- الحكومة التركية تتخذ إجراءات مثل تقييد التجارة وتجميد الاتفاقات مع إسرائيل، مؤكدة على دعمها للقضية الفلسطينية والبحث عن حل الدولتين، مع مراعاة الضغوط الدولية.
- تركيا تقدم دعماً إنسانياً لغزة عبر مساعدات غذائية وطبية وتأمين مياه الشرب، في إطار سعيها لدعم الفلسطينيين والحفاظ على موقف متوازن في الصراع مع إسرائيل.
تصف المعارضة التركية قيود التجارة على التبادل مع إسرائيل بالمتأخرة، وتطالب بالمزيد لناحية قطع العلاقات مع الاحتلال الماضي في عدوانه على غزة. ففيما وجد محللون أتراك أنّ تقييد التجارة مع تل أبيب "مهم وضربة للاقتصاد الإسرائيلي"، وصف آخرون الخطوة بـ"المتأخرة وغير الكافية"، داعين الحكومة التركية لاتخاذ موقف "علني وجريء" لقطع العلاقات كاملة، وفي مقدمتها الاقتصادية، خاصة أن بدائل أنقرة في المنطقة العربية وإيران تغني عن "المكاسب مع الاحتلال" وتضع بلادهم بموقعها الصحيح، بواقع ما يرونه من اصطفاف وتخندق في المنطقة منذ "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
هذه الدعوات اعتبرتها عضو حزب العدالة والتنمية الحاكم عائشة نور، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، "مزايدة" على الحكومة التركية المؤيدة والداعمة لحقوق الفلسطينيين، موضحة أنّ "موقفاً كهذا لا يأخذ المتغيرات الدولية بالحسبان، لأن قطع العلاقات جميعها مع إسرائيل وإعلان موقف عدائي مباشر، يمكن أن يجرّ تركيا إلى مربع لا تريده الآن في ظل الظروف الداخلية والدولية"
وتقول نور: "من المؤكد أنا مع مقاطعة إسرائيل وتخفيض التبادل التجاري أو وقفه كاملاً، لكن مع عدم تطور الأمر إلى قطع العلاقات لأنه يعني إعلان موقف، ليس على تل أبيب فقط، بل الولايات المتحدة أولاً والاتحاد الأوروبي ثانياً"، وهذا الأمر، برأيها، "سيعود على تركيا نفسها، بالعقوبات والحصار". ولفتت إلى أنّ "دول المنطقة معظمها، تحتفظ بعلاقات، وإن متباينة مع إسرائيل".
كما أكدت أنّ تركيا "لا تطمع بحجم تبادل يصل إلى 10 مليارات دولار أو تسعى للغاز أو التكنولوجيا الإسرائيلية فقط، بل تحرص على عدم دفع المنطقة لمزيد من الأزمات، وتسعى إلى حل الدولتين، لتحصيل حقوق الشعب الفلسطيني كاملة، وهذا هو الموقف الرسمي التركي المنطلق من الحقوق وعدم تأييد الاحتلال الاسرائيلي والذي تجلى بخطوات عملية اقتصادية، سواء تجميد الاتفاقات وتقييد التجارة وربما يتطور أكثر، طالما تستمر إسرائيل بقتلها للأخوة في فلسطين".
وكانت تركيا قد ردت أخيراً على إسرائيل بعد منع مساعيها بإنزال مساعدات غذائية جواً لأهل غزة وإعاقة أسطول "أزرق مرمرة"، عبر تقييد صادرات 54 منتجاً منها حديد الإنشاءات والفولاذ المسطح والرخام والسيراميك، إضافة إلى جميع منتجات الصلب الطويلة والمسطحة، والأنابيب الفولاذية، فصلاً عن مقاطع وأسلاك الألمنيوم ووقود الطائرات ومواد البناء، مؤكدة، وفق بيان لوزارة التجارة، أنها لم تقم منذ فترة طويلة ببيع إسرائيل أي منتج يمكن استخدامه لأغراض عسكرية.
لكن عضو حزب الشعب الجمهوري المعارض جواد غوك ينتقد حكومة "العدالة والتنمية" لاستمرار علاقاتها التجارية مع الاحتلال، معتبراً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تقييد التجارة مع إسرائيل غير كاف، مشدداً على أنّ "قطع العلاقات هو مطلب شعبي ولن يؤثر على الحكومة بل على العكس سيزيد جماهيريتها". ويضيف أن بلاده، وبعد العودة لـ"صفر مشاكل" مع دول الجوار، وفي المنطقة العربية بشكل خاص، فتحت أسواقاً وأعادت علاقات تجارية مهمة، يمكن أن تغني عن أي فاقد إسرائيلي، كما أن الاستثمارات المتوقعة من المنطقة العربية، هي أهم ما تعوّل عليه الحكومة لكبح التضخم وتحسين سعر صرف الليرة، وفق رأيه.
