أشهر عجاف لتونس... شح في النقد الأجنبي وقطرات الحياة

02 ابريل 2023
تآكل الاحتياطي النقدي يضعف إمكانات استيراد السلع (فرانس برس)
+ الخط -

شح في قطرات الحياة من المياه والنقود... مشهد معقد ومربك ينذر بمواجهة تونس أشهراً وربما سنوات عجافاً، إذ يتحتم على البلد سداد ديون خارجية خلال العام الجاري تلتهم نحو ثلث احتياطي النقد الأجنبي الهزيل بالأساس، وسط صعوبات في الحصول على روافد دعم مالي من الخارج، وذلك بالتزامن مع شح مياه يهدد الاقتصاد والحياة المعيشية للمواطنين بالمزيد من العطش.

ومن المقرر أن تسدد تونس أقساط قروض خارجية تتجاوز ملياري دولار خلال العام الجاري، فيما رصيد النقد الأجنبي لا يتعدى 7.3 مليارات دولار، وهو ما يغطي حالياً نحو 95 يوماً من الواردات، ما يضع الأسواق والعملة المحلية (الدينار) في مهب تقلبات بداية من إبريل/ نيسان الجاري، وفق محللين ومؤسسات مالية.

ولم تتمكن تونس مع نهاية الربع الأول من العام الجاري من تعبئة موارد مالية خارجية مبرمجة ضمن قانون الموازنة، بسبب تعثر اتفاق القرض مع صندوق النقد وتعليق الممولين الدوليين القروض إلى حين إتمام الاتفاق النهائي مع الصندوق .

ويسعى الشركاء الماليون لتونس إلى إيجاد حلول لأزمة التمويل لتفادي الوصول إلى مرحلة الإفلاس وجدولة الديون. وحذر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأربعاء الماضي، من توجه الاقتصاد التونسي نحو المجهول، رابطاً ذلك باحتياجها بشكل طارئ للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار. كما أعلن الاتحاد الأوروبي، الاثنين الماضي، أنه مستعد لدعم تونس في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي، مؤكدا أن التوصل إلى إتمام البرنامج مع الصندوق من شأنه أن يفتح الباب أمام دعم مالي واقتصادي أوروبي للبلد.

كذلك، طالب كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بضرورة دعم تونس تجنباً لتصاعد موجهات الهجرة غير النظامية نحو الضفة الشمالية للبحر المتوسط، بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتأزمة في البلد.

وفي ظل غموض مصير الحصول على روافد إنقاذ مالي، يتعرض احتياطي النقد الأجنبي للاستنزاف، وفق الخبير المالي معز حديدان، محذرا من غياب الإيرادات الكافية التي من شأنها المحافظة على استقرار الاحتياطي عند مستويات آمنة.

ويقول حديدان لـ"العربي الجديد" إن تونس مطالبة بدفع نحو 2.1 مليار دولار من الديون الخارجية بداية من الربع الثاني من العام الجاري، من بينها 530 مليون دولار لصندوق النقد الدولي، مضيفا أن مجموع أقساط القروض المستحقة هذا العام تشكل ثلث احتياطي النقد الأجنبي.

ويشير إلى أن استمرار تعثر خطة الاقتراض الخارجي سيدفع السلطات التونسية إلى استعمال رصيد النقد الأجنبي لتجنّب سيناريو التخلف عن سداد الديون الخارجية، لكن ذلك سيتسبب في نزول حجم تغطية الواردات إلى ما بين 40 و50 يوماً فقط.

وبخلاف قرض صندوق النقد، تحتاج تونس إلى تمويلات مصيرية خلال هذا العام يصل إجماليها إلى 4 مليارات دولار. ويقول وزير المالية السابق سليم بسباس، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن تأثيرات أزمة التمويل ستطاول أيضا الدينار المرجح تراجعه، مضيفا أن "الصمود الجزئي للدينار أمام العملات الأجنبية في ظل المخاطر المحدقة به، لا يمكن أن يستمر طويلاً، خاصة إذا لم تنجح السلطات في تعبئة جزء من التمويلات الخارجية المبرمجة في الموازنة".

وكانت تونس قد توصلت العام الماضي إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد بشأن حزمة إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار، مقابل تنفيذ اشتراطات منها خفض دعم المواد الغذائية والطاقة وإصلاح الشركات العامة، لكن صرف القرض لا يزال متعثراً.

وكشف تقرير أصدرته وزارة المالية نهاية العام الماضي عن ارتفاع الدين العام إلى أكثر من 110 مليارات دينار (حوالي 35.5 مليار دولار)، ما يشكل 80,2% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 79,9% في عام 2021، مشيرا إلى صعود الدين الخارجي إلى 66.2 مليار دينار، ما يشكل 60% من مجموع الدين العام، مقابل قروض داخلية بقيمة 43.9 مليار دينار.

ويقول الخبير الاقتصادي خالد النوري إن كل المؤسسات الحكومية المكلفة بالمشتريات العمومية ستتاثر بتراجع احتياطي النقد، وهو ما سيضعف قدرتها على مواصلة توريد السلع الأساسية، ومنها المحروقات والغذاء والأدوية.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويتوقع النوري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تفرض السلطات قيوداً على توريد عدد من المواد للحد من نزيف العملة وعجز الميزان التجاري الذي تجاوز 25 مليار دينار.

عطش يهدد الاقتصاد

ويتزامن جفاف موارد النقد الأجنبي مع شح في المياه، ما يهدد الكثير من الأنشطة الاقتصادية، فضلا عن صعوبة حصول المواطنين على مياه الشرب. وأعلنت "شركة توزيع المياه" الحكومية، في بيان مقتضب عبر حسابها الرسمي على فيسبوك، مساء الجمعة، أنها ستبدأ قطع مياه الشرب "سبع ساعات يوميا في كل أنحاء البلد لمجابهة أزمة شح المياه والجفاف".

جاء ذلك بعد ساعات من قرار وزارة الزراعة العمل بنظام الحصص في بعض استعمالات الزراعة اعتباراً من 31 مارس/آذار وحتى نهاية سبتمبر/ أيلول 2023.

وتعاني تونس أزمة شح في المياه وتراجعا في احتياطيات السدود جراء التغيرات المناخية وسنوات الجفاف الثلاث (الماضية) التي مرت بها البلاد، في ظل ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدل الأمطار، ما أثر على مستوى المياه في السدود.

المساهمون