منذ إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم 13 يونيو/حزيران الجاري، أن بلاده تدرس الانسحاب من اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، والعالم يعيش على أعصابه خوفا من وقوع أزمة غذاء حادة تشبه تلك التي حدثت عقب اندلاع حرب أوكرانيا في نهاية فبراير/شباط 2022، خاصة وأن روسيا هددت بالفعل بالانسحاب من الاتفاق يوم 18 يوليو/تموز المقبل، إذا لم تتم تلبية مطالبها المتعلقة بتحسين صادراتها من المواد الغذائية والأسمدة، وتخفيف بعض العقوبات الغربية وقطع مصارفها عن شبكة السويفت الدولية
صحيح أن تصريحات بوتين ليست الأولى من نوعها فقد سبق وأن هدد أكثر من مرة بالانسحاب من الاتفاق الذي يضمن تدفق القمح الأوكراني لأسواق الحبوب الدولية، إلا أنه يقدم هذه المرة مبررات يقول إنها تدعم موقف موسكو المتشدد، وأنه لا يجب تشديد الاتفاق بالشروط الحالية المستحيلة ولأجل غير مسمى.
تصريحات بوتين ليست الأولى من نوعها فقد سبق وأن هدد أكثر من مرة بالانسحاب من الاتفاق الذي يضمن تدفق القمح الأوكراني للأسواق الدولية
فحسب قوله فإن روسيا تعرضت "للخداع" بشأن تنفيذ أجزاء من الاتفاق تتعلق بصادراتها، وأن الغرب لا يحترم البنود الخاصة بتصدير الأسمدة الروسية، وأن الغرب لا يزال يضع عوائق كثيرة أمام الصادرات الروسية.
بل وتذهب موسكو لأبعد من ذلك حيث ترى أن التفجيرات الأخيرة لخط أنابيب توجلياتي أوديسا باتت جزءا لا يتجزأ من استمرار صفقة الحبوب. وكانت موسكو قد طالبت قبلها باستئناف تشغيل خطّ الأنابيب الذي ينقل الأمونيا، وهو مكوّن كيميائي أساسي للأسمدة المعدنية.
وخلال الأيام الأخيرة راحت موسكو تقدم للعالم مبررات إنسانية أخرى لموقفها المتشدد، فحسب الرواية الصادرة عن الكرملين فإن الاتفاق، الذي جاء بوساطة الأمم المتحدة وتركيا، كان يهدف إلى مساعدة الدول "الصديقة" في أفريقيا وأميركا اللاتينية، لكن أوروبا كانت أكبر مستورد للحبوب الأوكرانية التي صارت مصدرا رئيسيا للعملة الأجنبية في كييف توجهه لتمويل الحرب.
وبحسب الأرقام التي تروجها موسكو فإن 3% فقط من صادرات اتفاق الحبوب الأوكرانية، تُمنح للدول الأشد فقرا فقط، في حيت تذهب الكميات الباقية للدول الثرية وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي ودول آسيا، وهو ما يدفع موسكو إلى عدم تجديد هذا الاتفاق الذي كان من المأمول أن يلبي احتياجات الدول الفقيرة من الحبوب بالدرجة الأولى.
تهديد بوتين بالانسحاب من الاتفاق يعني توقف تدفق القمح الأوكراني للأسواق الدولية، وحدوث عجز في أسواق الحبوب، وارتباك في أسواق الدول المستوردة للغذاء
تهديد بوتين بالانسحاب من الاتفاق يعني توقف تدفق القمح الأوكراني للأسواق الدولية، وحدوث عجز في أسواق الحبوب، وارتباك في أسواق الدول المستوردة للغذاء، خاصة وأن الاتفاق أتاح تصدير عشرات ملايين الأطنان من القمح للأسواق.
كما أن الاتفاق، الذي أبرم في يوليو 2022، وجرى تمديده أكثر من مرة يسهل "النقل الآمن" للحبوب والمواد الغذائية والأسمدة، بما في ذلك الأمونيا، لتصديرها إلى الأسواق العالمية خاصة أفريقيا.
تهديدات بوتين هذه المرة ترافقها مؤشرات خطيرة، فصادرات المواد الغذائية تراجعت بشكل كبير من 4.2 ملايين طن متري في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 إلى 1.3 مليون في مايو/ أيار الماضي، وفق أرقام الأمم المتحدة.
وانخفض إنتاج الحبوب في أوكرانيا، وهي من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للقمح، إلى نحو 53 مليون طن من الوزن الصافي في عام 2022، مقابل 86 مليون طن في 2021.
وهناك إقبال شديد على شراء الحبوب من قبل ثاني أقوى قوة اقتصادية، وهي الصين، حيث تظهر البيانات الأخيرة أن بكين باتت بالفعل أكبر مستورد للذرة وفول الصويا في العالم، وتستعد حاليًا لتجاوز مصر وتركيا كأكبر مشتر للقمح في العالم خلال العام الذي ينتهي في يونيو الجاري.
أطراف عدة تحاول التدخل لاحتواء تلك الأزمة العالمية التي يمكن أن تتسبب في حدوث قفزات في أسعار الحبوب عالميا، وموجة جوع واسعة خاصة في الدول الأفريقية والنامية، وتحديدا في سورية ولبنان واليمن والسودان وسريلانكا وباكستان.
أطراف عدة تحاول التدخل لاحتواء الأزمة العالمية التي يمكن أن تتسبب في حدوث قفزات في أسعار الحبوب عالميا، وموجة جوع واسعة
فهل تنجح تركيا والأمم المتحدة مجددا في نزع فتيل الأزمة كما جرى في مرات سابقة، أم أن موسكو تظل على رأيها وتظل تحاصر الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود، وتحول دون تصدير القمح، وتفجر بذلك أزمة غذاء عالمية لا أحد مستعد لها في ظل تعقد الأزمات المالية والاقتصادية وزيادة المخاطر الجيوسياسية؟
علما بأن روسيا عادت وجددت أمس الأربعاء رفضها تمديد اتفاق الحبوب، وقال المتحدث باسم الكرملين إنه لا توجد أسباب لتمديد الاتفاق مع عدم تنفيذ المطالب الروسية، وأن الأمم المتحدة ملزمة بإعلان فشلها في التأثير على الغرب لتطبيق اتفاقية الحبوب.