أزمة الدولار تؤجج الشارع العراقي رغم إطاحة محافظ المركزي

24 يناير 2023
الحكومة تعجز عن وقف نزيف الدينار (فرانس برس)
+ الخط -

بعد يوم واحد من تصاعد الدعوات الشعبية في العراق، للخروج بتظاهرة حاشدة أمام مبنى البنك المركزي المطل على نهر دجلة وسط العاصمة بغداد، أقر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، حزمة من القرارات الجديدة التي تهدف لمواجهة التراجع القياسي لقيمة الدينار أمام الدولار، والتي تخطت مساء الأحد، عتبة الـ 1650 دينارا للدولار الواحد، كان أبرزها إعفاء محافظ البنك المركزي، مصطفى غالب مخيف، من منصبه.

يأتي ذلك إلى جانب قرارات أخرى من بينها فتح نافذة خاصة للتجار والمستوردين الصغار، لتزويدهم بالدولار بالسعر الرسمي، وإلغاء العديد من الإجراءات المتعلقة بحصول المواطنين على الدولار من الراغبين في السفر إلى خارج البلاد تصل إلى 5 آلاف دولار للشخص الواحد.

في غضون ذلك، قال أحد منسقي التظاهرة المقرر خروجها يوم غد الأربعاء احتجاجا على أزمة الدولار، محمد السعدي، لـ"العربي الجديد"، إنهم سيواصلون التحشيد لتظاهرات تهدف إلى إيصال صوت ملايين العراقيين المتضررين.

وأضاف السعدي أنهم "غير مؤمنين بجدوى هذه المعالجات، لأن الأزمة من الأساس كانت بسبب الحوالات الخارجية المتجهة لدول عليها عقوبات أميركية، وفرض البنك الفيدرالي الأميركي إجراءات ترقى إلى أن تكون وصاية مالية على الدولار المتجه للعراق"، مشيرا إلى أن أزمة الدولار لها أبعاد سياسية واضحة.

أزمة تتجاوز المركزي
رغم الإجراءات الجديدة، فإن مختصين بالشأن المالي يؤكدون أنها قد لا تأتي بأي نتائج إيجابية ناجعة على أزمة تراجع الدينار العراقي، والتي كانت تفوق قدرة البنك المركزي، كونها مرتبطة بإجراءات اتخذتها إدارة البنك الفيدرالي الأميركي، والتي أنشأت منصة خاصة لتداولات العراق الرسمية لمراقبة الحوالات ومنع استفادة إيران ونظام الأسد منها على وجه التحديد، وفقا لمسؤول عراقي بارز في العاصمة بغداد في تصريحات لـ"العربي الجديد".

وقال المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، إن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قد يُسرّع من موعد زيارته المقررة إلى واشنطن بسبب الأزمة الحالية التي ألقت بظلالها على الأسواق العراقية وأثّرت على القدرة الشرائية للمواطنين بشكل كبير بالشهرين الماضيين. ولفت إلى أن هناك إجراءات جديدة ستتخذها الحكومة ترتبط بإدارات البنوك العراقية الحكومية وحذف شركات وبنوك مخالفة من مزاد العملة، وفرض إصلاحات أخرى".

وتراجعت قيمة الدينار العراقي منذ منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، من 1480 دينارا للدولار الواحد، إلى مستويات قياسية وصلت نهار الأحد، إلى 1660 دينارا، ولم تنفع عمليات أمنية تم خلالها اعتقال عشرات المضاربين وتجار العملة في بغداد، في ضبط أسعاره أو على الأقل كبح تراجع العملة المحلية المتواصل.

وتوعد بيان لوزارة الداخلية العراقية من سماهم بـ"المتلاعبين"، بالعملة الصعبة الدولار، بعقوبات كبيرة، وفقا لقانون الجرائم الاقتصادية، لكن الإجراءات الميدانية التي اتخذتها بغداد وأربيل لم تسفر عن أي تحسن خلال الأسبوع الحالي.

وعقب ذلك أصدر رئيس الوزراء قرارات عدة أبرزها، أمس الاثنين، إعفاء محافظ البنك المركزي العراقي مصطفى غالب، وتعيين علي محسن العلاق بالوكالة بديلا عنه، كما تمت إحالة مدير المصرف العراقي للتجارة سالم جواد الجلبي، إلى التقاعد وتسمية بلال الحمداني بديلا عنه بالوكالة أيضا.

