أزمة الدواء تنعش التهريب في سورية

21 أكتوبر 2021
نقص حاد في الكثير من أصناف الأدوية (الأناضول)
+ الخط -

أطلّت أزمة الدواء في سورية بمشاهد أكثر مأساوية في ظل اختفاء الكثير من الأصناف والارتفاع الحاد في الأسعار، لتنشط أعمال المهربين الذين يتاجرون بأوجاع المرضى برفع أسعار العقاقير المجلوبة من الخارج، بينما تتصاعد الإصابات بالموجة الجديدة من وباء كورونا، إذ كشفت وزارة الصحة في حكومة بشار الأسد، قبل أيام، عن وصول نسب الإشغال إلى 100% في مشافي دمشق وريفها واللاذقية وحلب والسويداء، و90% في باقي المحافظات.

ووصلت الكلفة الإجمالية للعلاج اليومي لمصابي كورونا في العناية المركزة بالمشافي الخاصة إلى نحو 4 ملايين ليرة، وفق تصريحات أخيرة لعصام الأمين، مدير مشفى المواساة الحكومية في دمشق.

ويزداد الطلب على الأدوية الخافضة للحرارة والفيتامينات، بحسب ما يفيد العامل في قطاع الأدوية بدمشق، أحمد الصمودي، ليتجاوز سعر عبوة البنادول الخافض للحرارة 15 ألف ليرة، وترتفع معظم أسعار الأدوية الأجنبية المهربة، والتي تُباع بالصيدليات سراً، ليصل سعر بخاخ الربو إلى 90 ألف ليرة.

وعن البدائل المحلية، يؤكد الصمودي لـ"العربي الجديد" أن "صناعة الأدوية تعيش مرحلة ما قبل الإغلاق، بعد تراجع الإنتاج وإيقاف بعض الأصناف التي تدخل فيها مواد أولية مستوردة، خاصة أن التعليمات الحكومية الأخيرة سمحت بإجازة استيراد كميات محددة وهذا غير مجدٍ في عمليات التعاقد والشحن، لا سيما مع ارتفاع أسعار الدولار في السوق السورية (3550 ليرة) وانسحاب المصرف المركزي من تمويل الواردات".

ويضيف "مخفضات الحرارة والمسكنات التي تستخدم في أمراض الشتاء وكورونا ارتفعت أسعارها أكثر من 400% خلال عام، والأخطر نفاد أدوية الأمراض الخطرة رغم ارتفاع سعرها بأكثر من 1000%".

وطاول قطاع الأدوية ما لحق ببقية القطاعات الإنتاجية والخدمية بسبب الحرب، ليخرج بحسب الصناعي محمد طرقجي 24 معملاً لصناعة الأدوية من الخدمة، ويتراجع الإنتاج بنحو 75% عما كان عليه في 2011.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويؤكد طرقجي من مدينة حلب لـ"العربي الجديد" أن هناك صعوبات في استيراد المواد الأولية وتجديد خطوط الإنتاج بسبب العقوبات والظروف الداخلية، ومنها نقص المشتقات النفطية وانقطاع الكهرباء التي تهدّد الصناعات الدوائية بالتوقف. ويشير إلى انتشار الدواء المهرب من إيران والهند والعراق وهو غير مراقب من وزارة الصحة، رغم أنه يباع بالصيدليات بشكل خفي.

ويأتي تراجع سعر صرف الليرة المستمر ليزيد الخلل بين أسعار المواد المستوردة بالدولار والقدرة الشرائية للسوريين "لذا نرى توقف المعامل عن إنتاج بعض الأدوية أو التلاعب بالمادة الفعالية والتوجه إلى الأنواع الرخيصة والمطلوبة بالسوق"، وفق طرقجي .

وكان رئيس المجلس العلمي للصناعات الدوائية، رشيد الفيصل، قد حذر أخيراً من نقص الأدوية وانقطاع أصناف علاجات الكلى والقلب والضغط، مشيراً خلال تصريحات صحافية إلى صعوبات لدى المعامل في تأمين تمويل المواد الأولية إضافة إلى صعوبات اقتصادية أخرى تواجهها هذه المعامل.

