استمع إلى الملخص
- **تأثير انقطاع الكهرباء على الصناعات الكبرى:** انقطاع الكهرباء أدى إلى انخفاض الإنتاج وتوقف الاستثمارات في الصناعات الكبرى، مما يسبب خسائر اقتصادية تقدر بثمانية مليارات دولار سنوياً.
- **الحلول المقترحة والتحديات المستقبلية:** تحتاج إيران إلى استثمار كبير لتحديث محطات الكهرباء وزيادة الإنتاج، لكن العقوبات الأمريكية وشح الموارد المالية تعيق هذه الجهود. المرشد الأعلى دعا لزيادة إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية.
تواجه إيران أزمة كهرباء بسبب وجود عجز كبير، على خلفية ارتفاع مطرد في الاستهلاك مع قدوم فصل الصيف، خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة في أنحاء البلاد إلى مستويات عالية، مما دفع الحكومة إلى اتخاذ قرارات اضطرارية صعبة بديلة عن قطع التيار عن البيوت، تكون لها تبعات اقتصادية كبيرة.
بعد خفض مستمر لساعات الدوام اليومية في المؤسسات الحكومية، وتعطيل أيام الخميس في كثير من المحافظات خلال الأسابيع الأخيرة، دفع ارتفاع درجات الحرارة إلى مستوى غير مسبوق تقريباً في ظل اتساع عجز الكهرباء، السلطات الإيرانية، إلى الإعلان عن تعطيل البلاد أمس الأحد، فضلاً عن تقليل ساعات الدوام أيام السبت إلى أربع ساعات من السادسة إلى العاشرة صباحاً.
أزمة الكهرباء في إيران ليست جديدة، فهي تمر بها منذ عدة سنوات، لكنها بدأت تتفاقم خلال السنوات الأخيرة مع ارتفاع درجات الحرارة والتغيرات المناخية. وفي مواجهة الأزمة في فصل الصيف تقوم الحكومة عادة بتعطيل جزء من صناعاتها الكبرى، بموازاة الإعلان المستمر عن مساع حثيثة لرفع العجز من خلال زيادة الإنتاج، لكن الزيادة لم تبلغ بعد مستوى يوقف وتيرة عجز الكهرباء المتزايد سنوياً.
يقول الخبير الاقتصادي علي سعدوندي لـ"العربي الجديد" إن قطع الكهرباء بدأ يشمل تقريباً جميع الصناعات الإيرانية الكبرى، وكذلك المدن الصناعية في البلاد، مضيفاً أن "ما يدعو إلى القلق هو وجود أنباء عن قطع الكهرباء عن مصنع الألومنيوم الكبير"، مشيراً إلى أن هذه الخطوة "نادراً ما تحدث، لأن قطع الكهرباء عن صناعة الألومنيوم يتسبب في خسائر اقتصادية كبيرة".
يضيف أن من التبعات البارزة لقطع الكهرباء عن الصناعات الكبرى، هو انخفاض الإنتاج وتوقف الاستثمارات "التي ستواجه مستقبلاً مخاطر أكثر"، مشيراً إلى أن استمرار هذا الوضع يحدث "خللاً ومشكلة في نشاط الصناعات"، لافتاً إلى أن قطع الكهرباء لا يشمل بعد قطاع الخدمات في إيران، الذي يشكل نصف اقتصاد الدولة وناتجها القومي الإجمالي، حيث تجنبت الحكومة قطع الكهرباء عن المدن، "لكن يتوقع أن يزداد عجز الكهرباء خلال السنوات المقبلة إن استمر الوضع على ما هو عليه اليوم".
يوضح سعدوندي، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن انقطاع الكهرباء عن الصناعات "إذا كان مؤقتاً يمكن أن تكون تبعاته محدودة، إذا زادت الصناعات مسبقاً من مخزونات سلعها أو انتقلت إلى العمل في الفترة المسائية أو أجلت موعد الصيانة السنوي إلى أوقات انقطاع الكهرباء".
لا توجد أرقام رسمية عن حجم الخسائر في القطاع الاقتصادي الإيراني من جراء قطع الكهرباء عن الصناعات الكبرى، لكن ثمة تقارير وتصريحات نيابية تقدر ذلك بنحو ثمانية مليارات دولار سنوياً. وتنتج إيران يومياً نحو 60 ألف ميغاواط من الكهرباء، لكن عجزها يقدر بما يتراوح بين 14 و18 ألف ميغاواط. ووفق بيانات وزارة الطاقة، فإن القطاع العام والشوارع والطرقات تستهلك 10% من الكهرباء المنتجة، والبيوت 32%، والصناعات 36%، وقطاع الزراعة 14.5%، وقطاع التجارة 7.5%.
