أزمة الصناعة السودانية: ضرائب ثقيلة وضعف التنافسية

16 يناير 2021
تحديات كثيرة تواجه المصانع السودانية (خالد الدسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

يشكو القطاع الصناعي السوداني من عثراته الكثيرة. الكهرباء شبه معدومة، والبنية التحتية متهالكة، أما الرسوم والضرائب فتثقل الإنتاج بأكلاف كبيرة تحد من التنافسية. يقول عدد من الصناعيين إن 19 ضريبة ورسماً تأكل 45 في المائة من كلفة الإنتاج، وهذا العامل وحده كفيل بطرد المستثمرين.

لكن بعض القانونيين يرون أن الضعف الاستثماري في القطاع الصناعي يرجع بمعظمه إلى السجل القانوني لمعظم المنشآت، بحيث يتم تسجيلها شركات محدودة المسؤولية بدلاً من أن تكون شركات مساهمة عامة. أما العامل الثاني الذي لا يقل أهمية، فهو ضعف الترابط ما بين القطاع والمراكز البحثية، مما يتطلب أيضاً المراجعة.

ويعتبر عدد من المراقبين أن صغر حجم معظم المنشآت الصناعية يقلل من قدرتها التنافسية مع الشركات التي تتمتع بأكلاف إنتاجية أقل، وإنتاج كثيف، وتقنيات صناعية حديثة. فيما تبقى العمالة الماهرة والمتخصصة، وضعف القدرات التسويقية، من ضمن المشكلات السائدة. وساهم القطاع الصناعي بنحو 5 في المائة فقط من الدخل القومي خلال الأربعة عقود الأخيرة، ولم تتعد مساهمته بإجمالي الصادرات الـ14 في المائة.

يقول الاقتصادي السوداني الفاتح عثمان لـ"العربي الجديد" إن المصانع تتركز في ولاية الخرطوم والجزيرة "وسط" وجنوب دارفور "غرب". إلا أنه يؤكد أن الصناعة في السودان بمعظمها تعتمد على الاستيراد لأنها إما تقوم على التعبئة أو تعتمد على مواد مستوردة كون سلاسل الإنتاج غير مترابطة. ويشير إلى ضعف الإنتاج الصناعي المحلي مقارنة مع المستوردات.

ويلفت عثمان إلى أن مستقبل الصناعة في السودان يعتمد بشكل كبير على السياسات الاقتصادية للحكومة والتي تعتبر إلى الآن غير مواتية لنهضة القطاع. ويشرح أنه يوجد تضييق على المستثمرين إلى جانب الدور السلبي الذي تلعبه أجهزة الحكومة الجبائية التي تحارب الإنتاج والصادرات وتشجع على الاستهلاك والاستيراد.

ويؤكد عجز الحكومة عن إصلاح الموانئ والنقل بالسكك الحديدية بالإضافة إلى عدم توفير الكهرباء، واعتبر أن هذه أمور كافية لإزهاق روح الصناعة وقتلها تماماً. ويقول إن البلاد تحتاج إلى تفكير نهضوي على مستوى القيادة السياسية لتنظيم كل سياسات الحكومة لصالح نهضة الاقتصاد والصناعة ومن دون التخطيط العلمي لن يتطور القطاع.

ويشرح المحلل الاقتصادي والأكاديمي عصام الدين عبد الوهاب بوب لـ "العربي الجديد" أن هناك العديد من التحديات والمعوقات التي تواجه المنشآت الصناعية في السودان. وانتقد الحديث عن التنمية الاقتصادية مع تجاهل تطور الاقتصاد الحقيقي المتمثل بثلاثة قطاعات مترابطة، أي القطاع الزراعي والصناعي والخدمي.

ويلفت إلى أن آخر إحصائيات للمصانع الموثقة والموجودة في البلاد كانت قبل سنوات طويلة وقامت بها وزارة الصناعة، إذ أجري آخر مسح صناعي في السودان خلال عام 2015، حيث كشف عن وجود 223 معصرة و28 مطحنة و17 مصنعاً للألبان و22 مصنعاً للحوم و300 مصنع بلاستيك و29 مدبغة وثلاثة مصانع للأحذية و30 مصنعاً للحديد.

ويشير بوب إلى الكثير من المصانع توقفت عن العمل، ويعزو السبب إلى الزيادات الهائلة في سعر صرف العملة والتي تعتمد عليها الصناعة لشراء مدخلات الإنتاج وقطع الغيار، إلى جانب انقطاع التيار الكهربائي والمياه والتغيير في أسعارها. ويشرح أن أزمة الوقود المستعصية الحل تضرب القطاع، وكل هذه العوامل أدت إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج مع ربط ذلك بتكلفة العمالة والتي ترتفع تلقائياً مع صعود تكلفة المعيشة.

