أزمة غاز مصر: خشية من شظايا حرب إسرائيل وحزب الله

09 يوليو 2024
منصة حقل ليفياثان للغاز في البحر المتوسط (جاك جويز/فرانس برس)
+ الخط -

 

تعكف محافل التقدير الاستراتيجي في تل أبيب منذ بدء الحرب على غزة، على استشراف الأضرار الاقتصادية التي يمكن أن تلحق بالاحتلال من جراء اندلاع حرب شاملة مع حزب الله.

وعلى الرغم من أن وزارات حكومة بنيامين نتنياهو ذات العلاقة ومراكز الأبحاث في دولة الاحتلال قد سلطت الأضواء على تبعات استهداف حزب الله المتوقع للمرافق الاقتصادية ذات الأهمية الاستراتيجية تحديداً التي تزخر بها مدينة حيفا، سواء في منطقة الميناء أو محيطه، فإن أحد أخطر التقديرات وأكثرها تشاؤماً يتمثل في المخاوف من نجاح حزب الله في تدمير منصات استخراج الغاز من الحقول التي تعمل شرقي البحر الأبيض المتوسط.
 

مصر تتقاسم الأضرار

وفي هذا السياق، تلفت صحيفة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية الأنظار إلى أن مصر ستقاسم إسرائيل في تحمّل الأضرار الناجمة عن استهداف حقول ومنصات الغاز التابعة للاحتلال، بسبب اعتمادها المتزايد على استيراد الغاز الذي تستخرجه إسرائيل.
وفي تحليل أعده الخبير الاقتصادي دين ألماس، أشارت الصحيفة إلى أن المؤسسة العسكرية للاحتلال ستأمر بإغلاق منصات استخراج الغاز في الحقول الرئيسية: تمار، ليفياثان، وكاريش، بمجرد اندلاع الحرب مع حزب الله، تحسباً لمهاجمتها من قبل الحزب، مما يعني توقف عملية الإنتاج بشكل مطلق.

ولفتت الصحيفة إلى أنه، وفق التقديرات الرسمية في تل أبيب، فإن حزب الله سيوظّف ترسانته من الصواريخ والمسيرات وضمنها المسيرات الانقضاضية في استهداف منصات الغاز، فضلاً عن قائمة طويلة من المرافق الاستراتيجية الأخرى داخل دولة الاحتلال.
ولاحظت الصحيفة أن مصر باتت تعتمد بشكل كبير على الغاز الذي تشتريه من الاحتلال في تشغيل محطات توليد الكهرباء، ما يعني أن توقف أو تقلص إمدادات الغاز من إسرائيل سيفضي إلى مزيد من التدهور على أزمة الكهرباء التي باتت تعاني منها مصر كثيراً في الآونة الأخيرة.


قطع الكهرباء

ضربت الصحيفة مثالاً على تأثير تقليص أو توقّف استيراد الغاز من إسرائيل على الواقع الاقتصادي والاجتماعي في مصر، إذ أشارت إلى أن الحكومة المصرية ضاعفت من عدد ساعات قطع الكهرباء عن المصريين بعد اندلاع الحرب على غزة، لأن حكومة بنيامين نتنياهو أوقفت العمل لمدة شهر في حقل تمار، مما أدى إلى توقف إمدادات الغاز إلى مصر.
وحسب الصحيفة، فإن مصر استوردت خلال العام الماضي 8.6 مليارات متر مكعب من الغاز "الإسرائيلي"، ما يمثل 15% من احتياجات مصر من الغاز، في حين أن الاحتلال استهلك في نفس العام 13.1 مليار متر مكعب، في الوقت الذي استورد الأردن 2.9 مليار متر مكعب. ولفتت إلى أن حجم الغاز الذي يصدّره الاحتلال إلى مصر تضاعف أربع مرات، منذ أن شرع في تصديره عام 2020. ففي 2020، بلغ حجم الغاز الذي صدّره الاحتلال إلى مصر 2.1 مليار متر مكعب، وفي 2021 بلغ 4.1 مليارات متر مكعب، وفي 2022 بلغ 6 مليارات متر مكعب، وفي 2023 بلغ 8.6 مليارات متر مكعب.
وأعادت الصحيفة إلى الأذهان حقيقة أن مصر تعاني من نقص خطير في الكهرباء، بسبب تراجع قدرة الدولة على استخراج الغاز من الحقول المصرية، والذي سجل أقل مستوى عام 2023، بسبب ما اعتبرته الصحيفة "سوء إدارة" الدولة لحقول الغاز التي تملكها.
ويضرب مدير عام شركة "آكو انيرجي للاستشارات الاقتصادية الاستراتيجية"، يعكوف عميت مور، مثالاً على تداعيات ما أسماه "الإدارة السيئة" لحقول الغاز في مصر، بحقيقة أن احتياطات الغاز في حقل "ظهر" الذي يوجد في المياه الاقتصادية المصرية هبطت من 1000 مليار متر مكعب من الغاز إلى 350 مليار متر مكعب.
وتنقل "غلوبس" عن مور الذي يعمل أيضا محاضرا كبيرا في جامعة "رايخمان" قوله إن الخبراء الأجانب الذين استعانت بهم الحكومة المصرية اكتشفوا أن الغاز في حقل "ظهر" يحتوي على كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكبريت، ما أفضى إلى تقليص كفاءة البنى التحتية التي تستخدم في عمليات استخراجه، فضلا عن ذلك أسهم في تمكين مياه البحر من التسلل إلى الطبقة الصخرية التي يستخرج منها الغاز.

