أردوغان في مواجهة ثالوث الغلاء وتراجع الليرة وكلفة الإعمار... تحديات ما بعد الفوز

30 مايو 2023
أردوغان يعد بحل مشاكل زيادة الأسعار وتأهيل مناطق الزلزال (الأناضول)
+ الخط -

غلاء وتراجع لقيمة الليرة وكلفة باهظة لإعادة إعمار ما دمره الزلزال. ثالوث من التحديات التي يواجهها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إذ تركزت وعوده الانتخابية وكذلك كلمته عقب إعلان فوزه بفترة رئاسية جديدة، مساء الأحد، على تجاوز الأزمات التي تسبب فيها هذا الثالوث والتي كادت أن تطوي صفحته السياسية، حيث ذهب إلى جولة ثانية بعدما لم يتمكن من حسم الفوز في الجولة الأولى للانتخابات أمام منافسه كمال كلجدار أوغلو، والتي جرت في الرابع عشر من مايو/أيار الجاري.

أمام حشد كبير من أنصاره بعد فوزه، أكد أردوغان في خطاب ألقاه بالمجمع الرئاسي التركي في العاصمة أنقرة، أن حكومته ستسخر كافة إمكاناتها في الفترة المقبلة لنهضة الاقتصاد وتأهيل مناطق الزلزال، مشيرا إلى أن المسألة الأهم في الأيام القادمة هي حل مشاكل زيادة الأسعار الناجمة عن التضخم.

ولفت إلى خفض الفائدة في الوقت الحالي إلى 8.5%، مؤكدا أن التضخم سيهبط بدوره. وقال إن هذه المسألة ليست بالأمر الصعب بالنسبة لحكومته، مستشهدا بخفض سعر الفائدة إلى 4.6% والتضخم إلى 6.2% عندما كان رئيسا للوزراء. 

وأضاف: "سنواصل سياسة الاستقرار، والتخطيط لبناء اقتصاد إنتاجي يقوم على أساس الاستثمار وخلق فرص العمل".

وأكد أردوغان أن حكومته تعمل على تأسيس إدارة مالية "تحظى بالاحترام على الصعيد الدولي"، وتخطط لإنشاء اقتصاد إنتاجي "يركز على الاستثمار والتوظيف".

وتابع أن "تضميد جراح منكوبي زلزال 6 فبراير/شباط وإعادة بناء مدننا المدمرة سيكونان في مقدمة أولوياتنا، وكذلك سنسخر كل وقتنا وطاقتنا للعمل وإنجاز المشاريع وتقديم الخدمات".

ويبدو الرئيس التركي عازماً على الاستمرار في السياسات الاقتصادية غير التقليدية، لا سيما خفض أسعار الفائدة، والتي أكد أنها تعزز نمو الاقتصاد، بينما ترى مؤسسات مالية دولية أنها تخالف نظريات الاقتصاد وتأتي بنتائج عكسية، حيث تتسبب في تراجع قيمة الليرة واستنزاف الاحتياطي النقدي ما يؤدي تباعاً إلى ارتفاع معدل التضخم.

ورغم ضيق الأتراك من ارتفاع الأسعار خلال أسوأ أزمة تكلفة معيشة منذ عقود، حيث تجاوز معدل التضخم 80% العام الماضي قبل أن ينخفض إلى 44% في إبريل/ نيسان من العام الجاري>

وكذلك الاتهامات بالإهمال في أعقاب الزلازل الكارثية التي أودت بحياة أكثر من 50 ألف شخص في فبراير/ شباط، فإن أردوغان حصل في المقابل على شهرة بين الناخبين لقيادته تأمين إمدادات الحبوب من أوكرانيا ولوقوفه في مواجهة حلفاء الناتو مثل الولايات المتحدة بشأن محاولة السويد للانضمام إلى الحلف، فضلا عن الإجراءات التي اتبعها في تخفيف وطأة الغلاء وكذلك الإنجازات التي حققها في سبيل العبور بالدولة التركية نحو مئوية جديدة.

