوافق مع الشريعة 3.8%. وفي دبي، ارتفع المؤشر الرئيسي 0.4%، وزاد مؤشر أبوظبي 0.3%.