لم يتردد في الدعوة إلى استقلالية المندوبية السامية للتخطيط في المغرب. استقلالية دافع عنها على مدى عقدين رغم الانتقادات التي تعرض لها. لا توافق البيانات التي تكشف عنها المندوبية السامية للتخطيط (حكومية) في المغرب في الكثير من المناسبات انتظارات الحكومات أو وزراء فيها، إلا أن المندوب السامي أحمد الحليمي، واصل، أخيراً، نشر العديد من التقارير والإدلاء بآراء لقيت انتقادات.
المندوبية السامية للتخطيط مؤسسة مخولة رسميا بتوفير بيانات حول السكان والنمو الاقتصادي والتضخم والبطالة والتشغيل والتجارة الخارجية، كما تنجز دراسات تقيس عبرها تمثّل الأسر لقدرتها الشرائية وتصورها للبطالة والشغل، والهوامش التي تتوفر لديها من أجل الادخار.
لا يكتفي المندوب السامي في التخطيط البالغ من العمر 83 عاماً، بنشر تلك التقارير، بل يقدم قراءته للعديد من البيانات. قراءة جاءت في العديد من المناسبات مخالفة لما دأبت الحكومات على الدفاع عنه، بل إن بعض البيانات تنقض ما تذهب إليه بعض الوزارات، كما في مسألة التشغيل في الصناعة. عندما يدلي بآرائه ويقدم توصياته، فإنه يصدر عن تجربة سنوات ممتدة. يتولى أمر المندوبية السامية للتخطيط منذ 19 عاما، وهو من المسؤولين الذين يتوفرون على ماضٍ سياسي، فقد كان من قيادات الصف الأول في الاتحاد الاشتراكي، الحزب الذي قاد المعارضة على مدى عقود.
شغل الحليمي الحاصل على دبلوم الدراسات العليا في الجغرافيا الاقتصادية العديد من المناطق، فقد عمل مستشارا في منظمات دولية مثل منظمة الزراعة والأغذية، كما عمل مديرا للأمانة العامة للاتحاد العربي الأفريقي. وقبل ذلك عمل أستاذاً للجغرافيا بكلية الآداب بالرباط، وكاتباً عاماً لوزارة السياحة، وكاتباً عاماً لوزارة التخطيط والتنمية الجهوية، ومديرا مكلفا بالدراسات الفنية والاقتصادية بالصندوق الوطني للقرض الفلاحي.
تولى منصب وزير الاقتصاد الاجتماعي والشركات الصغرى والمتوسطة والصناعة التقليدية والشؤون العامة للحكومة، في حكومة التناوب التي شكّلها الاشتراكي عبد الرحيم اليوسفي بين 1998 و2002. فقد كان من الذين ساهموا في تمهيد الطريق نحو التناوب. عندما أُعلن أخيرا عن مخطط إعادة نظر في طريقة اشتغال المندوبية السامية للتخطيط، خاصة على مستوى تتبع الوضعية الاقتصادية والتوقعات، لم يتردد في بعث بعض الرسائل إلى الحكومة، حيث شدد على أهمية استقلالية المندوبية السامية للتخطيط.
المندوب السامي عبّر عن الأمل في أن تنظر الحكومة الحالية والحكومات القادمة في استقلالية تلك المؤسسة بإيجابية، مشددا على أنه من المهم للحكومة أن تكون ثمة مؤسسة مستقلة تقوم بتقييم أعمالها، معتبرا ذلك دليلا على أن السياسيين أوفوا بما التزموا به.
لم يكفّ الحليمي عن التأكيد على ضعف الإنتاجية منذ 2010، حيث تم الانتقال من نمو في حدود 4.5% إلى 3%، وهو ما يرده إلى ضعف التشغيل، معتبرا أن إشكالية التشغيل يجب أن تحل ليس عبر توزيع الدخول بلا ضوابط، بل عبر توزيع يجعل الدخل نتيجة للعمل الإنتاجي، ملاحظا أن المغرب يستثمر 30% من الناتج الإجمالي المحلي، غير أن مردودية ذلك ضعيفة.
شغل الحليمي الحاصل على دبلوم الدراسات العليا في الجغرافيا الاقتصادية العديد من المناطق، فقد عمل مستشارا في منظمات دولية مثل منظمة الزراعة والأغذية
لا يتردد في التأكيد على أن الزراعة تنعش الأمل في بعض السنوات، لكنه أمل ما يفتأ أن يخيب في سنوات أخرى، مشددا على أن المغرب لا يتوفر على استقلاله الغذائي، بينما أسعار السلع ترتفع وستواصل ارتفاعها. وما دام المغرب يستورد 40% من حاجيات الاستهلاك، فإن مواجهة صعوبات على الصعيد الفلاحي، ستفضي إلى ارتفاع التضخم بفعل الاستيراد.
هو من المسؤولين القلائل الذين ينتقدون صندوق النقد الدولي، ويرى أنه لا مانع من التوسع في الاستدانة، إذا وجهت المديونية للاستثمار، كما لم يكن قبل الجائحة يجد حرجا في الدعوة إلى التوسع في العجز الموازنيّ.
ويعتبر أن صندوق النقد فرض نفس الوصفات على مدى خمسين عاما، متسائلا في ظل الأزمة الصحية حول ما إذا كانت تلك الوصفات صالحة اليوم للبلدان النامية؟ لا يتردد في التذكير بشباب الحركة الوطنية في الستينيات من القرن الماضي، الذين تمكنوا بفضل الرؤية الواضحة من وضع أسس اقتصاد يراد به التخلص من التبعية للمستعمر.