تبديد المخاوف

ويرى الخبير الاقتصادي التركي خليل أوزون لـ"العربي الجديد" أن الوعود التي حملها أردوغان "ستتحقق ولكن على مراحل، لأن الاستقرار الذي ستشهده بلده بعد الانتخابات، سيعيد الاستثمارات ويزيد الإنتاج، ما يعني انتعاشا اقتصاديا على المستوى الكلي، ما يسمح بامتصاص البطالة وتراجع التضخم".

ويشير أوزون إلى أن توطيد العلاقات مع دول الخليج ومصر، سيزيد الصادرات والقدوم السياحي، ولكن الأهم برأيه هو اكتشافات النفط والغاز التي ستُبدل الواقع الاقتصادي وتخفف من عبء فاتورة استيراد الطاقة، وذلك بالإضافة إلى خطط تحويل تركيا لمركز طاقة دولي كما أشار أردوغان بالاتفاق مع روسيا.

بدوره، يقول مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في إسطنبول محمد كاميل ديميريل، إن فوز أردوغان "بدد مخاوف المستثمرين" خاصة العرب، بعد تلويح المعارضة في الحملات الانتخابية بإعادة هيكلة الاقتصاد والعلاقات الخارجية، متوقعاً زيادة تدفق رأس المال الخليجي لا سيما من قطر والإمارات خلال الفترة المقبلة.

وحول إمكانية استمرار تركيا في تخفيض سعر الفائدة، يرى ديميريل أن هذه السياسة تهدف إلى خروج الأموال من المصارف إلى القطاع الإنتاجي، والأرجح أن يستمر البنك المركزي في خفض سعر الفائدة.

وكان البنك المركزي قد ثبت سعر الفائدة عند 8.5% منذ 24 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، حين أنهى سلسلة التخفيضات من 10.5% إلى 8.5%، حيث بدأ المركزي، بعهد الحاكم الجديد قافجي أوغلو، دائرة تخفيض سعر الفائدة منذ سبتمبر/أيلول عام 2021 وقت كان سعر الفائدة 19% ليخفضها 500 نقطة أساس دفعة واحدة ومن ثم تخفيض بالتدرج بين 100 و150 نقطة أساس، حتى وصلت في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي إلى 10.5 قبل التخفيض الأخير المثبت حتى اليوم.

ويرى مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في إسطنبول، أن "خطة بلاده الاقتصادية ستستمر مع تعديلات"، معتبراً أن الاعتماد على السياحة والتصدير بغرض زيادة النقد الأجنبي سياسة دائمة، لأن فاتورة الطاقة التي تبلغ قيمتها 50 مليار دولار سنوياً لم تزل تستنزف النقد الأجنبي.

ولا يخفي ديميريل أن عام الزلزال أثر بشكل كبير على الإنتاج وحجم الصادرات والقدوم السياحي، ولكن هناك تطلعات في تسجيل مؤشرات أفضل خلال النصف الثاني من العام الجاري، خاصة بعد ما وصفه بالاستقرار ونجاح أردوغان، مشيراً إلى أن هدف بلاده هذا العام، استقبال 60 مليون سائح أجنبي وزيادة عائدات القطاع إلى 56 مليار دولار.

ولأن السياحة ركن أساس ضمن خطة الدولة، فإن هناك تطلعات بجذب 90 مليون سائح عام 2028، ورفع عائدات السياحة إلى 100 مليار دولار، وفق مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في إسطنبول.

ورغم عدم وصول صادرات تركيا العام الماضي إلى 300 مليار وفق وعود الرئيس والفريق الاقتصادي واقتصارها على 254.2 مليار دولار، يقول ديميريل إن الظروف العالمية أثرت بشكل كبير على الصادرات، ولكن تبقى زيادتها إلى المستوى المنشود "قائمة هذا العام".

توفير 6 ملايين وظيفة

وبجانب كبح التضخم، وعد أردوغان برفع نصيب الفرد من الدخل القومي إلى 16 ألف دولار سنوياً ثم إلى مستويات أعلى، وتوفير 6 ملايين وظيفة، وتخفيض البطالة إلى ما دون 7%.

