- البلاد تواجه تحديات اقتصادية بارتفاع التضخم إلى 33.1% وزيادة أسعار الغذاء بأكثر من 60%، مع توقعات بتحسن الوضع الاقتصادي عبر مبادرات لخفض الأسعار.
- الأزمة العالمية في إنتاج الكاكاو تؤثر على صناعة الشكولاتة، مع نقص حبوب الكاكاو وارتفاع التكاليف، مما يدفع الشركات للبحث عن بدائل ويضع ضغوطًا على الأسعار والمستهلكين.
صدمت محلات المواد الغذائية المستهلكين بزيادة أسعار الشكولاتة بنسب تصل إلى 20% خلال اليومين الماضيين، في رحلة ارتفاع صاروخي في أسعار الكاكاو محلياً ودولياً، ما ألقى بظلاله على المشروبات والحلوى التي يفترض أن تدخل البهجة والسرور على قلوب المواطنين في فترة الأعياد.
وجاءت الزيادة مع حلول عيد الفطر، إذ يقبل المشترون بكثافة على استهلاك الشكولاتة تامة الصنع وشراء الهدايا للأطفال والأسر، وصناعة الحلوى في المنازل وتناول مشروب الكاكاو البارد "الموكا" أو الساخن مخلوطاً بالحليب وقليل من السكر، في المقاهي ومناطق التنزه العامة.
ويأتي الفرد المصري ضمن أقل مستهلكي الشكولاتة على مستوى العالمين العربي والدولي، إلا أنها تمثل مظهر احتفال للأسر، بخاصة الأطفال والمتزوجين حديثاً والمناسبات العامة، كما تحولت إلى صناعة غذائية جيدة، تتجه غالبية إنتاجها إلى الأسواق العربية والأجنبية، بما يعرضها لأزمة حادة في التكلفة وتراجع الإنتاج.
وسجل جهاز الإحصاء الحكومي، ارتفاعاً في أسعار الكاكاو بمعدل 1.1% على أساس شهري في مارس/آذار 2024، بالمقارنة بأسعار فبراير/شباط الماضي، ضمن الزيادة الكبيرة في التضخم التي بلغت نحو 33.1% خلال الفترة نفسها. وواصلت الأسعار ارتفاعها في المواد الغذائية بصفة عامة، بنسبة تفوق 60% على أساس سنوي، مدفوعة بتراجع قيمة الجنيه في البنوك وزيادة تكلفة الواردات والتشغيل.
وتحتل مصر المرتبة الرابعة بين أكثر عشر دول تضرراً من تضخم الغذاء، بنسبة 15%، على أساس سنوي من مارس 2023-2024. وسادت في الأسواق معدلات تضخم مرتفعة، بمتوسط 35% في عام 2023، رغم تراجعه عند مستوى 33% في مارس 2024. ويتوقع محللون عودة إلى الارتفاع إلى مستويات تاريخية، تفوق 40%، بالتزامن مع تراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار والعملات الرئيسية، وزيادة الجمارك على الواردات اعتباراً من 7 مارس الماضي، بنسبة 50%، وارتفاع تكلفة الواردات، ومستلزمات الإنتاج مع زيادة أسعار المحروقات والنقل والكهرباء والأجور.
وأغلق مؤشر أسعار الزراعة والحبوب على ارتفاع بنسبة 8% و16% خلال الأسبوعين الماضيين على التوالي، وفقاً لنشرة" بينك شيت" التي يصدرها البنك الدولي ومنظمة الأغذية والزراعة "الفاو"، الأسبوع الماضي، بفي حين سجلت أسعار الكاكاو ارتفاعاً بلغ 31% خلال الفترة ذاتها، مدفوعاً بانخفاض غلة محصول الكاكاو.
وقفز سعر طن الكاكاو من متوسط أربعة آلاف دولار عام 2023 إلى 10 آلاف دولار عام 2024، صاعداً من مستوى متذبذب بمعدلات منخفضة ما بين 2000 إلى 3000 دولار للطن، خلال العقدين الماضيين.
ويتوقع محللون أن تواصل أسعار الشكولاتة ارتفاعها في الأسواق المحلية، متأثرة بالزيادة الهائلة في سعر الكاكاو وتراجع الإنتاج عالمياً، في حين يؤكد عمرو السمدوني أمين شعبة النقل بغرفة القاهرة التجارية، في بيان لـ" العربي الجديد" أن الأسواق ستشهد تراجعاً في أسعار السلع والمنتجات خلال الفترة المقبلة، متأثرة بخروج البضائع المكدسة في الموانئ، والتي تشمل واردات المصانع والموزعين للسلع، مع تراجع قيمة الدولار في البنوك إلى أقل من 50 جنيهاً، نزولاً من 70 جنيهاً سجلها في تعاملات السوق الموازية، التي كانت توفر الدولار للمستوردين، قبل ما يقرب من شهر ونصف.
وأشار علاء عز الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية، في تصريح لـ "العربي الجديد" إلى تفعيل مبادرة الغرف التجارية واتحاد الصناعات للخفض العاجل لأسعار السلع بالأسواق، بنسبة 25%، في ضوء توافر كل السلع الأساسية وغيرها، بعد الإفراجات الكبيرة التي حدثت للبضائع المكدسة منذ أشهر في الموانئ، لتصل إلى متوسط الأسعار السائدة منتصف 2023.
وقدم "عز" قائمة بالخصومات التي ستطبق على السلع بالأسواق خلال أيام، وتشمل منتجات الألبان والأجبان، والمعكرونة والزيوت، والدواجن. وتبتعد اهتمامات الحكومة والتجار عن السلعة المفرحة "الشكولاتة"، ومنتجات الكاكاو التي تواصل صعودها سعرياً بصورة أسبوعية.
