بوتين يضع الغرب أمام خيارات صعبة والأسواق غير مطمئنة

24 فبراير 2022
بوتين يبدو غير مكترث بالعقوبات الغربية (Getty)
+ الخط -

بينما أعلنت الولايات المتحدة وأوروبا وبريطانيا واليابان وأستراليا عن حزمة عقوبات مالية على بعض المصارف وأدوات الدين الروسية والشخصيات القريبة من دائرة النفوذ في موسكو، في أعقاب إعلان الرئيس فلاديمير بوتين الاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك شرقي أوكرانيا، فإنّ السؤال الذي تطرحه الأسواق: إلى أيّ مدى ستؤثر هذه العقوبات على موسكو وتثني بوتين إذا رغب في المضي قدماً وغزا أوكرانيا أو حدث غزو كامل لإقليم دونباس. كما يثار سؤال حول ما الذي يريده بوتين من الغزو وتأثير ذلك على أسواق المال العالمية.

ورغم أنّ بوتين ينفي نية غزو أوكرانيا، فإنّ الولايات المتحدة والدول الغربية تعتقد أنه يستهدف في النهاية الغزو، إن لم يحصل على الضمانات الخاصة بأمن بلاده وتعهد الولايات المتحدة وحلفائها بعدم تمدد حلف "ناتو" في أوكرانيا ودول أوروبا الشرقية ومنطقة النفوذ الروسي في آسيا الوسطى.

في هذا الشأن، يقول الخبير الاستراتيجي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وليام البريك، إنّ أزمة أوكرانيا تمثل نقطة تحول جوهري بالنسبة لأوروبا ونقطة انقلاب رئيسية في مسار التاريخ العالمي. ويضيف: "أعتقد أنّ بوتين لن يقف عند الاعتراف بدونيتسك ولوغانسك وسيستمر غرباً لاحتلال كامل أوكرانيا، ما لم يتعرض لعقوبات رادعة من قبل التحالف الغربي". لكنّه يرى أنّ دول البلطيق غير مهددة حالياً.

ويعلل خبراء غربيون أهداف بوتين من احتمال غزو أوكرانيا برغبته الجادة في استعادة مجد روسيا وربما استعادة دول أوروبا الشرقية التي كانت سابقاً جزءاً من الإمبراطورية السوفييتية التي سقطت قبل 30 عاماً. وبالتالي لا يزال القلق ينتاب المستثمرين في البورصات الدولية، ولا تزال تلك الأسواق مضطربة وغير مطمئنة لفاعلية العقوبات الغربية ضد روسيا وترى أنّها غير كافية لردع بوتين عن غزو أوكرانيا.

ورغم أنّ حجم الاقتصاد الروسي ليس كبيراً إذ يقدره البنك الدولي بنحو 1.71 تريليون دولار، كما أنّ حجم البورصة الروسية يقدر بنحو 694.7 مليار دولار، إلّا أنّ تأثير الأزمة الأوكرانية وما تلاها من حظر جزئي على روسيا، سيكون كبيراً على أسواق المال العالمية في حال توسعه حسب نوايا الولايات المتحدة والدول الأوروبية.

وحسب بيانات لمعهد التمويل الدولي في واشنطن فإنّ تأثير العقوبات الغربية على روسيا يعود إلى أهمية الصادرات الروسية، إذ إنّ روسيا دولة رئيسية في تصدير الغاز الطبيعي والنفط. ويقدر المعهد صادرات روسيا من النفط بنحو 7 ملايين يومياً من النفط للأسواق.

كما يقدر صادرات روسيا من القمح بنحو 18% من استهلاك القمح العالمي و17% من الغاز و12% من استهلاك النفط و20% من الأسمدة العالمية، وذلك إضافة إلى المعادن الأخرى. وفي حال توسيع العقوبات الغربية المالية على روسيا، يتوقع محللون غربيون أن يكون لها تأثير كبير على بعض المصارف التجارية في أوروبا أكثر من تأثيرها على المصارف في الولايات المتحدة.

في هذا الشأن، تشير بيانات بنك التسويات الدولية في سويسرا، إلى أنّ تأثير العقوبات سيكون أكبر على المصارف الإيطالية والفرنسية. ويقدر البنك انكشاف البنوك الفرنسية على السوق الروسي بنحو 25.8 مليار دولار وحجم قروض البنوك الإيطالية في السوق الروسي بنحو 25.2 مليار دولار، بينما يقدر حجم قروض المصارف الأميركية على المؤسسات المالية الروسية بنحو 14.7 مليار دولار.