لكن غوك يستدرك قائلاً إنّ "السؤال هنا هل تستطيع تركيا قطع كامل العلاقات وتحمّل الضغط الأميركي والغربي؟"، ليجيب بأنّ "الحل الوسط هو قطع أي علاقات عسكرية ووقف تصدير مواد أولية تدخل بصناعة السلاح، لأن قرار تقييد التجارة، أكد وجود صادرات عسكرية ما بعد الحرب على غزة، ويمكن تأمين بدائل للشركات التجارية المصدرة للغذاء والخضر والفواكه، هذا إن لم نطالب بإغلاق المجال الجوي أمام الطيران الإسرائيلي والموانئ أمام السفن المتوجهة إليها".
وقد مرّت العلاقات بين تركيا وإسرائيل بمراحل متباينة تخللتها قطيعة بعد تأزّم إثر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2008، لتتدهور وتصل إلى حد القطيعة، بعد اعتراض البحرية الإسرائيلية "أسطول الحرية" في 31 مايو/أيار 2010، وقتل الكوماندوز الإسرائيلي عشرة ناشطين أتراك، ما دفع أنقرة وقتذاك، لطرد السفير الإسرائيلي وتجميد التعاون العسكري وتبادل المعلومات المخابراتية وإلغاء تدريبات عسكرية مشتركة، من دون أن يتم التطرق للاقتصاد أو وقف التبادل التجاري بين الجانبين.
وبعد ملامح عودة العلاقات واستئناف التبادل الدبلوماسي عام 2016، وتصريح الرئيس رجب طيب أردوغان وقتها بأنّ "العلاقات الاقتصادية ستبدأ في التحسن"، عاد التوتر عام 2018 من جديد في العلاقات، بسبب الموقف التركي من العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، لتصبح العلاقات الدبلوماسية بينهما على مستوى القائم بالأعمال، قبل أن تنتعش خلال العام الأخير وتتم استعادة السفراء وتبادل الزيارات بين مسؤولي الطرفين لتزيد الآمال بالاستثمارات المشتركة وزيادة حجم التبادل إلى 15 مليار دولار، رغم أنه لا يزيد اليوم عن 10 مليارات منه 6.4 مليارات صادرات تركية لتكون إسرائيل تاسع أكبر سوق للإنتاج التركي، وفق بيانات رسمية تركية.
لكن التوقعات تشير إلى احتمال انخفاض التبادل التجاري إلى "أقل من النصف" بعد تقييد التجارة وتراجع عدد السياح وإيقاف الرحلات الجوية المباشرة، وزيادة التوقعات بتراجع العلاقات طالما تستمر إسرائيل بحربها على قطاع غزة وتهدد باجتياح مدينة رفح جنوبه، الأمر الذي سيزيد من خسائر الاقتصاد الإسرائيلي الذي يشهد ارتفاعاً بالتضخم وتراجعاً بالاستثمارات وقطاعات الإنتاج، وإن كانت الإجراءات التركية، حتى اليوم، لا تروق للمعارضة التركية وبعض الأصوات المطالبة بقطع كامل العلاقات.
وتستمر أصوات الأحزاب التركية المعارضة المطالبة بقطع علاقات بلدها مع إسرائيل، معتبرة أن التردد واستمرار تصدير المنتجات، بما فيها مكونات الأسلحة، السبب الأهم لخسارة الحزب الحاكم الانتخابات المحلية الشهر الماضي، إلى جانب الوضع الاقتصادي الداخلي المتردي. ويقول حزب الرفاه من جديد بزعامة فاتح أربكان، نجل رئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان، عن تقييد التجارة "إن هذه الخطوة لا تكفي، ويجب أخذ خطوات أخرى إلى الأمام"، مطالباً الحكومة التركية بإغلاق رادار الإنذار المبكر "كوريجيك" في ولاية ملاطيا جنوب شرقي البلاد.
وشدد الحزب المحافظ على أن حملته ركزت خلال الانتخابات المحلية، على ضرورة وقف التجارة مع الاحتلال الإسرائيلي، لكن الحكومة أنكرت ذلك مرات عدة، معتبراً أن نشر قائمة المواد المقيدة "بمثابة اعتراف". من جهته شدد رئيس الوزراء التركي الأسبق، وزعيم حزب المستقبل المعارض، أحمد داود أوغلو، على أن التقييد ليس كافياً، مطالباً بإيقاف التجارة المستمرة مع الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل وفوري.