ويستهلك المواطن المصري نحو 500 غرام من الشكولاتة سنوياً، ما يضعه في مرتبة متدنية بين مستهلكي المحصول على مستوى المنطقة العربية وعالمياً، حيث يصل استهلاك الفرد الكويتي والسعودي إلى ثلاثة كيلوغرامات، والبريطاني إلى 12 كيلوغراماً سنوياً.
وارتفعت معدلات الاستثمار في صناعة الشكولاتة، في العقد الماضي، إذ يتجه نحو 80% منها إلى التصدير إلى السعودية بقيمة 50 مليون دولار، والأردن بقيمة ثمانية ملايين دولار، من بين صادرات للأسواق الدولية، بقيمة 143 مليون دولار عام 2022. وبلغت نسبة الزيادة في الصادرات ذروتها في فبراير 2023، بنسبة 193.4% عن فبراير 2022، وفقاً لبيانات جهاز الإحصاء الحكومي.
وتعتمد شركات صناعة المواد الغذائية على استيراد قوالب الشكولاتة من الخارج، في حين تفضل مصانع الحلوى استيراد الشكولاتة الجاهزة من الخارج، بما يقدر بنحو 70 مليون دولار سنوياً.
وأدى نقص حبوب الكاكاو إلى إغلاق مصانع المعالجة والطحن في كوت ديفوار وغانا، اللذين ينتجان 60% من الإنتاج العالمي، وهما من أهم الموردين لمصانع الشكولاتة في أنحاء العالم.
وحددت حكومة كوت ديفوار سعر توريد كيلو حب الكاكاو لموسم حصاد 2023-2024، عند 1500 فرنك بقيمة 2.50 دولار، في 8 إبريل الجاري، في زيادة قياسية تشهدها أسعار المحصول في السوق العالمية.
و
تدفع الأزمة المالية بدول غرب أفريقيا إلى عدم قدرة المزارعين على تدبير التمويل اللازم لتشغيل المزارع، وتوفير العملة الصعبة، التي يحتاج إليها المزارعون لشراء المبيدات والأسمدة اللازمة لمكافحة الآفات ورعاية المحصول، مع ارتفاع مستويات التضخم إلى معدلات هائلة، سبّبت زيادة تكلفة الإنتاج، وتراجع هامش الأرباح، وتفضيل المزارعين التخلص من المخزون، والتخلي عن زراعة مساحات واسعة من الأراضي.وبيّن مايكل أوديجي الخبير في اقتصاديات الكاكاو في دراسة نشرها مؤخراً في موقع كونفرزيشن الجنوب أفريقي، أن التراجع الحاد في إنتاج الكاكاو بدول غرب أفريقيا، المورد التقليدي للمحصول عالمياً، يرجع إلى تأثير ظاهرة "النينو" الجوية، التي خلفت طقساً أكثر جفافاً في مزارع الكاكاو، وسبّبت انتشار فيروسات قضت على 500 ألف هكتار من الأراضي بدولة غانا منفردة، ما سبّب انكماش زراعة المحصول، مع ارتفاع تكلفة تأهيل الأراضي للزراعة وتكاليف الصيانة والتشغيل، وصعوبة الحصول على أراضٍ جديدة للزراعة، تُمكن المزارعين من إنتاج الكاكاو المستدام.
وبينت الدراسة توجه بعض ملاك الأراضي إلى ترك مساحات شائعة مفتوحة أمام عمال المناجم الباحثين بطرق عشوائية عن استخراج الذهب والمعادن النادرة، بما قلل من جودة الأراضي، في وقت يرتفع الطلب المتوقع على استهلاك منتجات الشكولاتة بمعدل يتجاوز 4% سنوياً خلال السنوات القليلة المقبلة.
تؤكد الدراسة مواجهة المزارعين معدلات التضخم المرتفعة وتخفيض قيمة العملة، مع صعوبة استفادتهم من برامج التمويل الدولية المخصصة لتحسين أراضي الكاكاو، والتعتيم على مراجعة القروض التي قدمها بنك التنمية الأفريقي بقيمة تخطت 600 مليون دولار لإنقاذ المزارع منذ عام 2018.
وتدفع أزمة الكاكاو شركات التصنيع، التي تهيمن عليها ألمانيا وبلجيكا وإيطاليا وبولندا بنسبة 40% من إجمالي الإنتاج وتصنيع الشكولاتة حول العالم، بدعم تسويقي من شركات روسية وسويسرية وفرنسية وألمانية على التوجه إلى صناعة زبدة الكاكاو، وإنتاج نكهات اصطناعية تطابق في مذاقها طعم الشكولاتة من دون الحاجة إلى الكاكاو.
ويدفع التضخم المتصاعد لمستويات قياسية منذ يوليو/تموز 2023، إلى زيادة تكلفة الواردات ومستلزمات الإنتاج، ما يترجم عملياً إلى زيادة بالأسعار، وفقاً لتحليلات المركز المصري للدراسات الاقتصادية.
وبيّن المركز في تقرير حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه أن تكرار إضعاف قيمة الجنيه، وعدم ارتباطه بضغط الطلب على السلع، ومع ارتفاع الفائدة على الإقراض، بعائد يصل إلى نحو 27.25%، يشكل تأثيراً طارداً لأي استثمار إنتاجي، مع استحالة تحقيقه لعائد يوازي الزيادة في معدلات الفائدة. وشدد على حاجة البلاد إلى إصلاح مؤسسي كبير يخرجها من الدائرة المفرغة من الديون والفقر واللجوء المستمر إلى صندوق النقد الدولي، لحل أزمة الدولار والتضخم.