مع اقتراب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة من دخول أسبوعه الثالث على التوالي، تبدو الخسائر والأضرار المالية والاقتصادية هائلة جدًا في ظل تضرر البنية التحتية والإنشائية والإسكانية بصورةٍ تفوق في مجملها ما حصل في جميع جولات التصعيد والحروب السابقة.
وخلال الأيام الأولى للتصعيد الإسرائيلي على غزة تعمد الاحتلال الإسرائيلي استهداف الأبراج السكنية والتجمعات المتواجدة في قلب مدينة غزة التي تشهد ارتفاعًا في أسعار الشقق السكنية حيث يتراوح سعر الشقة الواحدة ما بين 70 إلى 100 ألف دولار.
ويعكس هذا الأمر تعمد الاحتلال توجيه ضربة اقتصادية كبيرة للقطاع يصعب من خلالها إعادة إعمار القطاع خلال فترة زمنية وجيزة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يضغط على قوى المقاومة وتحديدًا حركة المقاومة الإٍسلامية "حماس" التي تدير شؤون غزة منذ سيطرتها عليه عام 2007.
وسبق وأن تعرض القطاع لسلسلة من الحروب وجولات التصعيد كان أضخمها عدوان عام 2014 الذي رصد له 5.4 مليارات دولار، إلا أن أكثر من 1000 متضرر ما زالوا حتى اللحظة بلا إعمار نتيجة تنصل الدول المانحة من تعهداتها المالية لصالح وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا".
وإلى جانب الأضرار المتواصل جراء العدوان الحالي تحضر الأضرار الناجمة عن عدوان مايو/أيار الماضي الذي بدأه الاحتلال باغتيال سلسلة من قيادات الجهاد الإسلامي، إلى جانب عدوان شهر أغسطس/آب 2022 الذي طاول كذلك قيادات في ذات الحركة.
وبدا لافتًا خلال السنوات الأخيرة تعمد الاحتلال توجيه ضربات للبنية التحتية والحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية من أجل الضغط عليها لوقف أي عمل عسكري، أو منعها من تنفيذ عمليات ضد الاحتلال ومحاولة إحداث كي في الوعي العملياتي الخاص بها.
ووفق تقديرات الأمم المتحدة فإن عدوان عام 2014 شهد تدمير 89 ألف منزل بين جزئي وكلي أو كلي بليغ، فيما قدرت تكلفة إعادة الإعمار بنحو 4 إلى 6 مليارات دولار أميركي بما يشمل القطاعات الاقتصادية والزراعية والبنية التحتية إلى جانب الإسكان.
وشهد عدوان عام 2021 تدمير جيش الاحتلال الإسرائيلي قرابة 1500 منزل بشكلٍ كامل، إلى جانب الأضرار الجزئية والأضرار التي طاولت البنية التحتية في القطاع حيث بلغت كلفة القطاع نحو 497 مليون دولار، فيما كانت التقديرات قبل العدوان الحالي بحاجة غزة إلى نحو ملياري دولار أميركي.
بدوره، يؤكد وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة، جواد الأغا، أن إجمالي ما تم توثيقه من تدمير المباني غير نهائي وغير دقيق، نظراً إلى صعوبة الحصر في الكثير من المناطق مثل بيت حانون.
ويوضح الأغا، لـ "العربي الجديد"، أن التقديرات الحالية تشير إلى وجود 100 ألف وحدة سكنية متضررة بشكلٍ متوسط وطفيف، بالإضافة إلى 7 آلاف وحدة سكنية مدمرة بشكلٍ بليغ، بحيث أصبحت غير صالحة للسكن وتحتاج إلى إعادة تأهيل بشكل كبير لتعود صالحة للسكن.
ويلفت وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان، إلى أن هذه الأرقام أولية وغير نهائية ومن المحتمل أن تكون أضعاف هذه الإحصائيات، في ظل عدم تمكن الطواقم الحكومية من حصر جميع المناطق، جراء استمرار العدوان الإسرائيلي والاستهداف المكثف للمناطق السكنية.
وعادة ما تعقد مؤتمرات لإعادة إعمار المناطق المنكوبة جراء الحروب، كما حصل في القطاع عام 2014 حينما عقد مؤتمر القاهرة، إلا أن هناك خشية من ألا يتم هذا الأمر في ضوء اتساع رقعة النزاعات في العالم، وهو ما من شأنه أن يبقي القطاع منطقة غير قابلة للعيش بتاتًا.
إلى ذلك، يقول رئيس المكتب الإعلامي الحكومي سلامة معروف، إن خسائر هذا العدوان فاقت جميع أضرار وخسائر الفلسطينيين في كل الحروب وجولات التصعيد التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع والتي استمرت قرابة 100 يوم، في الفترة ما بين 2008 وحتى 2021.
ويوضح معروف في تصريح وصل إلى "العربي الجديد" أن حصر الأضرار يشمل أعداد الشهداء والجرحى والدمار في الوحدات السكنية والمنشآت والمرافق العامة والخسائر الاقتصادية، فضلا عن الواقع الإنساني الذي لم يسبق له مثيل خلال حروب العدوان السابقة، بمنع كل الإمدادات الحياتية الأساسية والمعيشية الضرورية والطبية.
ويشير رئيس المكتب الإعلامي الحكومي إلى أن هذا الواقع الإنساني الكارثي يرافقه تراجع واضح في المواقف الدولية تجاه هذه الجريمة ضد الإنسانية؛ عدا عن عدم وجود تحركات للاستجابة للنداءات المتعلقة بإدخال المساعدات الإغاثية التي يحتاجها سكان القطاع.