وقال داود أوغلو، في تدوينة عبر منصة إكس: "بما أنكم كنتم تملكون القدرة على إيقاف العديد من الشحنات، وبما أنه كان من غير الوارد أن تذهب هذه المواد إلى فلسطين؛ فلماذا لم تقطعوا الخط الناقل لمواد الإبادة الجماعية المستمرة في غزة منذ 7 أشهر؟". وأضاف أنّ "54 بنداً فقط من العقوبات ليست كافية، أوقفوا التجارة المستمرة مع إسرائيل بشكل كامل وفوري"، مشدداً على ضرورة "إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات المتجهة إلى الاحتلال ومنع السفن من الدول الأخرى من التجارة مع إسرائيل عبر الموانئ التركية وقطع كافة خطوط النقل".
من جهته، يقول النائب في البرلمان التركي عن حزب هدى بار، سيركان راملي: "في حال لم يكن الأمر تقييد الصادرات كذلك لأن الصهاينة لم يعودوا بحاجة إلى هذه السلع أو أن المخزون الموجود في تركيا قد استنفد، فإن أمراً تقييدياً محدوداً، حتى بعد 6 أشهر، أفضل من لا شيء"، مشدداً، في تدوينة عبر حسابه على منصة إكس، على ضرورة "التوقف التام عن التجارة مع عصابة الاحتلال".
وبواقع تأييد الشارع التركي للتصعيد ورفض مواصلة التجارة مع الاحتلال الإسرائيلي في ظل العدوان المتواصل على قطاع غزة للشهر السابع على التوالي، يرى المحلل الاقتصادي التركي يوسف كاتب أوغلو أنّ الرئيس أردوغان "حسم الموقف خلال خطابه يوم الأربعاء، وأكد أن قضية فلسطين في قمة أولوياته ولو بقي وحيداً وكلفه الأمر ثمناً باهظاً". ولم يستبعد كاتب أوغلو أن تذهب تركيا بقراراتها بشأن قطع العلاقات إلى الأقصى، رغم علمها بمدى التحشيد الذي يمكن أن تقوم به إسرائيل، أوروبياً وأميركياً، والذي قد يصل إلى حد فرض عقوبات على أنقرة، "لكن تركيا مستعدة ولديها على كل إجراء، رد وبدائل"، وفق قوله.
ويضيف كاتب أوغلو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ بعض الأحزاب المعارضة "بالغت " خلال انتقادها خطوة تقييد التجارة، كاتهامها للحكومة بتصدير وقود طائرات لإسرائيل، و"هذا غير صحيح"، مذكّراً بأنّ بلاده أوقفت جميع الرحلات الجوية من وإلى إسرائيل. ولفت كاتب أوغلو إلى أنّ الرئيس التركي سيلتقي رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية قبل سفره يوم الاثنين المقبل إلى العراق، للتنسيق حول مزيد من الدعم، ولا سيما الإنساني لقطاع غزة، "الذي تلتزم به تركيا منذ أكتوبر الماضي ووصل اليوم إلى نحو 50 ألف طن عبر مصر بواسطة 13 طائرة و8 سفن، وتنفذ تركيا تلك العمليات من خلال التعاون بين الهلال الأحمر التركي ورئاسة إدارة الكوارث والطوارئ (أفاد)، وبدعم من منظمات مدنية".
وتتواصل في ميناء مرسين جنوبي تركيا أعمال تحميل المساعدات إلى سفينة خيرية ستنقل مساعدات عاجلة إلى قطاع غزة مثل الأغذية والملابس ومستلزمات النظافة والإيواء ومستلزمات الأطفال، إضافة إلى مواد طبية وسيارات إسعاف بدعم من مؤسسات تركية هي جمعية رجال الأعمال والصناعيين المُستقلين (موسياد)، والمديرية العامة للأوقاف والشعب التركي، فضلاً عن مساعدات مطبخ الهلال الأحمر التركي في مدينة رفح جنوبي القطاع، الذي يقدم وجبات ساخنة مخصصة لـ10 آلاف شخص يومياً، في حين يوجد 5 من موظفي الهلال الأحمر التركي بشكل دائم في غزة، و5 في مصر، واثنان في الضفة الغربية والقدس، وواحد في الأردن.
ولتلبية احتياجات قطاع غزة من مياه الشرب النظيفة، وقّع الهلال الأحمر التركي و"أفاد" اتفاقية طويلة الأمد مع مصنع مياه في مصر، بما يضمن مرور 7 أطنان من مياه الشرب إلى غزة يومياً. وهذا الأمر يراه مراقبون أتراك، واجبا تجاه الشعب الفلسطيني، وإن كان غير كاف، متوقعين زيادة حجم المساعدات في الفترة المقبلة لقطاع غزة بالتوازي مع زيادة التوتر وقطع العلاقات مع إسرائيل التي ستجر، ربما، عقوبات وفتوراً بالعلاقات التركية مع الولايات المتحدة ودول أوروبية.