وتشير مصادر سورية إلى "عدم استكمال المنشآت الدوائية بعد منح رخص لأربع شركات بمدينتي طرطوس واللاذقية"، لافتة إلى وجود 96 شركة ومعملاً لإنتاج الدواء قبل عام 2011، كانت تؤمن نحو 93% من حاجة السوق المحلية، خرج منها 24 شركة وتراجع الإنتاج في ما تبقى.

كذلك تؤكّد تقارير نقابة الصيادلة إلى أن نحو 4500 صيدلي يبحثون عن عمل في هذه الفترة، منهم خريجون جدد لم يتمكنوا من فتح صيدليات نتيجة توقف منح القروض وغلاء المستلزمات والتجهيزات والأدوية، وآخرون فقدوا صيدلياتهم نتيجة وجودها في المناطق الساخنة، مشيرة إلى أن إجمالي عدد الصيادلة المنتسبين إلى النقابة بلغ حتى الآن 25 ألف صيدلي في حين هناك 5500 صيدلي هُجروا من صيدلياتهم وهدمت 3000 صيدلية خلال الأزمة التي تتعرض لها البلاد.

وبعد رفع حكومة نظام بشار الأسد أسعار 12 ألف صنف دوائي بنسب بين 30% و40% في يونيو/ حزيران الماضي للمرة الثانية خلال العام الجاري، عاود أصحاب المعامل وشركات الأدوية تحذيراتهم بالتوقف عن الإنتاج في حال عدم تعديل سعر الأدوية.

وتكشف مصادر مطلعة من دمشق أن مجلس نقابة الصيادلة رفع أخيراً جدولاً خاصاً إلى وزارة الصحة لإعادة دراسة أسعار الأدوية، على اعتبار أن "أسعار الأدوية اليوم لا تتوافق مع كلفتها الإنتاجية"، لذا توقفت بعض الشركات عن الإنتاج وقل توفر الأدوية بالأسواق، و"أن رفع سعر الدواء السوري سيكون في مصلحة المواطن كي لا يضطر لشراء أدوية غير مرخصة ومجهولة المصدر بأسعار عالية".

واعتبر الطبيب إبراهيم شحود، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "لا حل أمام حكومة الأسد سوى رفع الأسعار"، لأن قطاع الأدوية يعاني من ارتفاع تكاليف الإنتاج، وإلا سنرى استمراراً في الانسحاب من السوق، مشيراً إلى ضرورة استثناء هذا القطاع من القرارات الحكومية التي تحدّ من الاستيراد حفاظاً على القطع الأجنبي، فالدواء ليس كماليات كما السيارات والهواتف النقالة لتعيق وزارة الاقتصاد استيراد المواد الداخلة بالصناعة أو تفرض رسوماً مرتفعة على الآلات.

وأشار شحود إلى أن تراجع سعر صرف الليرة هو ما وضع أسعار الأدوية بموقع صعوبة الحصول عليها، فالدواء السوري برأيه ليس مرتفع الثمن، لكن الدخل منخفض والعملة السورية متهاوية، مضيفاً "لو قسنا أسعار الدواء على أي عملة وأي دولة مجاورة، فسنرى أنه لا فروقات بالأسعار، بل الدواء السوري أقل ثمناً". ولفت إلى ارتفاع أسعار الدواء ست مرات خلال الثورة وبنسب مرتفعة "بين 30% و1500%".

وبواقع ارتفاع أسعار السلع والمنتجات الغذائية وعدم الحصول على العناصر الأساسية من الطعام تراجعت صحة سوريي الداخل وباتوا بأمس الحاجة لمكملات غذائية، خاصة الأطفال والحوامل وكبار السن، إذ ظهرت بحسب الطبيبة سلوى أحمد حالات الوهن العام وضعف وضمور العضلات وتزايدت حالات الإصابة بمرض الكواشيوركور (سوء تغذية البروتين والطاقة)، معتبرة أن "الوضع خطير جداً بعد زيادة حالات تضخم الكبد وضعف المناعة والتأثير على صحة وقدرة الأطفال العقلية". وتشير الطبيبة لـ"العربي الجديد" إلى أن أسعار المكملات الغذائية والفيتامينات ارتفعت أكثر من قدرة السوريين الشرائية والذين لا يزيد دخلهم عن 75 ألف ليرة.

المساهمون