تتواصل أزمة الأرز في الفيليبين وسط مخاوف من أن تتمدد في دول جنوب شرقي آسيا، على الرغم من فرض حكومة مانيلا "سقفاً سعرياً" لتهدئة الذعر الذي أصاب المستهلكين في مانيلا من ندرة أهم سلعة لغذائهم اليومي.
وحسب صحيفة " فيل ستار غلوبال" التي تصدر في مانيلا، قالت مجموعة تجار التجزئة، في نهاية الأسبوع، إن تجار تجزئة الأرز يخسرون 7 آلاف بيزو يوميًا، بسبب تنفيذ الأمر التنفيذي رقم 39 الذي يضع حدًا أقصى لسعر الأرز. وفي مؤتمر صحافي، قال أورلي مانونتاغ، المؤسس المشارك لحركة أصحاب المصلحة في صناعة الأرز الفيليبينية والمتحدث الرسمي باسم اتحاد تجار تجزئة الحبوب في الفيليبين (GRECON)، إن بائع التجزئة سيخسر ما لا يقل عن 49000 بيزو في أسبوع واحد فقط من سقف السعر.
وحسب الصحيفة "يبيع تاجر التجزئة ما لا يقل عن 20 كيسًا من الأرز، لذلك إذا حصلوا على الأرز بسعر 50 بيزو للكيلو الواحد وسيبيعونه بسعر 45 بيزو للكيلو، فإن الفرق هو 5 بيزو للكيلو. وقال مانونتاغ: "تحتاج أيضًا إلى النظر في الإيجار والعمل والطعام، للكلف الأخرى، لذا فإن خسارة التاجر في اليوم قد تصل إلى 7000 بيزو".
وكانت الفيليبين قد فرضت حدوداً قصوى على أسعار الأرز، في محاولة لوقف ارتفاع التكاليف الناجمة عن نقص الإمدادات، لكن المحللين يحذرون من أن التدخل قد يفشل في وقف ارتفاع نفقات الغذاء.
وأعلن مكتب الرئيس فرديناند ماركوس جونيور عن هذه الخطوة يوم الجمعة، بعد توصيات من وزارتي الزراعة والتجارة. وينص سقف الأسعار، الذي سيظل ساري المفعول إلى أجل غير مسمى، على حد أقصى للسعر يبلغ 41 بيزو (0.72 دولار) للكيلو من الأرز المطحون العادي و45 بيزو (0.79 دولار) للأرز المطحون جيداً.
وشهدت أسعار الأرز، وهو الغذاء الرئيسي للأسر في جميع أنحاء آسيا، تقلباً في الأشهر الأخيرة بسبب الظروف المناخية القاسية مثل الفيضانات وموجات الحر. وكانت الهند، أكبر مصدّر للأرز في العالم، قد قيدت صادرات الأرز الأبيض غير البسمتي، في حين سارعت تايلاند إلى تعزيز الإمدادات.
وتشهد الصادرات من فيتنام، ثالث أكبر مصدر للأرز في العالم، ارتفاعاً كبيراً لتلبية الطلب في جميع أنحاء المنطقة. وجاء نحو 90% من واردات الفيليبين من الأرز في عام 2022 من فيتنام.
وحسب تقرير في نشرة "نيكاي اليابانية"، يأتي تدخل الحكومة في أسعار الأرز وسط تباطؤ نمو أسعار المستهلك في جميع أنحاء البلاد، مع تباطؤ التضخم الرئيسي إلى 4.7% في يوليو/تموز.
وبلغ تضخم أسعار الأرز 4.2% في يوليو/تموز من هذا العام، من 1.0% في يناير/كانون الأول 2022. وتؤثر هذه الأسعار المرتفعة بشكل غير متناسب مع دخل الأسر الفقيرة التي تنفق أجزاء كبيرة من دخلها على الغذاء.
في هذا الصدد، يقول نيكولاس أنطونيو مابا، كبير الاقتصاديين في بنك "آي إن جي" في مانيلا، إن تحديد سقف رسمي للأسعار ليس حلاً طويل الأجل لمشكلة ارتفاع تكاليف الغذاء.
وأضاف مابا لنشرة "نكاي نيوز"، "إن وضع حدود قصوى للأسعار في معظم الحالات قد يضع سقفاً مؤقتاً للأسعار. ومع ذلك، فإن مثل هذه الحدود الصارمة قد تؤدي إلى ظهور أوجه قصور فيما يتعلق بالعرض والطلب، مما قد يؤدي إلى تجارة الظل أو السوق السوداء".
وحسب النشرة، هذه هي المرة الأولى التي يفرض فيها الرئيس ماركوس سقفًا لسعر الأرز منذ فوزه في الانتخابات في مايو/أيار 2022.
