استمع إلى الملخص
- النزوح الجماعي لنحو مليوني مواطن زاد من تعقيد الأوضاع المعيشية، حيث اضطر العمال لترك منازلهم وأماكن عملهم، مما دفعهم لصرف مدخراتهم أو بدء مشاريع صغيرة لمواجهة التحديات الاقتصادية.
- قصص العمال مثل يزن مهاوش تعكس المعاناة اليومية وفقدان مصادر الدخل، مما أجبرهم على البحث عن بدائل مؤقتة، في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة بسبب الحصار المستمر منذ 18 عامًا.
لا يزال عمال المياومة في قطاع غزة من ضمن الفئات الأكثر تضرراً منذ بدء الحرب الإسرائيلية القاسية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتتعاظم الأزمات التي تواجههم جراء فقدانهم مصادر دخلهم الأساسية والوحيدة بفعل التدمير الإسرائيلي لأكثر من 93% من القطاعات الاقتصادية ومعظم ملامح الحياة، ما أفقدهم القدرة على توفير أدنى المتطلبات الأساسية لأسرهم وأطفالهم.
ويتسبب الدمار الواسع الذي لحق بمختلف المرافق التجارية، بما فيها من شركات ومحال تجارية وأسواق، إلى جانب المنشآت الصناعية والزراعية بشقيها الزراعي وقطاع الصيد والاستزراع السمكي وتوقفها في تضاعف نسب الفقر والبطالة جراء تسريح مئات آلاف العمال الذين يعملون باليومية، والذين يعتمدون على عملهم وأجرهم اليومي في توفير قوت ذويهم.
وقبل الحرب الواسعة على القطاع كانت البطالة تقترب من 47% نتيجة للحصار والتضييق والقيود الإسرائيلية، لكن الحرب وتداعيتها أدت إلى تعطل المزيد من العاملين، لتقارب أعداد المتعطلين نحو نص مليون فلسطيني، وفق كثير من التقديرات المحلية، وهؤلاء أصبحوا ضمن قائمة العاطلين من العمل والمحتاجين للمساعدات.
وتتزايد الأزمة التي يعاني منها العمال بشكل عام وعمال المياومة على وجه التحديد بصفتهم الفئة الأكثر هشاشة بفعل الأوضاع المعيشية الصعبة التي يتسبب فيها العدوان الإسرائيلي ونزوح نحو مليوني مواطن في ظل ظروف حياتية غاية في السوء، حيث اضطروا إلى ترك بيوتهم وأماكن عملهم، والنزوح المتكرر في أماكن مختلفة، في ظل مواجهة أزمة الطلبات المتزايدة، بالتزامن مع انعدام القدرة المالية.
ويمر العمال في ظروف معيشية متفاقمة بفعل النقص الشديد في المتطلبات المعيشية، أو الغلاء الجنوني في أسعارها، ما تسبب في تضاعف معاناتهم والتحديات التي تواجههم، الأمر الذي دفع شريحة منهم إلى صرف بعض المدخرات أو بيع ذهب زوجاتهم أو فتح مشاريع بسيطة لا يمكنها الإيفاء بالمتطلبات المتزايدة.
وتحرم الظروف الاقتصادية الصعبة عمال المياومة توفير المتطلبات الأساسية، أو القدرة على إيجاد مصادر دخل أخرى بفعل الآثار الكارثية للعدوان على مختلف القطاعات، وفي مقدمتها القطاع الاقتصادي، الأمر الذي يزيد من تعقيد ظروفهم المعيشية واضطرارهم إلى الاعتماد أساساً على المساعدات الإنسانية الشحيحة أو الوقوف في طوابير طويلة للحصول على الماء والدواء أو الطعام من التكايا المجانية.
ويقول الشاب الفلسطيني يزن مهاوش من حيّ الشجاعية شرقي مدينة غزة، إنه كان يعمل برفقة فريق متخصص في الدهان وتشطيب البيوت، إلا أنه توقف عن العمل منذ اليوم الأول للحرب، على الرغم من تعاقد الفريق على تشطيب بناية سكنية كاملة، إذ حالت الحرب بينهم وبين إتمام العمل، مبيناً أن عمله كان بمثابة مصدر الدخل الوحيد له ولأسرته.
ويلفت مهاوش لـ"العربي الجديد" إلى أنه كان بالكاد يوفر إيجار البيت وتوفير متطلبات أسرته وأطفاله من طعام ودواء وملابس وفراش، إلا أن توقفه قسراً عن العمل الذي يعتبر "شريان الحياة الرئيسي" خلق مجموعة أزمات، خصوصاً في ظل تزايد مطالب أسرته جراء النزوح في مناطق تفتقر إلى كل المتطلبات الأساسية.
