أضيفت ندرة المحروقات وارتفاع أسعارها إلى جملة تحديات وعراقيل أمام الزراعة في الشمال الشرقي من سورية، الخاضع لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهي المنطقة الزراعية الأهم في عموم البلاد، فهو يضم ما يُعرف بـ "الزراعات الاستراتيجية"، وفي المقدمة القمح والقطن.
وشهد أواخر العام الفائت القصف الأعنف والأشد من قبل الطيران التركي على المرافق الحيوية ومنشآت الطاقة والمحروقات في الشمال الشرقي من سورية، أو ما بات يعرف بـ "شرقي الفرات"، وهو ما أدى إلى خروجها عن الخدمة.
وعمّق هذا القصف من مشاكل وأزمات المنطقة التي يعتمد سكانها على الزراعة في معيشتهم، وخاصة لجهة المحاصيل الاستراتيجية من قمح وقطن وعدس وفول صويا وذرة، حيث أدى إلى ندرة المحروقات وارتفاع أسعارها في السوق السوداء.
وبيّن المهندس الزراعي، سعدون العلي، في حديث مع "العربي الجديد" أن "آلاف المشاريع الزراعية في محافظة الحسكة تعتمد على المياه الجوفية"، مضيفاً: الكثير منها توقف لعوامل عدة، أبرزها الارتفاع المتتالي لسعر مادة المازوت التي تعتمد عليها محركات استخراج المياه من الآبار.
وأشار إلى أن المزارعين "لطالما اشتكوا من انخفاض جودة مادة المازوت الموجودة في الأسواق، وهو ما أدى إلى تكرار الأعطال في المحركات"، مضيفاً: كثير من المزارعين بدأوا بالاعتماد على الزراعات البعلية التي تعتمد على الأمطار في منطقة تعاني أصلاً من الجفاف.
إلى ذلك، أوضح المزارع ياسر السبعاوي من منطقة تل حميس بريف الحسكة في حديث مع "العربي الجديد" أنه كان خلال السنوات الفائتة يستثمر نحو 200 دونم سنوياً بالقمح والقطن والشعير، ولكن ارتفاع أسعار المحروقات هذا الموسم دفعه إلى التوقف عن الزراعة المروية، وهو ما جعله عاطلاً من العمل. وتابع: استثمرت هذا الموسم جانباً من أرضي في زراعة القمح البعلي، وتوقفت تماماً عن زراعة القطن.
وظلت محافظة الحسكة التي تأتي في المرتبة الثالثة بين المحافظات السورية لجهة المساحة، حيث تبلغ أكثر من 23 ألف كيلومتر مربع، إلى وقت قريب سلة الغذاء الأهم في سورية، فأغلب المحاصيل الزراعية الاستراتيجية، مثل القطن والقمح والشعير والعدس وسواها، تزرع في أراضيها. ولكن الزراعة تراجعت في هذه المحافظة خلال السنوات الفائتة بسبب غلاء المحروقات والأسمدة وهجرة اليد العاملة، فضلاً عن الظروف الأمنية غير المستقرة.
ظلت محافظة الحسكة التي تأتي في المرتبة الثالثة بين المحافظات السورية لجهة المساحة، سلة الغذاء الأهم في سورية
من جانبه، يقول المزارع من منطقة عامودا في ريف القامشلي آميران علي لـ"العربي الجديد" إن لديه نحو 100 دونم، مشيراً إلى أن ارتفاع سعر المازوت ونوعيته الرديئة "جعلني اتجه نحو الزراعة البعلية فقط". وأضاف: "في السابق كنا نزرع قمحاً وقطناً وخضراوات صيفية، لكن انعدام المحروقات وارتفاع أسعارها جعل تكاليف الزراعة أكبر من أرباحها".
وكانت الإدارة الذاتية وهي الذراع الإدارية لقوات "قسد" قد رفعت أواخر العام الفائت أسعار المحروقات مرات عدة، رغم أن المنطقة التي تسيطر عليها في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة تضم أكبر حقول وآبار النفط والغاز في سورية. ورفعت سعر لتر المازوت المخصص للمنشآت الصناعية والسيارات والآليات الثقيلة وشركات النقل من 525 ليرة سورية للتر إلى 15 سنتاً أميركياً (2300 ليرة)، فضلاً عن ربح المحطة خمسين ليرة. وحددت "الإدارة الذاتية" سعر لتر المازوت الحر بـ 30 سنتاً أميركياً، مضافاً إليها 100 ليرة ربح المحطة، بعد أن كان سعره 1750 ليرة (الدولار= نحو 15 ألف ليرة).