أردنيون يجمدون أحلامهم الاستثمارية بسبب توترات المنطقة

18 نوفمبر 2024
العاصمة الأردنية عمّان، 1 إبريل 2019 (Getty)
+ الخط -

لم يخطر ببال أسامة عبد الكريم، الذي ظل يخطط لسنوات طويلة لمرحلة ما بعد التقاعد، أنه سيضطر لتجميد أحلامه الاستثمارية وسط عدم يقين سياسي واقتصادي في الأردن بسبب توترات المنطقة.

ويقول عبد الكريم، الذي كان مديراً إقليمياً لإحدى شركات الطاقة القطرية بالأردن، إنه كان يخطط مع أحد أصدقائه لإنشاء مصنع صغير للصناعات البلاستيكية في العاصمة عمّان، لكن توترات المنطقة حرب إسرائيل على غزة التي بدأت في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 دفعته للتريث وإعادة النظر بالمشروع. وقال لرويترز "كنت متحمساً جداً للبدء بالمشروع، وفعلاً قمت بإعداد دراسات الجدوى مع صديقي وخططنا لكل شيء ولكن الحرب أوقفتنا قليلاً".

وبيّن عبد الكريم أن توترات المنطقة وغياب الرؤية الاقتصادية الواضحة جعلاه يشعر بأنه سيجازف "بتحويشة عمره". وقال "ما زاد الطين بلة هو توسع الحرب الإسرائيلية لتشمل لبنان وإيران أيضاً". وأشار إلى أن موقع الأردن بالقرب من الأزمات والحروب أثر على اقتصاده وعلى معنويات الأردنيين بشكل كبير، كما أن الأردن بلد مستورد بالدرجة الأولى، وبالتالي أي اضطرابات اقتصادية بسبب الحروب ترفع الأسعار وتكلفة المواد الأساسية "وبالتالي العملية الحسابية كلها للمشروع سوف تختلف".

وأضاف أن "القرار لم يكن سهلا وخاصة أنني كنت أخطط لأن يعمل أبنائي الثلاثة معي بحيث نؤسس عملاً عائلياً وأوفر لهم مستقبلاً آمناً ليعتمدوا على أنفسهم".

انتخاب ترامب زاد من توترات المنطقة

وعبد الكريم لم يكن وحده في تأجيل حلمه الاستثماري، بل يشاركه في ذلك المهندس أمجد ياسين (44 عاماً) الذي كان يعتزم شراء عقار سكني في أحد أحياء العاصمة عمّان. ويقول ياسين، الذي عاد من دولة الإمارات حديثاً بعد اغتراب دام 15 عاماً، إنه كان يحلم باستثمار مدخراته في وطنه ولكن مع حالة عدم اليقين بسبب توترات المنطقة فضل تأجيل القرار.

وقال لرويترز إنه لدى استشارته أكثر من خبير وسمسار في قطاع العقارات سمع توقعات متضاربة حول هذا القطاع، "فمنهم من توقع هبوط الأسعار، ومنهم من توقع ارتفاعها نتيجة عدم وضوح الرؤية". وأضاف "هذا التخبط في التوقعات والتحليلات جعلني أخاف من المخاطرة، وأفضل التريث لحين وضوح إلى أين تجري الأمور مستقبلاً". وتابع "حتى عودة ترامب لرئاسة أميركا زادت من التخوفات حول شكل الاقتصاد والسياسة في كل العالم مستقبلاً، لذلك من الأفضل أن ننتظر ونرى".

وتراجعت ثقة المستهلك بالاقتصاد الوطني 2.7% خلال الربع الثالث من العام الحالي إلى 37.6%، بحسب مؤشر إبسوس لثقة المستهلك. وأرجع التقرير ذلك إلى تدني ثقة الأردنيين في قدرتهم على الاستثمار في مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، إضافة إلى تراجع مستوى ثقتهم بالآفاق المستقبلية للاقتصاد بسبب توترات المنطقة.

وسجّل الناتج المحلي الإجمالي للأردن في الربع الأول نمواً بنسبة 2% بالأسعار الثابتة مقارنة مع الربع الأول من عام 2023، بحسب دائرة الإحصاءات العامة. ويستهدف الأردن هذا العام نمواً بنسبة 2.7%. وقال مدير عام جمعية رجال الأعمال الأردنيين طارق حجازي إن الاقتصاد الأردني يواجه حالة عدم اليقين الاقتصادي التي سادت المنطقة على خلفية التطورات الإقليمية والانتخابات الأميركية.

