يواجه القطاع الصناعي اليمني تحديات وجودية تتزايد صعوبة مع استمرار الصراع وما رافقه من تضييق الخناق على منافذ البلاد البرية والبحرية والجوية وتعطيل الموانئ وقطع خطوط التواصل التجاري مع العالم الخارجي.
وعلى الرغم من محدودية القطاع الصناعي في البلاد وقدراته البسيطة ومساهمته المتواضعة في الاقتصاد الوطني واعتماد اليمن بشكل شبه كلي على الاستيراد، إلا أن تعطيل هذا القطاع ساهم إلى جانب عوامل أخرى في الأزمة الغذائية التي تعاني منها اليمن وحالة الاضطراب التي تمر بها الأسواق التجارية والارتفاعات القياسية في أسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية.
وحسب تجار وصناعيين يمنيين فإن الحرب وما رافقها من تبعات كارثية، أصابت أعمالهم ومصانعهم بالشلل وكبدتهم خسائر فادحة. ويؤكد خالد العاقل عضو اتحاد الغرف التجارية والصناعية اليمنية أن عدم قدرة القطاع الخاص الصناعي في اليمن على استيراد احتياجاته من المواد الخام الضرورية الداخلة في إنتاج بعض السلع والمواد الغذائية سيكون له عواقب وتداعيات وخيمة على مختلف الجوانب الاقتصادية والغذائية.
ويرى في حديثه مع "العربي الجديد"، أن القطاع الصناعي اليمني كان بإمكانه توفير جزء من احتياجات الأسواق من الغذاء والدواء في ظل الحرب والحصار وإغلاق المنافذ في حال استطاع توفير احتياجاته التي تبقيه يعمل بالحد الأدنى من القدرات التشغيلية المناسبة، إضافة إلى توفير مبالغ مالية من العملة الصعبة تذهب إلى الخارج لاستيراد معظم احتياجات البلاد الغذائية والاستهلاكية وبالتالي تخفيض فاتورة الاستيراد والمساهمة في الاستقرار النقدي والاقتصادي.
وتشكل الواردات الغذائية والمشتقات النفطية حوالى 60 في المائة من إجمالي قيمة الواردات السلعية اليمنية من الخارج سنوياً والنسبة الباقية قدرها 40 في المائة تذهب لاستيراد السلع والمنتجات الأخرى وبقيمة إجمالية قدرها 5.9 مليارات دولار.
وبإضافتها إلى تكاليف فاتورة الغذاء والمشتقات النفطية تصل فاتورة الواردات السلعية اليمنية السنوية إلى مايقارب 14.697 مليار دولار، في ظل عدم قدرة اليمن الوفاء بها كاملة في الظروف العادية بسبب توقف الصادرات النفطية والغازية والانخفاض الكبير في الصادرات غير النفطية.
وكان تكتل القطاع الخاص اليمني قام أخيراً بتحركات عديدة وسط التواصل مع عدد من المنظمات الدولية والمانحين بهدف التوصل إلى حلول للكثير من المشاكل التي يعاني منها القطاع الخاص التجاري والصناعي، في ظل فتور في العلاقة بين هذا القطاع والجهات والمؤسسات الحكومية في اليمن.
تشكل الواردات الغذائية والمشتقات النفطية حوالى 60 في المائة من إجمالي قيمة الواردات السلعية اليمنية من الخارج سنوياً
ويهدد الانخفاض الكبير في الواردات من السلع الغذائية الأساسية وغير الأساسية بالإضافة إلى توقف إنتاج أعداد كبيرة من المصانع الغذائية المحلية، حياة المواطنين. وتشير بيانات تجارية حديثة اطلعت عليها "العربي الجديد"، إلى ارتفاع فاتورة استيراد اليمن من الغذاء والدواء إلى نحو 5 مليارات دولار، إذ إن استمرار هذا الوضع المتردي يهدد بحدوث كارثة إنسانية غذائية سوف تصل إلى حد المجاعة في حال استمرار الحرب ومحدودية التدخلات الهادفة للحد من الأزمة الغذائية.
