أزمة الاقتصاد السوري: شلل بقطاع الصناعة وغلاء الأسعار وإغلاق للمنشآت

10 ديسمبر 2022
تآكل القدرة الشرائية تحت ضغط الأسعار(لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -

بدّل قرار حكومة بشار الأسد تلزيم القطاع الخاص بيع المشتقات النفطية بسعر مرتفع من خريطة الأسعار ووفرة المواد في الأسواق السورية، وخلق تبايناً في وجهات النظر حول بدء انسحاب الحكومة من أهم التزاماتها تجاه المستهلكين والصناعيين، أي توفير حوامل الطاقة بسعر محدد، فيما تتزايد التساؤلات عن مصير أسعار المحروقات الرسمية في شركة "سادكوب" الحكومية وقدرة السوريين على تحملها، بعد رفع أسعار المازوت الصناعي وهو مكون رئيس في كل عمليات الإنتاج الزراعي والصناعي، ما انعكس مباشرة على وفرة السلع وأسعار المنتجات، وبدأ يهدد بمزيد من إغلاقات المنشآت السورية.

يرى العضو السابق في اتحاد نقابات العمال بدمشق، محمد العمر، أن سيناريو رفع أسعار المحروقات "يعاد كل فترة وبالطريقة نفسها" مع اختلاف مهم هذه المرة، "فبدلاً من رفع الأسعار الرسمية، كما اعتاد الشارع السوري بعد كل نقص في توافر المادة، رأينا قرار وزارة التجارة وحماية المستهلك، تعلن الانسحاب وترمي مسؤولية توفير المحروقات على شركة "اس بي" الخاصة لتؤمن المحروقات وتبيعها بالسوق للمستهلكين والصناعيين، بزيادة بنحو 100 في المائة في الأسعار، فالمازوت للصناعيين ارتفع من 2500 ليرة إلى 4500 والبنزين إلى 4900 ليرة".

وحول السعر الرسمي، يقول العمر لـ"العربي الجديد" أنه لم يزل عند 2500 ليرة للصناعيين، ولكن غير متوافر لدى "سادكوب"، متسائلاً: "كيف لشركة خاصة أن تؤمن المحروقات وتعجز الشركة الحكومية عن ذلك؟".

مافيات وتلاعب

وتقول مصادر "العربي الجديد" أن حكومة بشار الأسد، انسحبت من الرقابة وتأمين المنتجات، وذلك ليس بناء على قرار إسناد بيع المازوت والبنزين لشركة خاصة فقط، بل سبقه الانسحاب من تأمين الكهرباء حيث تزيد ساعات التقنين بالعاصمة دمشق، على 22 ساعة يومياً، وتلزيم الأمر إلى شركات خاصة، إضافة إلى قرار إلزام القطاع الخاص باستجرار القمح والمحروقات من الخارج.

من جهته، يقول الصناعي السوري، محمد طيب العلو إن "مافيا النظام وراء كل اللعبة" كاشفاً أن شركة "بي اس" المرخصة في لبنان لمجموعة "قاطرجي" تعود إلى "صهر رئيس الدولة بشار الأسد، وهو ابن اخته بشرى واسمه باسل شوكت ابن اللواء آصف، والشركة تستجر النفط الخام وتكرره لدى مصفاتي بانياس وحمص، أو تستجر، عبر قاطرجي، نفطاً من مناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" بسعر لا يزيد على 25 دولارا للبرميل، لتبيعه بالسوق بأسعار مضاعفة".

وحول كيفية حصول الصناعيين على المازوت من شركة "بي إس" يضيف العلو لـ"العربي الجديد" أنه وصل للصناعيين، قرار من اتحاد غرف الصناعة للتسجيل للحصول على المخصصات المطلوبة، بعد أن تم إحداث مكتب محروقات في الغرف الصناعية، مضيفاً أن ليس جميع الصناعيين مستعدين لشراء المازوت بالسعر الجديد "سنرى توقفا وإغلاقات" هذا إذا فرضنا أن الشركة الخاصة قادرة على تأمين احتياجات الصناعة، ولم نر شحاً أو رفعاً آخر للأسعار.

ويشير الصناعي السوري إلى أن توقيت شح المشتقات النفطية ورفع الأسعار، جاء بعد تراجع الواردات من إيران وروسيا، لأن نظام الأسد لم يعد يمتلك قطعاً أجنبياً لتسديد ثمن المستوردات، لذا عهّد الأمر لشركة خاصة، بل وسمح للصناعيين والتجار باستيراد المحروقات.

