أسر مغربية أمام خطر الاستدانة المفرطة وتآكل المدخرات

24 يونيو 2022
معدل التضخم ارتفع إلى 5.9% في مايو الماضي (جلال مرشدي/الأناضول)
+ الخط -

تبدي المصارف المغربية نوعا من التشدد في الاستجابة لطلبات توفير القروض في الفترة الأخيرة، في سياق متسم بتواصل ارتفاع القروض الصعبة الاسترداد، في الوقت نفسه الذي ينتظر أن تتراجع مردودية الادخار.

وتعتبر البنوك أن التشدد في الإقراض يجنبها متاعب، في حال عدم القدرة على السداد من قبل العملاء، حيث يعود تحديد المخاطر التي تشكلها القطاعات والأفراد.

مديونية مفرطة

يؤكد البنك المركزي على ضرورة تجنب الإفراط في الاستدانة من قبل الأفراد، لا سيما في ظل الأزمة الحالية التي مست العديد من الأسر الحاصلة على قروض، وتميل للاقتراض أكثر.

ويرى البنك المركزي أنه لا يفترض في الشخص أن يتجاوز ما يخصصه لسداد القروض التي في ذمته 35 في المائة من إيرادات الأسرة، حيث عندما تتخطى ذلك السقف يدخل في الإفراط بالاستدانة، لا سيما في وضعية الأزمة.

ويأتي تشدد المصارف في توزيع القروض في سياق متسم بارتفاع القروض الصعبة الاسترداد التي توجد في ذمه الأسر والشركات بنسبة 8.8 في المائة، بعدما كانت في حدود 8.6 في المائة، حسب بيانات رسمية.

ووصلت القروض الموجهة للأسر في إبريل/ نيسان الماضي، وفق بيانات البنك المركزي، إلى 37 مليار دولار، مرتفعة بنسبة 3.4 في المائة، حيث تباطأت وتيرة النمو التي بلغت 4.1 في المائة في نهاية ديسمبر/ كانون الأول.

وتوزع تلك القروض بين تلك التي تهم الاستهلاك بحوالي 5.54 مليارات دولار، وقروض العقارات بحوالي 21.6 مليار دولار، وهي قروض تباطأ نموها من 4.5 في المائة في ديسمبر/ كانون الأول إلى 2.8 في المائة في إبريل، علما أن ذلك النمو كان في حدود 8.2 في المائة في يونيو/ حزيران من العام الماضي.

ويتجلى، حسب بيانات بنك المغرب، أنه بينما تراجعت القروض التي توجد بذمة الشركات من 11.9 في المائة إلى 11.7 في المائة بين ديسمبر وإبريل، استقرت تلك التي تعود للأسر في حدود 9.9 في المائة.

الأزمة حاكمة

يؤكد رئيس الجامعة المغربية لجمعيات المستهلك مديح وديع، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن اتجاه الأسر نحو الإمعان في الاقتراض يتعاظم في فترة الأزمة، حيث تسعى إلى تأمين إيرادات، خاصة في الجانب المتعلق بالاستهلاك.

ويرى أن سعي الأسر للاقتراض وإعادة شراء الديون التي في ذمتها التي تجد صعوبة في الوفاء بها لدى المصارف، تجعلها تقع تحت ثقل مديونية كبيرة ناتجة عن الفوائد المرتفعة التي تؤديها على اعتبار أن المصارف تحتسب المخاطر التي يمثلها العميل على مستوى قدرته على السداد.

وينبه وديع إلى خطورة الحال التي يقترض فيها الشخص من أجل سداد دين سابق، حيث يسقط في فخ الإفراط في الاستدانة، مشيرا إلى أنه يجب أن يكون المقترض واعيا بذلك، تفاديا لما يترتب عليه من مشاكل، رغم ضغط الحاجة.

ويؤكد أنه يفترض في شركات القرض، خاصة ذات الصلة بالاستهلاك، ألا تشجع الأشخاص على الإمعان في الاستدانة، حيث يتوجب على تلك الشركات الحرص على الإحاطة بالبيانات التي توضح ما إذا كان الشخص قادرا على السداد.

تداعيات التضخم

ولا تنشغل الأسر فقط في الفترة الحالية بالصعوبات أمام الاقتراض، بل تهتم بمدخراتها في الظرفية الحالية، التي يمكن أن تتأثر بارتفاع مستوى التضخم.

موقف
التحديثات الحية

وارتفع معدل التضخم حسب تقرير للمندوبية السامية للتخطيط (حكومية)، إلى 5.9 في المائة في مايو/ أيار الماضي، مقارنة بما كان عليه في إبريل/ نيسان الماضي، مدفوعا بارتفاع أسعار المحروقات والزيوت واللحوم.

ويدفع معدل التضخم محافظ البنك المركزي عبد اللطيف الجواهري إلى التأكيد على أنه لا يجب أن يرى المدخر تراجعا في مردودية مدخراته، التي قد تصبح سالبة، ما يزيد من خطر تحوله عن القنوات الرسمية، والبحث عن قنوات أخرى غير رسمية سعيا وراء المردودية أو المضاربة.

ودأب البنك المركزي على تأكيد انشغاله بهذا البعد المتعلق بمدخرات الأسر، حيث يراقب خبراء البنك تطورها في سياق التضخم، ما قد يساهم في تحديد قرارات السياسة النقدية، خاصة تلك المتصلة بمعدل الفائدة الرئيسية في المستقبل.

صعوبة جذب الادخار

يتصور الخبير في القطاع المصرفي مصطفى ملغو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الجائحة والأزمة الحالية المرتبطة بالحرب الروسية على أوكرانيا وما أفضت إليه من تأثير على مالية الأسر، ساهمتا في الصعوبات التي تجدها الأسر في الوفاء بما في ذمتها تجاه المصارف.

يدفع معدل التضخم محافظ البنك المركزي عبد اللطيف الجواهري إلى التأكيد على أنه لا يجب أن يرى المدخر تراجعا في مردودية مدخراته، التي قد تصبح سالبة

ويرى أنه كان متوقعا أن ترتفع القروض الصعبة الاسترداد في الأعوام الثلاثة الأخيرة، حيث زادت بحوالي 1.8 مليار دولار في عامين، منتقلا إلى حوالي 8.8 مليارات دولار، بعدما كانت في حدود 7 مليارات دولار قبل الجائحة، ما يفرض على المصارف تكوين مؤن لمواجهتها في حالات تعذر الاسترداد.

وكانت 84.7 في المائة من الأسر المغربية قد عبرت، في بحث للمندوبية السامية للتخطيط، عن عدم قدرتها على الادخار على مدى العام الحالي، مقابل 15.2 في المائة تؤكد إمكانية ذلك.

وعمد البنك المركزي إلى الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسية في حدود 1.5 في المائة، إلا أن ملغو يتصور أن المصارف قد لا تعكس بطريقة تلقائية ذلك السعر المنخفض على العملاء، فهي تحرص على توسيع هوامش مردوديتها عبر العمولات التي تفرضها على العملاء.

المساهمون