يأتي ذلك خاصة بعد أن توقفت موارد البلاد المالية بالعملات الأجنبية بسبب الشلل شبه التام الذي يطاول صادرات النفط والغاز ما يجعله غير قادر على تمويل وارداته من السلع الغذائية، ناهيك عن دفع قيمة الواردات من المشتقات النفطية التي تصل إلى 4.3 مليارات دولار، خاصة بعد أن توقفت مصافي عدن عن الإنتاج والذي يشكل إنتاجها حوالي 90 في المائة من المشتقات النفطية لأغراض الاستهلاك الداخلي.
ويجزم وليد محمد، عضو جمعية الصناعيين اليمنيين، إن أكثر المتضررين من الحرب والصراع الدائر هو القطاع الخاص بشكل عام والصناعة اليمنية على وجه الخصوص، إلى جانب تضرر بيئة الاستثمار وعزوف المستثمرين، وسط الأزمات التي تلحق بالكثير من المصانع ونزوح رؤوس الأموال بشكل كبير من الداخل إلى الخارج.
ويضيف لـ "العربي الجديد" أن المصانع اليمنية توفر العديد من المنتجات من المواد الغذائية والاستهلاكية وبعض أصناف الأدوية والمستندة لأفضل المواصفات والمعايير المتبعة والتي تناسب محدودي الدخل الذين تراجعت قدراتهم الشرائية بشكل كبير بسبب انعدام مصادر الدخل وتوقف الرواتب.
إضافة إلى ما يقوم به القطاع الخاص الصناعي من جهود تنموية وفق مسؤولين في هذا القطاع، اّخرها إقدام مجموعة هائل سعيد أنعم، وهي أكبر مجموعة صناعية وتجارية يمنية، على ضخ نحو ألف طن متري من مادة الديزل لكهرباء عدن المهددة بالتوقف، وذلك إلى حين وصول سفينة وقود حكومية نهاية الشهر الحالي تحمل على متنها حوالي 70 ألف طن متري مشتقات نفطية من المازوت والديزل.
وألقت الحرب بتبعات كارثية على القطاع الصناعي في اليمن، إذ لم يتوقف الأمر عند الأضرار التشغيلية والفنية والاَثار الناجمة عن الحصار وتعطيل القطاع التجاري بشكل عام، حيث تعرض نحو 12 مصنعاً ينتج مواد غذائية واستهلاكية بنسبة تزيد على 45 في المائة من حجم القطاع الصناعي في اليمن، للقصف المباشر من قبل طيران التحالف تزيد أضرارها عن 50 مليون دولار، كما شملت الأضرار انشطة عاملة في مجال الاستيراد والتصدير قدرت خسائرها بنحو 150 مليون دولار.
وتقدر منظمات القطاع الخاص التجارية والصناعية والإنتاجية، الأضرار الاقتصادية للمنشاَت المتوسطة بنحو 99 ألف دولار لكل مشروع كمتوسط و 37 ألف دولار للمنشآت الصغيرة.
ويقول الباحث الاقتصادي عصام مقبل إن استهداف المصانع اليمنية إلى جانب مختلف القطاعات الخدمية والإنتاجية جزء من سيناريو شامل هدفه تجويع الشعب اليمني، إذ لا مبرر وفق حديثه لـ"العربي الجديد"، لاستهداف قطاعات وأعمال تستوعب عددا كبيرا من الأيادي العاملة مع انهيار مؤسسات الدولة وتوقف رواتب الموظفين المدنيين.
ويتحدث مقبل عن تركيز كبير منذ بداية الحرب الدائرة في اليمن من قبل جميع الأطراف، خصوصاً التحالف على استهداف القطاع الصناعي ومنشآت الأعمال، إما بالحصار ومنع جلب المواد الخام والمعدات والآلات اللازمة للمصانع أو بقذائف طرفي الحرب في اليمن أو بقصف طيران التحالف الذي استهداف عشرات المصانع والمنشاّت المنتجة للمواد الغذائية، والذي نتج عنه خلق بيئة طاردة للأعمال والاستثمار مع تفاقم الأزمة الغذائية والتدهور الاقتصادي في اليمن.