أزمات الاقتصاد الفرنسي الموجعة

29 نوفمبر 2020
ميركل وماكرون (Getty)
+ الخط -

بات الاقتصاد الفرنسي أمام سيناريوهات كلها متشائمة، خاصة مع دخول البلاد في إجراءات عزل عام للحد من انتشار فيروس كورونا، وذلك للمرة الثانية هذا العام. 
من بين السيناريوهات ما يطلق عليه "السيناريو المرعب"، والذي يصاحبه انهيار كامل للاقتصاد، وحدوث موجة واسعة من إفلاس الشركات الكبرى، وتفاقم أزمة البطالة، وزيادة قياسية في الدين العام وعجز الموازنة، وتراجع حاد في إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، خاصة من قطاعات حيوية مثل الصادرات والسياحة والنقل والطيران والخدمات والاستثمارات الأجنبية.
وهناك سيناريو الانكماش الحاد، خاصة في ظل الأرقام الأخيرة التي أعلنها البنك المركزي الفرنسي والتي أكد فيها أن البلاد ستفقد 12% من نشاطها الاقتصادي خلال الشهر الجاري، وهو ما يمهد لحدوث انكماش فصلي جديد يؤثر سلبا على مختلف الأنشطة المختلفة، كم يؤثر سلبا على فرص العمل المتاحة وإيرادات الخزانة العامة، خاصة أن الحجر الصحي سيكلف البلاد ما بين 50 و75 مليار يورو، وسيتسبب بأضرار اقتصادية وبشرية كبيرة، إضافة إلى المبالغ المطلوب من الحكومة ضخها في الأسواق لمحاصرة تداعيات الوباء صحياً واقتصادياً.
يدعم السيناريو الأخير ما ذكره صندوق النقد الدولي قبل أيام من أن الاقتصاد الفرنسي يواجه مخاطر كبيرة ستؤدي إلى حدوث انكماش في الناتج المحلي الإجمالي هذا العام بنسبة 10% جراء تداعيات الوباء، وأن على فرنسا إعداد خطة ضبط أوضاع مالية ذات مصداقية وطموحة على المدى المتوسط ليتم تنفيذها فقط بمجرد أن يكون الانتعاش الاقتصادي ثابتاً.

الاقتصاد الفرنسي، الذي يصنف على أنه ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو بعد ألمانيا، تعرض خلال الفترة الأخيرة لثلاث ضربات موجعة أدت إلى تفاقم أزماته ودخوله مرحلة الخطر. 
الضربة الأولى والقوية 
جاءت من إغلاق الاقتصاد، وفرض حظر التجوال الكلي والجزئي في البلاد، وتوقف الأنشطة المهمة بما فيها قطاعا السياحة والخدمات، وفرض إجراءات احترازية أخرى عقب تفشي الموجة الثانية.
ولا تزال الإجراءات مستمرة جزئياً حتى الآن، وهو ما يعني استمرار نزيف الاقتصاد رغم تخصيص الحكومة 118 مليار دولار للتغلب على آثار الأزمة الاقتصادية العميقة التي تسببت بها أزمة الفيروس، إضافة إلى حزمة الإنقاذ الأولى والبالغ قيمتها 500 مليار يورو خصصتها الحكومة منتصف شهر يونيو/حزيران الماضي لتنشيط الاقتصاد المتضرر بالجائحة.
كما أدى الحظر الحالي إلى تكبد الاقتصاد الفرنسي خسائر فادحة دفعت الحكومة إلى تعديل توقعاتها الاقتصادية لعام 2020 من انكماش بنسبة 10% إلى 11% حاليا. كما تعتزم خفض توقعاتها للنمو في العام المقبل 2021. وربما تزيد نسبة الانكماش مع تدهور المؤشرات الاقتصادية.
الضربة الثانية 
تتعلق باهتزاز الاستقرار الأمني في البلاد، فيوم السبت أضرم متظاهرون النار في أحد فروع البنك المركزي الفرنسي (بنك دو فرانس) بحي الباستيل في العاصمة باريس، في خضم احتجاجات عنيفة.

كما تصاعدت حالة الغضب التي سيطرت على الفرنسيين خلال الأيام الماضية، حيث شهدت البلاد حركة احتجاجية واسعة صاحبها اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة والمتظاهرين المحتجين ضد مشروع قانون لـ"الأمن الشامل"، ومحاولة الحكومة تقييد حرية الإعلام والنيل من الحريات العامة الأساسية بما فيها حرية الصحافة وحرية الإعلام والاستعلام.

وانتشرت جماعات "بلاك بلوك" في عدد من الميادين الشهيرة بالعاصمة باريس، وهناك توقعات بأن ينزل إلى الشارع، ناشطو حركة "السترات الصفراء" التي هزت فرنسا في العامين 2018 و2019 واتسمت تظاهراتها أحيانا بالعنف، وأدت تظاهراتها إلى تكبد الاقتصاد وقتها خسائر تقدر بنحو 5.7 مليارات دولار.
الضربة الثالثة 
جاءت من المقاطعة الشعبية الواسعة للمنتجات والسلع الفرنسية خاصة في المنطقة العربية ودول الخليج ودول إسلامية عدة منها تركيا وإيران وأفغانستان وبنغلاديش وباكستان ردا على اساءات إيمانويل ماكرون للدين الإسلامي والنبي محمد عليه السلام، حيث تقدر الصادرات الفرنسية لأسواق هذه الدول بمئات المليارات من الدولارات.
وهذه الضربة دفعت شركات فرنسية كبرى إلى إعلان افلاسها، أو تقليص إنتاجها والاستغناء عن آلاف العمال بها، كما أن الصادرات الفرنسية خسرت جزءا من حصتها في الأسواق العالمية سواء بسبب قيود كورونا الأخيرة أو المقاطعة.
أزمة الاقتصاد الفرنسي ستتفاقم في المرحلة المقبلة خاصة مع كلفة حزم الإنقاذ الضخمة، فالحكومة مجبرة على ضخ عشرات المليارات من اليوروهات في شرايين الاقتصاد للحيلولة دون انهياره، أو إفلاس الشركات ووقف صرف الرواتب، كما أن زيادة البطالة وفرض مزيد من الضرائب قد تثير حنق رجال الشارع.

المساهمون