كما جاء في بيان منفصل آخر لمكتب رئيس الوزراء أن الأخير اتخذ قرارات عديدة عقب لقاء مع أعضاء غرفة تجارة بغداد، لمعالجة تقلب سعر الصرف للعملة الأجنبية أمام الدينار.

وحسب البيان فقد جرى اتخاذ عدّة قرارات تصبّ في مسار تثبيت سعر الصرف ومنع التلاعب، أبرزها فتح نافذة جديدة لبيع العملة الأجنبية لصغار التجّار عبر المصرف العراقي للتجارة، وإطلاق استيراد السلع والبضائع للشركات المسجلة في وزارة التجارة، وتسهيل إجراءات الاستيراد وتقليص متطلبات فتح الاعتمادات المستندية، وإشراك غرف التجارة واتحاد الصناعات في جلسات المجلس الوزاري للاقتصاد، ممثلين للقطّاع الخاص.

كما أقرت الحكومة منافذ في المطارات لبيع الدولار للمواطنين الراغبين بالسفر بالسعر الرسمي للصرف وهو 1450 دينارا للدولار الواحد، وبواقع 5 آلاف دولار للمواطن الواحد.

تراجع طفيف للدولار
عقب ساعات من اتخاذ القرارات الحكومية العراقية، تراوحت أسعار صرف الدينار أمام الدولار، بـ 1620 دينارا للدولار الواحد، وهو أقل من نهار الأحد، الذي أغلق عند 1650. وأرجع خبراء مال التراجع الطفيف، إلى ارتباك السوق وعدم رغبة المشترين بالشراء لحين وضوح قرارات المحافظ الجديد الذي تم تعيينه.

مستشار الحكومة العراقية المالي، مظهر محمد صالح، أجاب عن سؤال حول سبب تراجع قيمة الدينار والأزمة الحالية في كلمة له بمنتدى اقتصادي مساء الأحد، قال فيه إن "الفرق في قيمة الحوالات، والطلب المستمر للدولار سببان رئيسان أدّيا الى هبوط سعر الدينار أمام الدولار".

وركز صالح على الوضع المالي للبلد، وأسباب هبوط سعر صرف الدينار العراقية أمام الدولار الأميركي، مشيرا إلى أن "لدى العراق حسابا خاصا بالمقبوضات النفطية أنشئ بالاستناد إلى قرار صادر من مجلس الأمن الدولي، وهذا الحساب موثق باسم البنك المركزي العراقي، وتحوّل إليه جميع موارد العراق المالية بالعملة الصعبة".

ونوه إلى وجود علاقة بإجراءات الفيدرالي الأميركي الأخيرة حيال التحويلات المالية للعراق وتراجع قيمة الدينار. وأوضح صالح أن العرض والطلب على العملة الأجنبية سبب رئيس في ارتفاع نسبة التضخم في العراق. ولفت المستشار المالي إلى وجود احتياطي مالي كبير في البنك المركزي من الدولار.

أميركا وتقلب الدينار
المختص في التعاملات المالية العراقية، علي الحياني، قال إن "تقلّب الدينار بدأ مع امتثال العراق لبعض معايير نظام التحويلات الدولي (سويفت) الذي بات ينبغي على المصارف العراقية تطبيقه مؤخراً للوصول إلى احتياطات العراق من الدولار الموجودة لدى الولايات المتحدة.

وأضاف الحياني، لـ"العربي الجديد"، أن الاحتياطات العراقية النقدية لدى الولايات المتحدة تبلغ 100 مليار دولار، مما يتطلب التزام العراق بأحكام مكافحة غسل الأموال العالمية، وأحكام مكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال، وجميع التعاملات النقدية المتعلقة بالعقوبات الأميركية المفروضة على البنوك والمؤسسات المرتبطة بالنظام الإيراني بشكل أو بآخر.

ويرى الحياني، أن الارتفاع القياسي الأخير للدولار يعد سابقة خطيرة تضع حكومة السوداني أمام حرج كبير، بسبب عدم إمكانها لوضع الحلول التي تساعد على سد ثغرات السياسة النقدية المحلية من جهة، وعدم سيطرتها على الأسواق المالية من جهة أخرى.