وحسب مور، فإن عمليات استخراج الغاز الذي أجريت في حقل ظهر مؤخراً أسفرت عن استخراج الماء فقط. وتوقّع مور أن يفضي توقف إمدادات الغاز من الاحتلال إلى مصر في حال توسع حربه مع حزب الله إلى المسّ بقدرة الكثير من المصانع المصرية على العمل، لا سيما في مجال البتروكيماويات والنسيج التي تخضع لسيطرة الجيش المصري.
وأضاف: "حرب بين إسرائيل وحزب الله ستجعل المصريين مضطرين إلى تحمّل موجات الحر الثقيلة والجلوس في الظلام".

أكبر ضربة اقتصادية

يتفق أورن هيلمان، الذي شغل في الماضي منصب نائب مدير عام "التسويق والتنظيم" في شركة الكهرباء القطرية (المحلية) في إسرائيل مع ما ذهب إليه مور، قائلا إن حربا بين إسرائيل وحزب الله ستمسّ كثيرا بمداخيل الدولة المصرية، مما سيؤثر على الواقع الاقتصادي بشكل عام في مصر.
لكن مما لا شك فيه أن أكبر ضربة اقتصادية ستتعرض لها مصر جراء توقف استخراج الغاز من الحقول التي يسيطر عليها الاحتلال، تتمثل في تراجع عمل مرافق إسالة الغاز في مصر.
وقد اقتبست "غلوبس" ما ورد في ورقة صادرة عن "معهد تحرير لدراسات الشرق الأوسط" الأميركي أن 10% من الغاز الذي تستورده مصر من إسرائيل يتجه للاحتياجات المحلية، في حين أن 90% من هذا الغاز تجرى إسالته في مرافق الإسالة ويتم تصديره بعد ذلك إلى أوروبا، وهذا يعني أن مصر ستفقد مصدر دخل مهم.
وللتدليل على حجم التأثير السلبي على الواقع الاقتصادي في مصر نتاج اندلاع حرب بين حزب الله والاحتلال، أفادت ورقة المعهد بأنه في عام 2022 بلغت مداخيل مصر من بيع الغاز المسال 8.4 مليارات دولار.
وتزداد معاناة مصر من انقطاع الكهرباء بسبب النقص الحاد في الإمدادات، ما أغرق عددا من المناطق في القاهرة ومختلف المحافظات في ظلام دامس لعدة ساعات يوميا.
ودفع ذلك الحكومة المصرية إلى تخصيص 1.182 مليار دولار لشراء 17 شحنة غاز مسال و300 ألف طن مازوت لتشغيل المصانع ومحطات الكهرباء خلال فصل الصيف، تمهيدا لوقف نظام القطع المستمر لمدة ساعتين يومياً بحلول سبتمبر المقبل.

اقتبست "غلوبس" ما ورد في ورقة صادرة عن "معهد تحرير لدراسات الشرق الأوسط" الأميركي أن 10% من الغاز الذي تستورده مصر من إسرائيل يتجه للاحتياجات المحلية


وفي المقابل، وحسب تحليل لمدير "برنامج برنشتاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن، سايمون هندرسون، فإنه "على الرغم من الترسانة الصاروخية القوية لحزب الله وتهديداته العلنية ضد أهداف الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط، تتجه إسرائيل إلى التوسع في إنتاج الغاز، ما قد يعزز الإمدادات إلى مصر.
وفي 26 يونيو، أعطى وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين الضوء الأخضر الأولي لمشروع توسعة مقترح لحقل الغاز الطبيعي البحري ليفياثان، يمتد على عدة سنوات تبلغ قيمته 500 مليون دولار. ومع ذلك، يواجه هذا الاقتراح تحديات فورية تتمثل في ترسانة حزب الله المدججة بالسلاح الواقعة إلى الشمال مباشرة في لبنان، حسب هندرسون.
ومن السيناريوهات المحتملة في حال توسع الحرب، حسب تقرير لإيكونومسيت البريطانية، من المرجح أن يقوم حزب الله باستهداف محطات الطاقة الكهربائية الإسرائيلية، الأمر الذي سيستدعي ردا مماثلا وربما أكبر من جانب إسرائيل، وهو ما يعني غرق الكثيرين بالظلام في كلا البلدين.

المساهمون