تمكنت أوكرانيا من تعزيز صادراتها من الحبوب في البحر الأسود إلى مستوى لم تشهده منذ ما قبل الغزو الروسي، لكن أزمة الشحن في البحر الأحمر تشكل تحديا جديدا لتجارتها الزراعية الحيوية.
وأدى نجاح كييف في استبدال خطتها الخاصة للشحن لتحل محل اتفاق تصدير تدعمه الأمم المتحدة في البحر الأسود إلى التخفيف عن المزارعين الأوكرانيين والدول المستوردة.
وساعد انتعاشُ الصادرات الاقتصادَ الأوكراني على الاستقرار في العام الماضي، كما ساهم في خفض أسعار المواد الغذائية العالمية بعد أن دفعها الغزو الروسي في فبراير/شباط 2022 إلى مستويات قياسية.
وشحنت كييف نحو 4.8 مليون طن من المواد الغذائية في ديسمبر/كانون الأول، معظمها من الحبوب، من موانئها على البحر الأسود، متخطية للمرة الأولى الكميات التي سجلتها في إطار الممر السابق الذي رعته الأمم المتحدة. وانسحبت موسكو من ذلك الاتفاق في يوليو/تموز الماضي قائلة إنه لا يحترم الالتزامات المتعلقة بحماية صادراتها.
وقبل الغزو الروسي، كانت أوكرانيا تصدر نحو ستة ملايين طن من المواد الغذائية شهرياً عبر البحر الأسود.
وقالت سفيتلانا ماليش، المحللة الزراعية البارزة لمنطقة البحر الأسود في مجموعة بورصات لندن إن "ممر التصدير البديل عبر البحر الأسود من أوكرانيا كان بالتأكيد إشارة إيجابية لنشاط الزراعة، لكن هناك مخاوف كثيرة تتعلق بالوضع في البحر الأحمر".
وقال مسؤول أوكراني كبير الأسبوع الماضي إن صادرات الحبوب الأوكرانية بحراً في يناير/كانون الثاني قد تنخفض بنحو 20% مقارنة بالشهر الماضي، ويرجع ذلك في الغالب إلى أزمة البحر الأحمر.
وأدت الهجمات التي شنها الحوثيون الذين يسيطرون على مناطق ذات كثافة سكانية كبيرة باليمن على السفن المتعاونة مع إسرائيل في البحر الأحمر إلى عرقلة التجارة بين أوروبا وآسيا. ويقول الحوثيون إنهم ينفذون هجماتهم تضامناً مع الفلسطينيين ضد إسرائيل التي تقصف غزة. وأدت هجماتهم إلى شن ضربات جوية أميركية وبريطانية ضد أهداف حوثية.
وعبور البحر الأحمر شديد الأهمية لأوكرانيا لأن ثلث صادراتها يمر عبر هذا البحر إلى الصين.
وقال ألكسندر كارافيتسيف، كبير الاقتصاديين في المجلس الدولي للحبوب، إنه بموجب خطة التصدير الأوكرانية الجديدة، تورد أوكرانيا أيضا الحبوب إلى باكستان للمرة الأولى منذ الغزو الروسي.
وقال محللون وتجار إن سفن الحبوب يتزايد تحولها بعيداً عن طريق قناة السويس والبحر الأحمر.
وقال كارافيتسيف: "يرجح أن يعوق الوضع في البحر الأحمر الشحنات طويلة المدى من أوكرانيا".
وضع أوكرانيا أفضل من ذي قبل
ما زالت صادرات الأغذية الأوكرانية من البحر الأسود كبيرة. وقالت شركة سبايك بروكرز التي تتتبع وتنشر إحصاءات التصدير إنه في الفترة من أول يناير/كانون الثاني إلى 19 من الشهر نفسه، شحنت الموانئ البحرية نحو 1.9 مليون طن، وإن هناك 1.7 مليون طن أخرى ستشحن حتى نهاية يناير/كانون الثاني.
ورحب المنتجون الأوكرانيون بالطريق البحري باعتبار أنه أفضل من الطرق المؤقتة عبر الاتحاد الأوروبي والممر الذي ترعاه الأمم المتحدة والذي أدت فيه عمليات تفتيش البضائع المطولة مع روسيا إلى زيادة الرسوم على السفن.
وقال ديمتري سكورنياكوف، الرئيس التنفيذي لشركة هارفي إيست الأوكرانية لتشغيل المزارع "منذ الغزو، الوقت الراهن هو أفضل وقت للمزارعين من حيث الخدمات اللوجستية".
وسمح انخفاض تكلفة الشحن بزيادة الأسعار المحلية المنخفضة في أوكرانيا. وزادت أسعار تصدير الذرة نحو 30 دولاراً للطن منذ بدء الممر الجديد، وانخفضت كلفة سفينة شحن متوسطة الحجم من أوديسا إلى إسبانيا بمقدار مماثل، وفقا لبيانات مجموعة بورصات لندن.
وتأمل أوكرانيا في تعزيز دور ممرها على البحر الأسود، الذي يخدم حاليا ثلاثة موانئ في منطقة أوديسا، من خلال الفوز باعتراف المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة التي قد ترسل بعثة في فبراير/شباط.
وقد يساعد ذلك في تقلص المخاوف من تهديد عسكري روسي في البحر.
طرق التصدير من أوكرانيا
قال مسؤولون أوكرانيون إن الاستخدام الفعال للطائرات المسيرة ضد سفن الأسطول الروسي واستعادة جزيرة بالقرب من دلتا الدانوب سمح لكييف بإنشاء الطريق الذي يمتد على ساحل البحر الأسود من أوديسا إلى المياه الرومانية والبلغارية.
وقال يوري فاسكوف، وكيل وزارة البنية التحتية في أوكرانيا لرويترز إن كييف تريد الآن إعادة فتح ميناء ميكولايف على مسافة أبعد إلى الشرق، مع استمرار الشحن العابر بطريق نهر الدانوب.
وأضاف أن أوكرانيا تأمل في زيادة إجمالي شحنات البضائع، بما في ذلك المنتجات المعدنية، من موانئ البحر الأسود والدانوب، إلى ثمانية ملايين طن شهريا، مقابل أكثر من سبعة ملايين في ديسمبر/كانون الأول.
وما زال أمن الصادرات الأوكرانية هشاً لأن روسيا تقصف الموانئ من حين إلى آخر، بينما تتناثر الألغام في البحر الأسود.
وإذا استمر تعطل طريق البحر الأحمر إلى آسيا، فالتدفق الجديد للحبوب الأوكرانية الأقل ثمنا إلى الاتحاد الأوروبي قد يؤدي أيضا إلى تفاقم السخط بين مزارعين نظموا احتجاجات في الدول الأعضاء في الشرق، مثل بولندا.
ولا يرجح أن تستهدف روسيا فعلياً طريق إمدادات الغذاء الذي يخدم الدول التي لم تتحيز إلى أي طرف في الحرب. ومع إغراء المشترين بأسعار تنافسية من أوكرانيا، من المتوقع أن يظل الممر البحري مضطلعاً بدور كبير في تجارة الحبوب العالمية.
وقال تاجر أوروبي "من وجهة نظري، سيواصل إجمالي الشحنات عن طريق البحر من أوكرانيا التوسع". وأضاف أنه تم بيع ذرة أوكرانية إلى الصين الأسبوع الماضي على الرغم من المخاطر في البحر الأحمر.
(رويترز)