ويبين أنه حاول العمل في مهن مؤقتة خارج اختصاصه، حيث باع الحلوى والخضار وبعض المواد المنزلية والتموينية، إلا أن إغلاق المعابر ومنع دخول البضائع تسببا بفشل مشاريعه الصغيرة أو توقف المشاريع التي كان يعمل بها وفق نظام المياومة، وقد بات بلا عمل أو أي مصدر دخل يمكنه من تدبير أموره الأساسية.
أما الفلسطيني حسن مقداد، الذي كان يعمل محاسباً في محل خاص بالهواتف النقالة والإكسسوارات، فيقول إنه توقف عن العمل في الأيام الأولى للعدوان. ويضيف لـ"العربي الجديد": "اعتقدنا أننا سنعود إلى العمل بعد أن تهدأ الأوضاع كما جرت العادة في الحروب والتصعيدات السابقة، إلا أن الأمور بدأت بالتعقيد، وتفاقمت بعد صدور بيان جيش الاحتلال الإسرائيلي بضرورة إخلاء المحافظات الشمالية نحو المحافظات الوسطى والجنوبية".
ويشير مقداد إلى أن العدوان تسبب بفقدان مصدر عمله بداية بالإغلاق والنزوح، وصولاً إلى إعدام الأمل بالعودة إلى عمله اليومي الذي اعتاده بعد قصف البناية السكنية التي كان أسفلها، موضحاً أن خسارة مصدر دخله الوحيد تسبب بتدهور أوضاعه الاقتصادية نحو الأسوأ، وأفقده القدرة على توفير متطلبات عائلته المتزايدة يوماً تلو الآخر.
ويلفت إلى الصعوبات التي يواجهها يومياً لتوفير متطلبات أسرته جراء عدم قدرته على توفير المال، حيث يضطر إلى الوقوف في طابور طويل للحصول على الطعام من إحدى التكايا القريبة، كذلك يصطف في طابور آخر لتعبئة مياه الشرب والاستخدام اليومي، وطابور ثالث للحصول على خبز بسعر منخفض في حال تمكُّن المخابز من افتتاح أبوابها. ويقول: "نقضي كل اليوم لتوفير أمور بسيطة لم تكن بحاجة إلى بذل أي جهد قبل العدوان".
ولم تختلف الأوضاع الصعبة كثيراً عند الفلسطيني صالح حامد، الذي كان يعمل نادلاً في استراحة بحرية غربي مدينة غزة، حيث اضطر إلى بيع ذهب عروسه لشراء خيمة وفراش وبعض المستلزمات الأساسية لعائلته بعد اضطرار العائلة إلى تأجيل الفرح بسبب الأوضاع الصعبة واستشهاد عدد من أقاربه.
ويوضح حامد لـ"العربي الجديد" أن عمله اليومي كان يساعده على العناية بوالده ووالدته والتجهيز لمراسم فرحه، إلا أن العدوان تسبب بتدمير كل مخططاته، علاوة على تسببه بخسارة مصدر دخله الوحيد، بعد توقفه عن العمل، وصولاً إلى تجريف الاستراحة البحرية.
ويلفت إلى أن المتطلبات المتزايدة في ظل شحّ البضائع وحالة الغلاء غير المسبوق تسببت بنفاد مدخراته ونقوده، مشيراً إلى أنه حاول العمل في مهن صغيرة، داخل عدد من المطاعم والبسطات الشعبية، إلا أن منع دخول المواد الغذائية واللحوم الحمراء والبيضاء تسبب بإغلاق تلك المصالح التجارية، ما اضطره إلى التوجه لمقايضة بعض المساعدات الإنسانية بأصناف أخرى أكثر أهمية لعائلتي.
ولم تكن أوضاع عمال المياومة وردية أو مستقرة قبل بدء المقتلة الإسرائيلية، حيث واجه العمال ظروفاً معيشية واقتصادية صعبة جراء تداعيات الحصار المتواصل منذ 18 عاماً، إلا أن الحرب ضاعفت نسب البطالة جراء نزوح العمال عن مصادر رزقهم أو تدميرها، ما أدى إلى تضاعف نسب البطالة، ووصول نسبة الفقر واعتماد المواطنين على المساعدات الغذائية والإنسانية والإغاثية إلى 100% من السكان، وفق تقديرات صادرة عن البنك الدولي في سبتمبر/ أيلول الماضي.