استمع إلى الملخص
- عمليات شراء كبيرة للنقد الأجنبي تركزت على اليورو، مما زاد من تراجع الدينار وأثار تساؤلات حول الأسباب وراء هذا السلوك.
- الخبير سليمان ناصر يربط ارتفاع الأسعار بعوامل العرض والطلب وإشاعة حذف صفر من العملة، ويقترح تحرير سوق الصرف وفتح مكاتب صرف معتمدة.
يشهد السوق الموازي للعملة الصعبة ندرة حادة في الجزائر، وخصوصا اليورو والدولار، وسط تراجع وصفه مراقبون بـ"التاريخي" للدينار المحلي مقابل العملات الأجنبية.
جولة ميدانية قادت "العربي الجديد" إلى ساحة بور سعيد بقلب العاصمة المعروفة بـ"السكوار"، كانت كافية للوقوف على مدى ندرة النقد الأجنبي لدى الشباب الذين يمتهنون صرف العملات الأجنبية على أرصفة الشوارع، في ظل استمرار افتقاد مكاتب صرف معتمدة.
"هل تبيع؟ عندك دوفيز (نقد أجنبي)؟ إذا تبيع فمرحبا أما الشراء فلا يوجد لدينا عملة صعبة"، هي الجمل الغالبة في ساحة بور سعيد بالجزائر العاصمة هذه الأيام، ولعل من قصد المكان قد سمعها من الشباب الذين يمتهنون صرف العملات.
ويقول محمد وهو شاب ينحدر من ولاية جيجل الساحلية شرقي الجزائر، لـ"العربي الجديد"، إن معظم عمليات صرف العملة في السوق الموازي سواء بساحة بور سعيد أو باقي الولايات الجزائرية تقتصر فقط هذه الأيام على عمليات الشراء من طرف الصرافين.
عمليات شراء مفاجئة
أوضح المتحدث أن عمليات شراء مفاجئة وكبيرة للنقد الأجنبي انطلقت منذ أزيد من أسبوع، ما تسبب في مزيد من تراجع قيمة الدينار مقابل العملات الأجنبية المختلفة. وحسب الشاب الجزائري، فإن أغلب من يمتهنون صرف العملات الأجنبية في السوق الموازية صار همهم شراء النقد الأجنبي فقط في غياب تام لعمليات البيع من طرفهم، مؤكدا أنه هو بنفسه لم يفهم الأسباب التي أدت إلى هذه الوضعية.
ومما لاحظناه وسط الجزائر العاصمة، أن النقص الحاد سجل في اليورو على وجه الخصوص، مقارنة بالدولار، مع تراجع تاريخي في قيمة الدينار مقابلهما. وخلال جولتنا في ساحة بور سعيد، اتضح أن سعر اليورو قد قفز إلى 255 دينارا (100 يورو بـ 25 ألفا و500 دينار)، في حين يصل سعر الشراء من عند صرافي العملة، وهو في الغالب أمر صعب، إلى 257 دينارا (100 يورو بـ 25 ألفا و700 دينار). أما الدولار فقد بلغ سعر صرفه بالسوق الموازية 223 دينارا (100 دولار مقابل 22 ألفا و300 دينار)، أما الشراء فيصل إلى 225 دينارا (100 دولار مقابل 22 ألفا و300 دينار).
وإلى وقت قريب وتحديدا قبل ثلاثة أسابيع فقط، كانت العملات الأجنبية المختلفة وخصوصا اليورو والدولار متوفرة في السوق الموازية بالجزائر بحسب شهادات شباب التقت بهم "العربي الجديد" بوسط العاصمة. وكان النقد الأجنبي متوفرا والأسعار كانت في حدود 240 دينارا لكل يورو واحد، قبل نحو 21 يوما فقط.
