تعيش تونس أسابيع حاسمة في تاريخها نتيجة انسداد الأفق السياسي وتعثر الحكومة في إيجاد مصادر لتمويل الموازنة، التي تشكو من عجز قياسي فضلاً عن حاجتها إلى اقتراض ما لا يقل عن 6 مليارات دولار من السوق الدولية لتسيير النفقات العامة.
وبسبب الأزمة السياسية الناجمة عن عدم موافقة الرئيس قيس سعيد على تعديل وزاري أجراه رئيس الحكومة هشام المشيشي في يناير/ كانون الثاني الماضي، تضيق هوامش التحرك لإنقاذ اقتصاد البلاد من إفلاس وشيك نبهت إليه دوائر القرار المالي العالمي بعد خفض وكالة موديز العالمية تصنيف تونس، في نهاية فبراير/ شباط الماضي، ليصبح "B3"، وهو ما يعني أنها معرضة لمخاطر ائتمانية مرتفعة، وهو نفسه التصنيف الذي حصل عليه لبنان قبل نحو ثلاث سنوات.
وتضع دوائر القرار المالي شرط الشروع الفوري في برنامج إصلاحي تتفق عليه كل الأطراف السياسية كبند أساسي لمواصلة مساعدة تونس وضخ قروض جديدة في اقتصادها، محذرة من الانحراف الوشيك للبلاد نحو وضع خطر مع تفاقم نسب الفقر وبلوغها معدلات قياسية فاقت 21% من مجموع السكان، فضلا عن تزايد معدلات البطالة.
وإبان زيارته لتونس، الشهر الماضي، أكد نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بالحاج أن الوقت قد حان في تونس من أجل وضع مشروع وطني شامل يهدف لإنقاذ البلاد التي تعيش على وقع أزمة سياسية أصبحت لها تداعيات كارثية على الاقتصاد.
وطالب بلحاج السلطات التونسية بالانطلاق بشكل عاجل نحو خريطة طريق واضحة وبرنامج يقنع الشركاء الدوليين بجدية البلاد ورغبتها الحقيقية في الإصلاح.
ويجمع خبراء اقتصاد على أن أزمة تونس سياسية بامتياز، مؤكدين أن الاقتصاد يدفع منذ سنوات كلف باهظة لعدم استقرار مؤسسات الحكم. ويقول الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان إن "انهيار الاقتصاد أصبح أمراً ممكناً في أي وقت"، محذراً من إعلان وشيك للإفلاس وعدم قدرة الحكومة على سداد الأجور وتسيير المرافق الأساسية.
ويضيف سعيدان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تونس مطالبة هذا العام بسداد ديون بقيمة 16.3 مليار دينار (5.92 مليارات دولار)، معتبرا أن التخلف عن سداد هذه الدوين يصنّف البلاد في خانة الدول المتعثرة.
ويشير إلى أن تونس لن تتمكن من سداد أقساط الديون المستحقة دون الاقتراض من السوق الدولية مجدداً، بينما نسبة المخاطر العالية للاقتصاد المحلي تجعل حظوظ تونس في الحصول على قروض جديدة شبه منعدمة إذا لم تتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
ويرى أن الحكومة تأخرت في فتح مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، شريكها المالي الأساسي، الذي يضع لائحة شروط لمواصلة تمويل اقتصاد تونس، معتبرا أن الوضع السياسي في البلاد هو العائق الأساسي أمام الاقتصاد.
وبالإضافة إلى الأزمة السياسية، لا تزال ارتدادات الغلق جراء جائحة فيروس كورونا تلقي بظلال سلبية كبيرة على الاقتصاد، الذي هبط نموه إلى مستويات غير مسبوقة مخلفاً عجزاً مالياً بلغت نسبته 11.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، وهو الأعلى منذ 4 عقود.
ورغم النظرة المتشائمة التي يبديها العديد من المؤسسات المالية الدولية وخبراء الاقتصاد حيال الوضع الاقتصادي التونسي، يقلل المحلل المالي خالد النوري من مخاطر إعلان قريب للإفلاس، وفق وصف الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان، مشيرا إلى أن تونس ليست في وضع الإفلاس الذي يمكن أن يضعها تحت تصرف الجهات المقرضة، لكنها "في مرحلة تعثّر مالي شديد".
ويقول النوري إن "عدّة مؤشرات تؤكد عدم وصول تونس إلى مرحلة الإفلاس، ومنها مواصلة المؤسسات المالية العالمية صرف قروض لفائدتها رغم تصنيفها كدولة متعثرة من قبل وكالات التصنيف الائتماني".
ويضيف أن البنك المركزي التونسي يقوم بدور كبير لمنع سقوط الاقتصاد المحلي في هوة عميقة، لافتا إلى أن هذه المؤسسة تكاد تكون الوحيدة حكومياً التي تقوم بدورها لحماية الاقتصاد، عبر الإجراءات الحمائية التي اتخذتها لتجنّب انهيار العملة والمحافظة على رصيد مهم من العملة الصعبة وعدم طباعة النقود.
لكن الصلابة المالية للاقتصاد التونسي باتت محدودة جداً، ما يجعل حصول البلاد على قروض جديدة أمراً صعباً، بحسب النوري، الذي أكّد أن وصفة الإنقاذ السريع تتطلب المراهنة على الاستثمارات الكبرى وحثّ المستثمرين على ضخ أموال في تونس عبر المشاريع الضخمة.
وفي نهاية مارس/ آذار الماضي، قال الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي إن الوضع الاجتماعي أصبح صعباً في ظل التردي الاقتصادي، مضيفا أن الوقت لم يعد في صالح تونس، ولا بد من إنهاء الخصومات السياسية في أقرب وقت.