أزمة للصناعيين

بدوره، يسأل الاقتصادي السوري، عماد الدين المصبح: "لماذا لا تطاول العقوبات الدولية الشركات الخاصة، وأين ذهبت ذرائع نظام الأسد بأن شح المحروقات من جراء عقوبات قانون قيصر والعقوبات الأوروبية؟".

ويضيف لـ "العربي الجديد" أن حكومة الأسد ورّطت نفسها بقرار اسناد بيع المحروقات لشركة "بيإاس" قبل أن تعدل وزارة التجارة وتلغي اسم الشركة وحصريتها، إذ بذلك تأكيد على افلاس النظام وعدم امتلاكه أموالاً للاستيراد، وليست قضية عقوبات وحصار كما دائماً يتذرعون.

ويشير المصبح إلى أن تأمين المشتقات النفطية، وإن بالسعر الجديد، ربما يكون في صالح بعض الصناعيين، لأن معظمهم كان يستجر المازوت من السوق السوداء بسعر 8 آلاف ليرة لليتر، ولكن بالنسبة للبعض الآخر سيكون معوقاً، لأنه سيرفع من تكاليف الإنتاج والخروج من المنافسة والسوق.

يتوقع المصبح ارتفاع أسعار لا يقل عن 25 في المائة بعد رفع أسعار المازوت وزيادة تكاليف الإنتاج بنسبة 50 في المائة، إثر رفع نسبة الجمارك على المستوردات وإلزام التجار بالدفع المسبق لأثمان مستورداتهم لشركات الصرافة وتخلي حكومة الأسد عن أي دعم للإنتاج والصادرات.

ويعتبر المصبح أن المستهلك السوري، من سيدفع الثمن، بعد غلاء الأسعار أكثر من 30 في المائة خلال الربع الثالث من العام الحالي وتوقع الارتفاع اليوم، ما يزيد من الفجوة الهائلة بين الدخل الذي لا يزيد على 100 ألف ليرة والإنفاق الذي يزيد على 3 ملايين ليرة للأسرة شهرياً.

ارتفاع الأسعار

وبحسب مصادر "العربي الجديد" من العاصمة السورية دمشق، فقد سجلت أسعار المنتجات الاستهلاكية ارتفاعاً "هو الأعلى منذ 11 سنة".

وتتوقع المصادر، ارتفاعات جديدة لأسعار المنتجات الاستهلاكية، بعد ارتفاع أجور نقل السلع، مستغربة بالوقت ذاته من عدم سريان مبدأ "العرض والطلب" بالأسواق السورية، لأن الشراء بحدوده الدنيا فيما الأسعار بارتفاع مستمر.

وتتزايد مخاطر الوضع الاقتصادي بسورية، برأي الاقتصادي علي الشامي من دمشق في حديث مع "العربي الجديد"، مع إغلاق المنشآت الإنتاجية التي وصلت للمخابز ومعامل الدقيق والحلويات، مشيراً إلى إغلاق مخابز "تشيلو، البيت الشامي، الشعلان، شمسين، بيت الخبز" في دمشق خلال اليومين الأخيرين وانتشار لافتة على المخابز المغلقة "نأسف لعدم استقبالكم ولكننا مضطرون لإغلاق المخبز إلى حين تأمين مادة المازوت لدينا".

وكان رئيس جمعية الحلويات بدمشق، بسام قلعجي قد قال الأربعاء الماضي إن "سبب إغلاق تلك الأفران والمخابز هو عدم توفر المحروقات، لأن الكمية التي يتم إعطاؤها لهم لا تكفيهم سوى أسبوع فقط ويبقون باقي أيام الشهر بدون عمل لعدم توفر المادة". ويلفت الشامي إلى زيادة إغلاقات المنشآت الصناعية وهجرة رجال الأعمال "خاصة إلى مصر" .

فخلال الأشهر الثلاثة أخيرة فقط، تم إغلاق 50 منشأة صناعية بسورية من أصل 79 منشأة أغلقت هذا العام، وهذه الأرقام من مدير الشركات بوزارة التجارة زين صافي، حيث إن القطاع الخاص لن يعمل بخسائر، خاصة مع التضييق المستمر ومحاصرته بقرارات الاستيراد إضافة إلى الإتاوات.

ويكشف الشامي أن حكومة الأسد أصدرت قراراً بإغلاق المدارس والمنشآت الحكومية ليوم إضافي الأحد الماضي بهدف تخفيف النفقات وعدم القدرة على تأمين الكهرباء والمحروقات للمنشآت الحكومية الخدمية والتعليمية، وذلك بعد ما وصفه كارثة النقل وشلل القطاع.

المساهمون