وبتصفح الموقع الرسمي للبنك المركزي الجزائري، يظهر فارق كبير بين سعر صرف العملات الأجنبية الرسمي وقيمتها في السوق الموازية. ويبلغ سعر صرف اليورو 147.16 دينارا لدى بنك الجزائر للشراء، و147.19 دينارا للبيع. أما الدولار فيبلغ 132.39 دينارا للشراء، و132.42 للبيع. وخلفت هذه الوضعية ردود فعل متباينة وسط الجزائريين وخصوصا على المنصات الاجتماعية. وانتشر فيديو لاقى رواجا كبيرا على شبكة فيسبوك، يظهر صرافي العملات الأجنبية بساحة بور سعيد وهم بصدد شراء النقد الأجنبي فقط في غياب تام لعمليات الشراء. ورافق الفيديو تعليق ساخر يتساءل لماذا اختفى "الدوفيز" أي النقد الأجنبي من البلاد؟
مفعول الإشاعة
في هذا السياق، أوضح الخبير الاقتصادي وبروفيسور الاقتصاد بجامعة ورقلة الحكومية جنوبي الجزائر، سليمان ناصر، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن سعر النقد الأجنبي التهب فعلا في السوق الموازية هذه الأيام، وفي بعض المناطق أصبحت العملات الأجنبية غير متوفرة، والسبب راجع إلى العرض والطلب. ويشرح ناصر أن هذه الوضعية مردها العرض والطلب، في ظل ندرة العملة الصعبة (في البنوك بالسعر الرسمي، وأيضا بالنظر لمنحة سياحية هزيلة (نحو 100 يورو في السنة)، خصوصا أننا في نهاية موسم الصيف والعطل والسياحة ما زالت مستمرة، وبداية الإعلانات بقوة لموسم العمرة هذه الأيام، فمن طبيعي أن يكون هناك طلب مستمر مقابل عرض محدود خاصة مع عودة المغتربين إلى خارج الوطن.
ويشدد على أن الأمر الذي زاد الطلب فوق كل هذه العوامل، هو إشاعة حذف صفر من فئة 10 دنانير، أي تحويلها إلى دينار واحد. وأشار الخبير الجزائري إلى أن هذه السياسة أي تصفير العملة، قد طبقتها العديد من الدول التي تعاني من التضخم وتدهور قيمة عملتها. ولفت إلى أن هذه الإشاعة جعلت بارونات السوق السوداء للنقد الأجنبي أو حتى كبار التجار والمتعاملين الاقتصاديين الذين يخزنون مبالغ كبيرة من العملة الوطنية يلجأون إلى إخراجها، وتحويلها إلى عملة صعبة (خاصة اليورو المطلوب بكثرة في بلادنا)، لسببين اثنين.
السبب الأول يشرح البروفيسور سليمان ناصر أن هؤلاء البارونات يظنون أن العملية المذكورة (تصفير العملة)، سوف تؤدي إلى تغيير العملة الوطنية وطباعتها من جديد، وهذا سيؤدي في اعتقادهم، إلى تدهور أكبر في قيمة الدينار، من منطلق أنهم يحوزون على مبالغ ضخمة منه لذلك يجب أن يتخلصوا منه بواسطة عمليات البيع. أما السبب الثاني فيتعلق باعتقادهم أنه في حالة تغيير العملة وإعطاء مهلة لذلك، سوف يتعرضون للمساءلة (من أين لك هذا؟)، عند دفع العملة القديمة لدى البنك لتحويلها إلى العملة الجديدة.
حلول ممكنة
ولحل هذه المشكلة، يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة ورقلة الحكومية جنوبي الجزائر، أنه لا بد من تحرير سوق الصرف، والإسراع في فتح مكاتب صرف معتمدة، خاصة بعد صدور مرسوم تنفيذي ينظمه نشاطها، مشيرا إلى أن وزير المالية لعزيز الفايد، سبق وأن صرح بأن الوزارة تدرس حاليا طلبات فتح هذه المكاتب، مع ضرورة تصحيح الأخطاء التي وقعت مع هذه المكاتب في التسعينيات من القرن الماضي، وهذا للقضاء نهائياً على ما يسمى بالسوق الموازي للعملة.
أما الحل الثاني، يؤكد محدثنا، فهو ضرورة تدخل عاجل من السلطات المعنية لتأكيد أو تفنيد الإشاعة المذكورة سابقاً (تصفير العملة)، حتى لا تحدث أضرارا أكثر في السوق.