كما ركز البيان الانتخابي لحزب الرئيس العدالة والتنمية على دعم النمو الاقتصادي ليصل إجمالي الناتج المحلي إلى 1.5 تريليون دولار في نهاية عام 2028 ليبقى تحسين المعيشة، الوعد الأهم الذي ينتظره الأتراك بعد أن تجاوز صرف الدولار لأول مرة حاجز 20 ليرة.

وتعهد أردوغان بدعم العملة المحلية من خلال استمرار برنامج الودائع بالليرة التركية المحمية الذي أقرته الحكومة بداية العام الماضي، وإعادة هيكلة الديون.

ويقول المحلل التركي، يوسف كاتب أوغلو لـ"العربي الجديد" إن سياسة الفائدة المنخفضة "خطة واستراتيحية" وسيُبقي الرئيس عليها خلال الفترة المقبلة، لأن زمن فتح تركيا المجال للأموال الساخنة والإيداعات الخارجية التي تهدد الاقتصاد قد ولّى إلى غير رجعة".

ويلفت كاتب أوغلو إلى توجه تركيا لتعزيز التشارك مع القطاع الخاص خلال الفترة المقبلة، لتنفيذ مشاريع كبيرة، خاصة بالقطاع الطبي. لكن أستاذ المالية في جامعة باشاك شهير، فراس شعبو، يشير إلى ضرورة "الاعتدال بسعر الفائدة، وعدم التصميم على معاكسة النهج العالمي، لئلا تهرب الرساميل وزيادة تكاليف الإنتاج".

وربما يأتي تحدي الإعمار وتعويض سكان الولايات المنكوبة، في مقدمة تحديات المرحلة المقبلة. ويقدر المسؤول في هيئة الإغاثة وحقوق الإنسان التركية "آي إتش إتش" جلال ديميريل أن تكاليف إعادة الإعمار بنحو 100 مليار دولار، مضيفا: "سنرى وعود الرئيس خلال عام، ونتوقع تدفق استثمارات حكومية وخارجية لمناطق الزلزال، لأنها خزان بلاده الزراعي وتساهم بنسب كبيرة بالصناعة والصادرات".

تحدياً غير مسبوق

وواجه أردوغان بالفعل تحدياً غير مسبوق في الانتخابات الأخيرة، بفعل تداعيات الزلزال المدمر وما تبعه من آلاف الهزات العنيفة التي ضربت 10 ولايات جنوب البلاد وخلّف وراءه عشرات آلاف الضحايا. وبينما تشير تصريحات الرئيس التركي إلى استمرار سياسته الاقتصادية غير التقليدية، ترى مؤسسات مالية دولية وبنوك استثمار عالمية أن ذلك سيرسخ التداعيات السلبية التي تشهدها المؤشرات التركية.

ويحذر بنك الاستثمار الأميركي "مورغان ستانلي" من أن الليرة قد تصل إلى 26 مقابل الدولار في وقت أقرب مما كان متوقعاً سابقاً، وتنخفض إلى 28 بحلول نهاية العام الجاري، إذا التزم أردوغان سياسته المتمثلة في إبقاء أسعار الفائدة منخفضة.

كما تتوقع شركة "وولز فارغو آند كو" للخدمات المالية الأميركية أن يصل سعر صرف الدولار الواحد إلى 23 ليرة بنهاية يونيو/حزيران المقبل.

وأدت سياسات خفض الفائدة إلى هرب المستثمرين، إذ انخفض إجمالي الحيازات الأجنبية من الأسهم والسندات التركية بنحو 85%، أو ما يقرب من 130 مليار دولار، منذ عام 2013، وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية، مشيرة إلى أن سياسات حماية الودائع بالليرة كانت باهظة الثمن، إذ أنفق البنك المركزي ما يقرب من 200 مليار دولار على مدار العام ونصف العام الماضيين لتحقيق ذلك.

وقال فيكتور زابو، مدير الاستثمار في شركة أبردن للخدمات المالية في لندن: "يجب إجراء بعض التصحيحات لتجنُّب نفاد احتياطيات العملات الأجنبية على الأقلّ". سيُنتظَر إعلان السياسة، لأن "السياسات غير التقليدية الحالية غير مستدامة".

المساهمون