ولقد أعلن البنك الدولي أخيراً تراجع توقعاته بزيادة النمو الاقتصادي الإيراني في العام الجاري بالمقارنة مع العام السابق، مقدراً بلوغه 3.2%، وعازياً أحد أسباب ذلك إلى عجز الطاقة في إيران إلى جانب العقوبات والطلب العالمي على النفط.
وحسب بيانات وزارة الطاقة الإيرانية، فإن نحو 13% من الكهرباء المنتجة تُهدَر خلال عملية النقل والتوزيع بسبب تهالك الشبكة.
يقول نائب التخطيط وتنمية شبكة الكهرباء الحرارية الإيرانية، أمير دودابي نجاد، إن زيادة درجة واحدة للحرارة تحمّل شبكة الكهرباء نحو 1800 ميغاواط طلباً لاستهلاك الكهرباء، مشيراً إلى أن زيادة الاستهلاك في الصيف أكثر من 80%، مضيفاً أن زيادة الحرارة بدرجة مئوية واحدة تتسبب أيضاً في انخفاض طاقة الإنتاج لتوربين غازي بنحو 7 إلى 10%.
توقع رئيس مجلس إدارة نقابة الكهرباء الإيرانية، حسنعلي تقي زادة، لصحيفة هم ميهن الإصلاحية، السبت الماضي، تدهور الوضع مستقبلاً بسبب عدم تطوير محطات الكهرباء في إيران، لافتاً إلى أن صندوق التنمية الوطنية يرفض تمويلاً بالعملة الصعبة لنشطاء صناعة الكهرباء وبناء محطات جديدة للكهرباء، عازياً الوضع المتردي الراهن إلى سياسات خاطئة على مدى العقد الأخير.
ويوضح أن إيران اليوم تواجه عجزاً بنسبة 18 ألف ميغاواط، واصفاً ذلك بأنه "خطير للغاية وله تبعات مباشرة وغير مباشرة"، مؤكداً أنه "إذا لم تحل المشكلة خلال 5 إلى 7 سنوات قادمة، فسيواجه البلد أزمات اجتماعية واقتصادية وحتى عمالية". ويتوقع أن يتعدى قطع الكهرباء من الصناعات إلى البيوت أيضاً في حال استمر هذا الوضع، مبيناً أن الاستهلاك يزداد سنوياً 5%، ما يعني ضرورة رفع الطاقة الإنتاجية أيضاً بهذا المقدار، "أي إذا أنتجنا سنوياً 4500 ميغاواط نكون قد تمكنا فقط من إبقاء العجز على 18 ألف ميغاواط فقط".
ولإنهاء هذا العجز تحتاج إيران سنوياً إلى إنتاج 2500 ميغاواط أخرى، إضافة إلى 4500 ميغاواط، وفق تقي زادة الذي أكد أن بلاده بحاجة إلى استثمار أربعة مليارات دولار سنوياً لإضافة سبعة آلاف ميغاواط كهرباء جديدة إلى الشبكة، وخلال خمس سنوات إلى 20 مليار دولار.
يشار إلى أن إيران تواجه مشكلة في تحديث صناعاتها الكبرى وزيادة الطاقة الإنتاجية للكهرباء، في ظل شح مواردها المالية بالنقد الأجنبي، وباتت البلاد تواجه عقبات كبيرة في تمويل المشاريع وتحديث هذه الصناعات التي تعاني التهالك واستقدام التقنيات المتقدمة بسبب العقوبات الأميركية. وخلال السنوات الأخيرة، طالب المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، عدة مرات، السلطات النووية في الدولة بضرورة رفع إنتاج إيران من الكهرباء النووية إلى 20 ألف ميغاواط.
وقال خامنئي في يونيو/حزيران 2023 إن إيران تنتج حالياً كهرباء من الطاقة النووية بمقدار ألف ميغاواط، مؤكداً أنه "من نحو 90 ألف ميغاواط الحاجة الكهربائية يجب أن تنتج 20 ألفاً منها من الطاقة النووية". وأضاف المرشد الإيراني أن هذا المشروع "له فوائد مالية وبيئية"، داعياً إلى إنشاء محطات طاقة نووية لإنتاج الكهرباء. وقال إن العالم أصبح يقبل على بناء محطات متعددة بقدرات وطاقات منخفضة.