على صعيد العقوبات الغربية على أدوات الديون السيادية الروسية، تستهدف الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون حظر المتاجرة في سندات الديون الروسية الحكومية بأسواق المال العالمية، خاصة في بورصات نيويورك ولندن وأوروبا. ويرى محللون أن مثل هذه الخطوة ستكون ذات تأثير ضعيف على الحكومة الروسية على المدى القصير، ولكنها قد تكون ذات أثر كبير على نمو الاقتصاد الروسي على المدى الطويل.

وقالت وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تروس، أمس الأربعاء، إنّ المملكة المتحدة ستمنع روسيا من بيع الديون السيادية في لندن، بعدما أمر بوتين بنشر قوات عسكرية في منطقتين انفصاليتين في شرق أوكرانيا. وأضافت: "إذا ذهب بوتين إلى أبعد من ذلك وأمر بغزو شامل لأوكرانيا، فسيتم تصعيد العقوبات".

وتأتي التطورات بعدما فرضت المملكة المتحدة الثلاثاء عقوبات اقتصادية تستهدف خمسة بنوك روسية وثلاثة من الأثرياء.

ولدى روسيا ديون خارجية سيادية وخاصة تفوق قليلاً 796 مليار دولار، حسب بيانات البنك المركزي الروسي والتي تؤكد أن الديون الخارجية على الحكومة الروسية بلغت 478.2 مليار دولار في نهاية 2021 وارتفعت بنحو 11 مليار دولار في يناير/ كانون الثاني، أي أنّ إجمالي تلك الديون يقدر حالياً بنحو 489.2 مليار دولار. بينما يقدر حجم الديون الخارجية للأعمال التجارية الروسية بنحو 317 مليار دولار في نهاية العام الماضي. وبالتالي فمن المتوقع أن تعاني الشركات الروسية في حال توسيع الحظر وفشل التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة الأوكرانية.

في هذا الشأن ترى خبيرة المخاطر العالمية بشركة " كونترول ريسك" الأميركية، أوكسانا أنتينيكو، في تعليقات لقناة  بلومبيرغ، أن خطوة الحظر الغربي ستكون مؤثرة على الشركات والمستثمرين في سوق المال الروسي، لكنّها قد لا تكون مؤثرة على قرارات بوتين وربما سيرد بالرئيس بوتين تجميد بعض الأصول الغربية الموجودة في روسيا. وتقول إنّ الحظر لن يمنع بوتين من غزو أوكرانيا.

وحتى الآن تستبعد الدول الغربية النفط والغاز من قائمة الحظر الأولية التي أعلنت عنها الثلاثاء والأربعاء، بسبب تأثيرها المدمر على الاقتصادات الغربية في أوروبا وأميركا في وقت يتزايد فيه معدل التضخم ولا توجد بدائل كافية لتغطية عجز الطاقة في أوروبا.

في هذا الشأن قال مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأميركية الثلاثاء، إنّ لا شيء مما يحدث على الأرض حالياً في أوكرانيا يهدد تدفق النفط والغاز إلى الأسواق العالمية. وأضاف المسؤول، الذي تحدث للصحافيين مشترطاً عدم الكشف عن هويته، أنّ العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس جو بايدن على روسيا بسبب أوكرانيا لا تهدف لتعطيل أسواق الطاقة العالمية، ومن المستبعد أن تتسبب في ذلك.

واقتربت أسعار النفط الخام من 100 دولار للبرميل بعدما أمرت موسكو بنشر قوات في منطقتين انفصاليتين بشرق أوكرانيا، لكنّها تراجعت أمس لأكثر قليلاً من 96 دولاراً للبرميل حسب بيانات "بلومبيرغ". وباتت روسيا منذ العام 2016 لاعباً رئيسياً في تحالف "أوبك +" الذي يهيمن على إنتاج النفط وتصديره عالمياً.

ورغم أنّ حجم الناتج المحلي الاقتصادى لروسيا وأوكرانيا يمثل نسبة ضئيلة من حجم الاقتصاد العالمي، ولا يتجاوز 1.9 تريليون دولار من حجم الاقتصاد العالمي الذي يقدر بأكثر من 70 تريليون دولار، فإنّ تأثير الأزمة على الأسواق الناشئة وعلى دول عربية وأفريقية وآسيوية تعود إلى استيراد القمح  والسلع من البلدين. ربما يسبب القمح أزمة خبز في العديد من البلدان في حال تطور الحظر الغربي ليشمل السلع الزراعية.

المساهمون