وقال حجازي لرويترز إن تلك الحالة ما زالت تؤثر على سلوك المستثمرين لأن صاحب القرار الاستثماري يبحث دائماً عن ظروف تضمن له العائد الاقتصادي والاستقرار. وذكر أن تكلفة الاستثمار أصبحت مرتفعة بشكل كبير "ابتداء من ارتفاع كلف الطاقة والتشغيل، خاصة مع ارتفاع أسعار النفط بشكل قياسي هذا العام، كما أن ارتفاع أسعار كلف الاقتراض شكلت حالة عدم استقرار للمستثمرين في إنجاز مشاريعهم الاستثمارية وتطويرها والاستمرار فيها".

وأضاف أن العديد من المستثمرين لجأوا للتحوط وركزوا على "الذهب والفضة والسندات" مع ارتفاع أسعار الفائدة، مما أثر على تدفق الاستثمارات في الصناعة والسياحة وغيرها من القطاعات. ودعا الحكومة إلى العمل على معالجة الاختلالات التي تحيط بالمناخ الاستثماري المحلي، والمحافظة على المستثمر المحلي من خلال خفض كلفة الإنتاج والتشغيل، وتحفيز الطلب الاستهلاكي المحلي، واستحداث صناديق تمويلية واستثمارية لدعم المشاريع الاستثمارية والتنموية في القطاعات الاقتصادية الحيوية كالسياحة والتجارة والتجزئة.

وقال رئيس جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان ماجد غوشة إنه منذ أكثر من عام يشهد قطاع العقارات والإسكان تراجعا ملحوظا في الطلب لعدة أسباب. وأضاف غوشة لرويترز أن حالة عدم اليقين بسبب توترات المنطقة والحرب في غزة ولبنان أثرت بشكل كبير على قرارات المستثمرين والمواطنين لشراء العقارات.

وأشار إلى تراجع شراء الشقق السكنية بسبب ارتفاع الأسعار وزيادة الفائدة على القروض خلال الأعوام الماضية. ولكن غوشة يرى أن الإجراءات التحفيزية الحكومية الأخيرة بإعفاء الشقق السكنية من جزء من رسوم التسجيل ربما تساهم في رفع الطلب في القطاع. وذكر أن قرار جمعية البنوك الأردنية بخفض أسعار الفائدة على القروض وخاصة السكنية منها، سيساهم في إقبال المواطنين والمستثمرين على شراء الشقق.

وقال فهمي الكتوت المختص في الاقتصاد الاجتماعي إنه من العوامل الأخرى التي قد يكون لها تأثير على مزاج المستثمر الأردني نتائج الانتخابات الأميركية وفوز الرئيس الجمهوري دونالد ترامب. وقال "لما نعلمه ونعرفه عن هذا الرجل من مواقف حادة تجاه الأردن، وإعلانه وتصريحاته المتكررة في الحديث عن ضرورة توسع إسرائيل، فإن الحديث بهذا الاتجاه يعني أن هناك أخطاراً حقيقية قد تنتظر الأردن والدول العربية الأخرى في المنطقة".

أما ريهام زيدان (45 عاماً)، التي تعمل في مجال الإعلانات، فتفضل استثمار مدخراتها في شراء الذهب، سواء عملات أو أوقيات، كلما توفر لديها مبلغ مالي. وترى أن الاستثمار في الذهب أكثر أمانا مقارنة بوضع الأموال كودائع في البنوك أو الاستثمار في الأسهم. لكنها لم تعد قادرة على شراء نفس كمية الذهب التي كانت تشتريها في السنوات السابقة بسبب وصول الأسعار إلى مستويات قياسية هذا العام. وتنتظر زيدان انخفاض الأسعار، كما تشير التوقعات، بعد تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، لتتمكن من استئناف استثمارها في شراء المعدن الأصفر.

وتضيف "أفضّل تجنب المخاطرة بالاستثمار في أي قطاعات أخرى، خصوصاً في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الحالية... الذهب عبر التاريخ أثبت أنه الملاذ الآمن للاستثمار، بغض النظر عن التقلبات والظروف". وأكد نقيب أصحاب محلات الذهب ربحي علان أن توترات المنطقة عادة ما تزيد بشكل كبير الاستثمار في الذهب. وأوضح أنه خلال عام 2024 شهد الذهب قفزة كبيرة في الأسعار لذا "لم يعد مغريا للجوء له لغايات الادخار والاستثمار والمواطنين بانتظار نزول أسعاره".

(رويترز، العربي الجديد)

المساهمون