أصبح العمال في مصر يصنّفون بأنهم يقبعون تحت حد الفقر العالمي، وذلك مع تراجع الحد الأدنى لأجور المصريين العاملين في القطاع الخاص إلى 98 دولاراً شهرياً، في مقابل 122 دولاراً للعاملين في القطاع العام.
ويأتي ذلك نتيجة فقدان الجنيه أكثر من 57 في المائة من قيمته مقابل الدولار منذ 21 مارس/آذار الماضي، إثر اتخاذ البنك المركزي قرارين بتعويم العملة المحلية في غضون 7 أشهر فقط، وسط النقص الحاد في موارد البلاد من النقد الأجنبي، وزيادة فاتورة استيراد السلع، ارتباطاً بتداعيات الحرب في أوكرانيا.
ويبلغ حد الفقر العالمي 3.2 دولارات للفرد في اليوم، ما يعادل 96 دولاراً شهرياً، أي أن العامل المصري الذي لا يعيل سوى شخص واحد في أسرته يحتاج إلى 192 دولاراً شهرياً، وبالتالي فهو يقبع تحت خط الفقر بفارق كبير.
ولم يجتمع المجلس القومي للأجور في مصر، برئاسة وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية هالة السعيد، منذ 21 ديسمبر/كانون الأول 2021، حين قرر تطبيق الحد الأدنى للأجور في مؤسسات القطاع الخاص بواقع 2400 جنيه شهرياً، اعتباراً من 1 يناير/كانون الثاني 2022، وهو ما كان يعادل حينها نحو 152 دولاراً، وقت كان الدولار يساوي 15.7 جنيهاً.
ومع وصول سعر الدولار في البنوك المصرية إلى 24.5 جنيهاً، قررت الحكومة رفع الحد الأدنى لأجور العاملين في جهاز الدولة الإداري إلى 3 آلاف جنيه (122 دولاراً)، بداية من راتب شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، إلى جانب اعتماد علاوة غلاء معيشة استثنائية بقيمة 300 جنيه (لا تضاف إلى الأجر الأساسي للعامل)، من دون إعادة النظر في الحد الأدنى لرواتب العاملين في القطاع الخاص، والذي بات يعادل حالياً نحو 98 دولاراً.
رواتب غير كافية
ولا تكشف البيانات الحكومية عن معدلات الفقر الحقيقية في مصر، بينما أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، سابقاً، أنها وصلت إلى 29.7 في المائة في العام المالي 2019-2020، مقارنة بـ32.5 في المائة من إجمالي السكان في العام المالي 2017-2018. لكن خبراء اقتصاد يؤكدون أن النسبة الحقيقية للفقر تتجاوز 55 في المائة في مصر، في ظل الغلاء المستمر، وفرض زيادات متواصلة على أسعار السلع والخدمات والضرائب.
ويقول أحمد كيلاني، وهو شاب حاصل على مؤهل فوق المتوسط (32 عاماً)، ويعمل في أحد متاجر التجزئة المعروفة في منطقة عين شمس الشعبية بالقاهرة، إن راتبه لا يتجاوز 2500 جنيه شهرياً، وزوجته لا تعمل، وطالب مراراً صاحب العمل بزيادة راتبه بسبب التضخم وارتفاع الأسعار من دون جدوى، خاصة أنه يعول طفلين في المرحلة الابتدائية.
ويضيف كيلاني، لـ"العربي الجديد"، أن راتبه لا يكفي 10 أيام في الشهر، بسبب الزيادة المستمرة في مصاريف الطعام والشراب والدراسة والمواصلات، ما دفعه إلى الاستدانة بصورة متكررة من بعض الأقارب والأصدقاء، والتنقل على مدار الأسبوع ما بين مسكن والدته ومنزل والد زوجته، حتى يخفف من حدة النفقات، من خلال استضافة الأهل لأحفادهم.
ويشير كيلاني إلى أنه لا يدفع إيجاراً شهرياً مرتفعاً، لأنه يسكن في شقة "إيجار قديم"، ولكن سرعان ما يتبخر راتبه بسبب فواتير الكهرباء والمياه والغاز والإنترنت، وشراء مستلزمات الطعام الأساسية مثل الألبان والبيض والزيت والأرز، مستطرداً بأنه لا يشتري اللحوم أو الدواجن أو الأسماك منذ فترة طويلة، كما توقف عن التدخين لترشيد نفقاته.
ارتفاع الأسعار
أما آية السعيد، فكانت تعمل في مكتبة بحي المطرية مقابل 1500 جنيه شهرياً فقط، غير أن المكتبة أغلقت أبوابها بسبب الركود، ما اضطرها إلى الخدمة في المنازل بمقابل يتراوح بين 150 و200 جنيه في اليوم، مبينة أنها غير مطلوبة للعمل كل يوم، وإنما مرتين أو ثلاث مرات على الأكثر في الأسبوع.
وتضيف آية (29 عاماً)، في حديث مع "العربي الجديد"، أنها مطلقة منذ عامين وتعول طفلاً واحداً، مبينة أنها تقيم مع والدتها المسنة التي تتقاضى معاشاً بسيطاً، ومتكفلة بجميع مصاريف المنزل من فواتير وطعام ودواء، في ظل حالة غلاء صعبة يعاني منها جميع من حولها.
وتقول آية إن أسعار جميع السلع ارتفعت بصورة كبيرة في الشهرين الماضيين، حيث وصل سعر الكيلو من الأرز أو السكر إلى 20 جنيهاً، والعدس إلى 70 جنيهاً، بينما تباع الثلاث بيضات بعشرة جنيهات في السوق، وكيلو الطماطم أو البطاطس بـ15 جنيهاً، والبصل والجزر بـ10 جنيهات للكيلو.
وبعيداً عن الجهاز الحكومي، لا يتمتع العاملون في مصر بكثير من الحقوق التي كفلها القانون لهم، إذ يتهرب أصحاب الأعمال من التأمين على أغلب العاملين لديهم، من خلال التعاقد مع شركات خاصة لتوريد العمالة مقابل أجور زهيدة.
ومع ذلك، استجاب المجلس القومي للأجور لطلبات أكثر من 6 آلاف منشأة، بشأن عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور (2400 جنيه)، بحجة معاناتها من الظروف الاقتصادية الناجمة عن أزمة كورونا والحرب الأوكرانية.