تشكل اضطرابات سلاسل التوريد أزمة تزيد اتساعاً لتضرب الإنتاج في ألمانيا. وبات هذا الخلل بمثابة معضلة في أكبر اقتصاد في أوروبا الذي بدأ يصفه عدد من الخبراء بـ"سوق الندرة"، بسبب فقدان الكثير من السلع. ويعاني العديد من القطاعات، منها صناعات المعادن والإلكترونيات والسيارات، من تأجيل عمليات التسليم نتيجة هذه الاختناقات التي أطلقتها جائحة كورونا، وعمّقها الصراع الأوكراني الروسي الجديد في شرق أوروبا.
وشرح أندرياس غونترمان، من جمعية الصناعات الكهربائية والرقمية لصحيفة دي تسايت الألمانية، أن حوالى 90 في المائة من الشركات في هذا القطاع تعاني من اختناقات التوريد، ما يجعلها غير قادرة على تلبية الطلبات. ويعد نقص الرقائق إحدى كبرى المشكلات التي يتعين على الصناعة التعامل معها.
وأمام هذا الواقع، أشارت الصحيفة إلى أن العملاء التجاريين يواجهون فترات انتظار أطول وأسعاراً أعلى، وهذا ما يؤدي إلى ضعف التزام المواعيد النهائية، حتى إنه يجري إلغاء بعض الطلبات أو عدم قبول المزيد منها. وقدمت الحكومة الألمانية الجمعة حزمة مساعدات بقيمة مليارات اليوروهات إلى الشركات المتضررة من تداعيات الحرب في أوكرانيا، خصوصاً بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة ونقص المواد الأولية.
وقال وزير المال كريستيان ليندنر، في مؤتمر صحافي: "لهذه الحرب تداعيات على ألمانيا، والحكومة تعتبر أن من مسؤوليتها الحد من الأضرار الاقتصادية". وتشمل هذه "الدرع الوقائية" حزمة بقيمة 100 مليار يورو على شكل قروض مضمونة من الدولة وسبعة مليارات يورو على شكل قروض عامة بفوائد مخفضة، كما أوضحت وزارة الاقتصاد.
وأضاف ليندنر أن برلين تعتزم أيضاً تقديم مساعدات مباشرة تصل قيمتها إلى "خمسة مليارات يورو" تهدف إلى تقليل فاتورة الطاقة على الشركات. وأخيراً، تفتح هذه الخطة الطريق أمام "دعم رأس المال" من جانب الحكومة للشركات الأكثر تضرراً. وعلق ليندنر قائلاً: "هذا برنامج لامتصاص الصدمة الاقتصادية".
ولفتت صحيفة بايريشر روندفونك، في تقرير لها الأسبوع الماضي، إلى المزاج السائد في مجال صناعة المعادن والإلكترونيات، من خلال مسح الأعمال الشتوي لاتحاد الصناعة، وبينت أن الوضع الاقتصادي للشركات غير مريح، والتوقعات للأشهر القادمة متشائمة بسبب النقص الكبير والمتصاعد في المواد الأولية للإنتاج.
بدوره، قال نائب رئيس الحرفيين اليدويين في ولاية هيسن فولفغانغ، كرامفينكل في فيسبادن، لصحيفة دي تسايت، إن الاختناقات كانت ولا تزال عائقاً أمام تدفق السلع، وخاصة الخشب والمواد العازلة والصلب والألمنيوم والدهانات، بينما أكد معهد إيفو للإحصاءات في ميونخ أن 25,3 في المائة من الشركات العاملة في مجال تشييد المباني اشتكت من اختناقات الإمداد والتوريد.
وفي خضمّ ذلك، أشار موقع في دي اي الألماني الذي يُعنى بتقديم تقارير أسبوعية عن التطورات في مجال الهندسة والتكنولوجيا، إلى أن مصانع السيارات الألمانية تكافح لتلبية الطلبات المتزايدة، وهي زادت خطط إنتاجها بشكل طفيف خلال يناير/ كانون الثاني، رغم أن اختناقات العرض تجعل التنفيذ أكثر صعوبة، فضلاً عن النقص في العمال المهرة.
وما زال نقص الرقائق يسبب الصداع في مصنع فولكسفاغن، إحدى أكبر شركات تصنيع السيارات في ألمانيا، ويكافح مجلس الإدارة لإعادة تنظيم طريقة العمل، حتى إن دوامات العمل الليلي قد تكون شيئاً من الماضي بفعل تباطؤ الإنتاج.
وذكرت الشركة أنّ الوضع صعب للمجموعة بسبب النقص الهائل في أشباه الموصلات، حيث أُنتِج ما يقل قليلاً عن 400 ألف سيارة في 2021، ومن المتوقع أن يرتفع العدد في العام الحالي إلى 570 ألف سيارة، لكن المعوقات الكثيرة في سلاسل التوريد قد تؤخر تسليم قوائم الطلبات.
وربطاً بما تقدم، تفيد التقارير الاقتصادية بأنّ النقص الحاد في المواد الخام والمنتجات الأولية وما يسببه من مشاكل للشركات، سيؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد في العديد من الولايات الصناعية، وأهمها بافاريا، حيث مصانع العديد من الشركات الألمانية.
ولفت مسح اقتصادي لجمعية أرباب العمل البافارية، إلى أنّ التوقعات بشأن وضع الأعمال في الأشهر المقبلة ستكون ضعيفة في كل من ألمانيا وخارجها، وأن الشركات حققت مبيعات أقل بنسبة 8 في المائة مقارنة بالسنة السابقة.
ووفقاً لشبكة ايه ار دي الإخبارية الألمانية، فإنّ الخبراء لا يستبعدون إمكانية تحول الانتكاس إلى الركود وسط مطالبات بإعادة إنتاج الموصلات في ألمانيا، بعدما هيمنت دول الشرق الأقصى على السوق العالمية، فيما توقع البنك المركزي الألماني منذ أيام أن يصل معدل التضخم السنوي في البلاد إلى 6 في المائة، خلال 2022.
ويفسر الخبير الاقتصادي الألماني فنسنت شتامر، في تصريح له، الأسبوع الماضي، أنّ الاختناقات المستمرة تعبير عن زيادة سريعة للغاية على الطلب، التي لا يستطيع العرض مواكبتها. ووفقاً لشتامر، شكلت موجة "أوميكرون" تهديداً أساسياً للصين في تجارة السلع، بعد أن فرضت عمليات الإغلاق في العديد من المدن في جميع أنحاء البلاد، وبالتالي توقف الإنتاج في المصانع. وجاءت الحرب الروسية في أوكرانيا لتزيد المشهد تعقيداً.