ويشرح بوب أن الثقل الأكبر للمصانع موجود في العاصمة، وذلك بسبب البنية التحتية التي تعتبر أفضل من تلك الموجودة في المحافظات الأخرى، بيد أنه يؤكد أنها قاصرة ودون المستوى من ناحية توافر الكهرباء والمياه والطرق اللازمة لتصدير المنتجات.

ويكشف عن أن هناك محاولات جادة للتنمية الصناعية في الولايات، وهي ضرورية لتنمية الصناعات التحويلية ولكن "هذا يتطلب وجود بنية تحتية قوية لتشجيع المنهجية وهيئة الإرشاد الصناعي، إلى جانب ضرورة وجود اهتمام من الدولة التي تعتبر شبه غائبة في عمليات التطوير".

ويرى بوب أن التطور الصناعي يبدأ من الزراعة ومع تراكم رأس المال والعمالة ينتقل إلى تنمية القطاع الصناعي وبنفس الوتيرة يتطور القطاع الخدمي. ويشدد على أن المصانع قادرة، في حال لقيت الاهتمام اللازم، على تغطية الطلب المحلي في عدد من السلع، ما يحسن الميزان التجاري ويرفد ميزان المدفوعات باحتياجاته من النقد الأجنبي.

ورغم تبني الحكومة السودانية في فترات سابقة سياسات للنهوض بالقطاع الصناعي من عام 2016 إلا أنها لم تر النور بحجة الحصار الاقتصادي المفروض على البلاد. ويعانى القطاع الصناعي من عدم وجود سياسة تدعم التصنيع المحلي وآلية للتحكم في قرارات استيراد السلع الاستراتيجية والتي تعتبر من ضمن مدخلات الصناعات المحلية مثل الحبوب الزيتية، وسط عدم وجود صيغ تمويل ملائمة للاستثمار الصناعي.

ودعا الكثير من الصناعيين خلال الفترة السابقة إلى إدخال صيغ المشاركة في تمويل الاستثمار الرأسمالي والمصانعة في تمويل رؤوس الأموال العاملة بديلاً لصيغة المرابحة. سبق أن كشفت وزارة الصناعة والاستثمار في ولاية الخرطوم عن توقف 35 في المائة من المصانع، وأرجعت الأسباب إلى عدم وجود تمويل لأصحاب المصانع ومشاكل تقنية إضافة إلى ضعف الإمداد الكهربائي والبنية التحتية.

ويقول الخبير الاقتصادي أحمد إبراهيم لـ"العربي الجديد" إن الضرائب والرسوم المفروضة على الصناعية تؤدي إلى مشكلة فعلية في تكلفة العملية الإنتاجية، وتحجب فرصاً استثمارية كثيرة عن السوق السوداني.

كذلك، فإن الحصار الاقتصادي المفروض على السودان منذ عام 1997 كانت له تداعيات في حصول المصانع على التقنيات الحديثة وقطع الغيار للصيانة، وسط عدم توافر النقد الأجنبي الكافي. فيما تظل استراتيجية إدارة الموارد غائبة، ما أثر أيضاً على انسياب مدخلات الإنتاج للتصنيع الزراعي.

ويرى عدد من المحللين أن انضمام السودان إلى الاتفاقيات الإقليمية والعالمية قد أضر كثيراً بالصناعة، بالتزامن مع غياب استراتيجية واضحة لكيفية الاستفادة من هذه الاتفاقيات لصالح الصناعة المحلية، مما جعل السودان سوقاً لمنتجات الدول وخفض من القدرة التنافسية في السوق المحلية. وظل اتحاد الغرف الصناعية يشكو من تذبذب الدولار وارتفاعه لسنوات طويلة، وكذلك من غياب الرؤية الاستراتيجية وتكلفة الكهرباء العالية التي تؤثر على القدرة المالية للمصانع، خاصة أن المصارف لا تدخل في شراكات إلا عبر المرابحة.

وأصدرت وزارة الصناعة سياسات تهدف إلى تشغيل الطاقات المعطلة وتشجيع الاستثمارات في القطاع الصناعي والسعي لحل المشكلات وتذليل العقبات التي تواجه القطاع، وكذلك دعت إلى التنسيق مع الجهات المختصة لتوفير النقد الأجنبي لمدخلات صناعة الأدوية ومنتجات السكر والقمح بالتنسيق مع بعض المصارف وتوفير مدخلات الإنتاج المحلية، إلا أن تلك الجهود لم تثمر بسبب عدم ثبات السياسات المالية والنقدية.

المساهمون