وارتفاع أسعار السلع الأساسية ليس بالأمر الجديد على الفيليبين، حيث أدى إعادة فتح الاقتصاد المحلي في عام 2022، في أعقاب جائحة فيروس كورونا، إلى إحياء الطلب الاستهلاكي ودفع الأسعار إلى الارتفاع بسبب الطلب. وسجلت السلع الأساسية مثل البصل زيادات في الأسعار في العام الماضي.
في ذات الصدد، قال الخبير الاقتصادي في جامعة أتينيو دي مانيلا في الفيليبين، ليوناردو لانزونا،، إن التحرك لتحديد سقف لأسعار الأرز يمكن أن يكون "كارثياً لكل من المزارعين والتجار".
وأضاف أنه في الماضي، كانت الحدود القصوى للأسعار "أدت إلى زيادة التكاليف على الحكومة، وتأثيرها المباشر هو خفض الإنتاج وخفض الإمدادات في السوق". وأضاف "الأسعار ستبقى عند الحد الأقصى. لكن ما لم يتم تقديم المزيد من الدعم، فإن الطوابير الطويلة للأرز التي رأيناها آخر مرة في إدارة ماركوس الأولى ستبدأ في الظهور مرة أخرى".
ويمكن أن يكون ارتفاع أسعار الأرز في الفيليبين علامة تحذير للمستوردين الرئيسيين الآخرين لهذه المادة الغذائية الأساسية في العالم، حيث لا تزال تداعيات القيود المفروضة على الصادرات في الهند تتردد أصداؤها في جميع أنحاء آسيا وغرب أفريقيا. من جانبه، حذر البنك المركزي الفيليبيني الأسبوع الماضي، من أنه مستعد لاستئناف التشديد النقدي إذا لزم الأمر، في حين تسود الدبلوماسية والصفقات في أماكن أخرى مع اندفاع لتأمين الإمدادات.
آسيا قلقة من الإمدادات
ارتفعت أسعار الأرز في آسيا وسط تصاعد المخاوف بشأن العرض منه بعد فرض الهند المزيد من القيود على شحناتها. وقالت شيرلي مصطفى، الخبيرة الاقتصادية في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة: "إننا نشهد قدراً كبيراً من عدم اليقين". "ضغوط الأسعار تتفاقم بسبب القيود".
وأدت القيود التي فرضتها الهند إلى قلب السوق رأسا على عقب، ودفعت الدول القلقة إلى تأمين الإمدادات في إطار محاولتها احتواء ارتفاع تكلفة الأرز، الذي يعد جزءاً حيوياً من النظام الغذائي لمليارات البشر في جميع أنحاء آسيا وأفريقيا. وقالت وكيلة وزارة المالية الفيليبينية سيلو ماجنو إنها ستستقيل بعد منشور على فيسبوك بدا أنه يشكك في الحد الأقصى للأسعار الذي تم تطبيقه.
ويأتي أمن العرض من سلعة الأرز على رأس جدول أعمال العديد من المستهلكين في آسيا. حيث التقى الرئيس الفيليبيني فرديناند ماركوس الابن ورئيس الوزراء الفيتنامي فام مينه تشينه على هامش قمة آسيان في جاكرتا لتأمين إمدادات الأرز، وتطرح السنغال مبادرات دبلوماسية تجاه الهند، وتتخذ خطوات مماثلة مع دول أخرى، بما في ذلك غينيا وسنغافورة لضمان الإمدادات.
من جانبها، قالت صحيفة "فيل ستار غلوبال" الفيليبينية أمس الأحد، تأمل الحكومة ألا يتجاوز فرض السقف السعري على الأرز شهرًا واحدًا، حيث تتوقع استقرار أسعار المواد الغذائية الأساسية خلال ثلاثة أسابيع، وفقًا لما ذكره مسؤول بوزارة التجارة والصناعة.
في ذات الشأن، قال مساعد سكرتير وزارة التجارة والصناعة بالفيليبين، أغاتون أوفيرو، إن الحكومة تأمل ألا يتجاوز تنفيذ سقف أسعار الأرز الذي دخل حيز التنفيذ يوم الثلاثاء الماضي، شهرًا واحداً.
وتجري وزارة التجارة والصناعة بالفيليبين تحقيقاً مع قائمة تجار التجزئة المتأثرين بتنفيذ سقف الأسعار، حتى يتمكنوا من الحصول على مساعدة مالية من وزارة الرعاية الاجتماعية والتنمية. وتعمل الحكومة في الفيليبين على إنشاء روابط سوقية لربط المزارعين المحليين بسلاسل المتاجر الكبرى وتجار التجزئة الآخرين، وتشجيع الشراء بالجملة أو الشراء المسبق لمحلات السوبر ماركت والمطاعم والفنادق والمنتجعات وغيرها من المؤسسات التجارية.