لكن عضو البرلمان العراقي، فهد تركي، قال لـ"العربي الجديد"، إن البنك المركزي ووزارة المالية يتحملان مسؤولية انهيار العملة المحلية أمام الدولار بهذا الشكل الكبير. وحذر تركي السلطات النقدية العراقية مما وصفه بـ"الاستمرار في تجاهل لائحة التعاملات المالية الدولية، لأن ذلك سيصعب من مهمتها في إعادة التوازن وتعديل سعر الصرف في السوق المحلية".

وكشف أن "البنك المركزي عاجز عن مراقبة مزاد العملة وحركة الأموال ومتابعة البنوك والتداول النقدي"، مشدداً على أهمية تفعيل دور ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة للحد من عمليات التداول المشبوهة وغسل الأموال.

تحذيرات ومخاطر
من جهته، حذر الباحث الاقتصادي علي عواد من خطورة الحوالات السوداء على السوق العراقية، والتي تعد من أسباب ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق المحلية. وبين عواد، لـ"العربي الجديد"، أن مكاتب التصريف المحلية تتبع طرقاً غير شرعية في تحويل الأموال إلى الخارج، وهناك تجار يتبعون طريقة تحويل الأموال إلى خارج العراق عبر تلك المكاتب دون الرجوع إلى البنك المركزي أو منافذ التحويل المالي الرسمية".

وللحد من هذه الظاهرة، شدد عواد، على أهمية أن تتولى وزارة التجارة العراقية عملية الاستيراد الكامل من الخارج عن طريق شركاتها العامة، لتغطية حاجة السوق من خلال وكلائها الموزعين في جميع المحافظات العراقية بالسعر الرسمي الموحد.

وأضاف أن وزارة التجارة يمكنها أن تستورد من الخارج بالسعر الحقيقي الرسمي للدولار، دون الحاجة إلى فتح اعتماد جديد، فضلاً عن امتلاكها أصول نقل خارجي تسهل من عملية الاستيراد.

وأكد عواد على أهمية الابتعاد عن الحلول الترقيعية التي تنتهجها الحكومة، محذراً من تجاوز سعر صرف الدولار عتبة الـ 200 ألف دينار عراقي لكل 100 دولار إذا بقي الحال كما هو عليه الآن.

من المتضرر؟
يرى عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، جمال كوجر، أن المواطن هو المتضرر الكبير من هذا الارتفاع القياسي الجديد للدولار، لأن السوق العراقية تشهد ارتفاعاً كبيراً في مستويات أسعار السلع والبضائع.

إلا أن كوجر، وفي حديث صحافي، يرى أن مؤسسات الدولة هي الأخرى تضررت بشكل كبير من ارتفاع سعر الدولار، لأنها تتبع السعر الرسمي المعتمد لدى البنك المركزي.

حذر الباحث الاقتصادي علي عواد من خطورة الحوالات السوداء على السوق العراقية

وأضاف أن تأثير الارتفاع على المؤسسات يأتي بسبب تزايد مؤشرات التضخم وارتفاع معدلات الكساد في السوق، مما يؤدي إلى تضرر المنافذ الحدودية من خلال انخفاض إيرادات الضرائب والجمارك.

وطالب كوجر الحكومة العراقية بالالتزام بالنظام المالي والنقدي الوطني، للانسجام مع النظام النقدي العالمي، مبيناً أن هناك قضايا سياسية خارجية وداخلية خارج إرادة العراقيين أدت إلى ارتفاع سعر صرف الدولار إلى حد كبير ووصوله إلى هذه الأرقام القياسية.

في السياق ذاته أكد المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، أن تراجع سعر صرف الدينار أمام الدولار زاد نسب البطالة والفقر في العراق. وذكر نائب رئيس المركز حازم الرديني في بيان صحافي أن "انخفاض قيمة الدينار العراقي أدى إلى ازدياد أعداد العاطلين من العمل وتوقف الكثير من المشاريع الخاصة لارتفاع أسعار المواد الأولية وازدياد نسب الفقر بسبب الارتفاع الكبير بأسعار المواد الغذائية".

وطالب الحكومة بـ"ضرورة اتخاذ خطوات سريعة للحفاظ على قيمة الدينار العراقي وفرض أسعار محددة على المواد الغذائية الأساسية والعمل على دعم قطاعي الزراعة والصناعة".

 

المساهمون